الأحد, 24 نوفمبر, 2024 , 9:17 ص
لواء بهاء البجاوى

عودة الإبن العاق

لواء بهاء البجاوى

بقلم / اللواء بهاء البجاوي

بعض المشاهد التى صاحبت عودة المصريين من الخارج بسبب انتشار فيروس كورونا يكاد ينطبق عليها مقولة ( عودة الإبن العاق)..
فالغالبية العظمى من المصريين العائدين من الخارج للبلاد منذ بداية أزمة كورونا كانوا قد قرروا السفر للخارج وترك الوطن لأسباب مختلفه ومنها :
= البعض قد رأى أن أبواب الرزق هنا ليست على مستوى الطموح الشخصى الذى يصبوا إليه وقرر أن يقفز من المركب ليبحث لنفسه عن مكان فى مركب آخر ( دولة أخرى) يحقق من خلاله الطموحات التى يشاهدها فى أفلام الفنان محمد هنيدى وغيرها من الأفلام التى أظهرت الدول الأوروبية وكأنها بلاد تحقيق الأحلام .

= والبعض قد رأى أن مناخ الحرية فى التعبير عن الرأى داخل مصر المحروسة أيضا لا يحقق طموحاته فى سب وقذف كل كائن حى يعيش على أرض مصر تحت مسمى حرية التعبير عن الرأى والتى أصبحت عبارة فِضفاضة تحمل شعار حق يُراد به باطل ويختفى ورائها كل خائن لوطنه وكل من باع هذا الوطن مقابل حفنة دولارات من أى طرف لا يريد الخير لهذا البلد ويستطيع أن يدفع لضعفاء النفوس.. فقرر أيضا أن يبحث عن بلد آخر يستطيع أن يعيش فيها ويكون مثل الكلب الذى يستطيع أن يرفع صوته بالنباح وقتما يشاء ولا يمنعه أحد حتى لو أن يقول له مُجرد ( امشى جِرّ )..
= وهناك من كان له من الأقارب الذين يعيشون فى بلاد العم سام ( ماما أمريكا ) فقرر أن يلحق بهم ويكتب إسمه فى كشوف الطيور المهاجرة بعدما تقدم بطلب هجرة من البلد الذى أنجبته ولكنه تكبرّ عليها وكأنها أصبحت لا تليق بمنزلته المُوقّره.
= ومنهم من سافر إلى الخليج منذ الثمانينيات من القرن الماضى للعمل هناك وإنهال فى جمع الريالات والدينارات وقرر الاستقرار هناك بعدما أُعجِب بمظهره وهو يرتدى الجلباب الأبيض ومن فوقه العُقال وأصبح من أثرياء الخليج.
= ومنهم من سافر من أجل الدراسة للحصول على شهادة من جامعات بلاد بره حتى يصبح نابغه فى أحد أفرع العلوم والمعرفة والاداب ويقال عليه ده متعلم فى فرنسا أو إنجلترا.. إلا أنه بعد حصوله على الدكتوراه قرر البقاء هناك واستكبر أن يعود للوطن كى يستفيد من علمه أبناءه وأشقاؤه..
= وغيرهم كثير من الفئات الأخرى التى تركت الوطن عبر العقود الماضية والتى لا يتسع المجال هنا لذكرها.

كل هؤلاء الآن بعد انتشار الوباء القاتل وفجأة ( مصر اِحلوّت فى أعيُنِيهم ) وطلبوا العودة لأرض الوطن الحبيب الغالى وتواصوا مع وزارة الهجرة والمصريين بالخارج واستجاروا بالمسئولين فى السفارات المصرية بمختلف دول العالم ( هذا العالم الذى كان يُحقق لهم جميع طموحاتهم السابقة ) من أجل إرسال طائرات مصر للطيران كى تحملهم فى رحلة العودة للوطن.. طائرات مصر للطيران تلك التى كانوا يتهكمون عليها ويصفونها بأبشع الأوصاف ويتعففون عن ركوبها..
وكل هذا بالطبع ليس من أجل سواد عيون مصر وليس لأن الحنين للوطن قد اشتد عليهم.. وليس..وليس.
بل لأنهم فجأة وجدوا أن وطنهم قد أصبح بفضل المولى عز وجل من أكثر الأماكن أماناً فقد أصبح من أقل بقاع الأرض التى ينتشر فيها فيروس كورونا القاتل..
= لذا فقد قرروا أن ينجوا بأرواحهم وتركوا خلفهم كل المغريات التى من أجلها أعطوا ظهورهم لهذا الوطن فى السابق.. وبعد أن وجدوا أذرع الدولة مفتوحه لهم على مصراعيها، ولم ترحب بعودة أبنائها فحسب بل بذلت الدولة جهوداً شاقة فى ظل ظروف عالمية قاسية لتُسهل لهم إجراءات العودة.. فى وقت هى لم تكُن مُلزمة بفعل هذا إلا أن المفاجأة الكبرى أننا نجد من بين هؤلاء من قد أساء الأدب بعد العودة وبمجرد نزوله من الطائرة وما أن وطأت قدماه أرض المطار.. وبدا وكأنه الملك المُتوّج الذى لم يلق من مراسم الاستقبال الرسمية الذى يرضى غروره فى حين أن بعضهم تمت معاملته فى الدول التى كانوا بها وقبل مغادرتهم أسوأ معامله وكأنهم ( كلاب جربانه ) ويتحتم التخلص منها..
= ولم يراعى الكثير منهم ظروف انتشار الوباء عالمياً وتحذيرات منظمة الصحة العالمية والإجراءات الإحترازية والمُعلنه مُسبقاً من الحكومة المصرية والتى تم إعلانهم بها قبل أن يصعدوا للطائرة فى طريق العودة.. ألا وهى ضرورة إلزام جميع العائدين بالحجر الصحى لمدة ١٤ يوم وهى فترة حضانة الفيروس.. وذلك حرصاً على سلامتهم وسلامة باقى أفراد الشعب، حتى إذا كان هناك بينهم احد الاشخاص يحمل الفيروس لا يقوم بنقله لعشرات ممن سوف يخالطهم من أقاربه ومعارفه.. لدرجة أن بعضهم أبدى اعتراضه على مستوى الفنادق ذات الخمس نجوم والتى تم استضافتهم بها فترة الحجر الذاتى..
= فهؤلاء قد استكبروا على الوطن فى طريقة وأسباب تركهم ومغادرتهم له.. وأيضاً فى طريقة وأسباب عودتهم إليه..
فمثل هؤلاء نود أن نُذكرهم نحن أصحاب هذا الوطن الحقيقيون بأننا من تحمل كل الصعاب التى تركتوها خلف ظهوركم وفضّلتم القفز من المركب على أساس أنها ستغرق بمن فيها، نود أن نُذكّركم انكم تُسيئوا لنا كمصريين وانكم ابعد ما تكونوا عن الإلمام بمعنى ومفهوم كلمة الإنتماء للأوطان.. وبتصرفاتكم هذه نود أن نُحيكم علماً بأنكم حالياً أصبحتم فى منزلة الضيوف على أرض هذا الوطن ولم تعودوا أصحاباً له… ويجب أن تتذكروا جيداً أن من حق صاحب المنزل أن يطرد أى ضيف إذا لم يلتزم بآداب الضيافة..
كل هذا هو ما يجعلنا نطلق على عودة هؤلاء المصريين لأرض الوطن الأم عنوان ( عودة الأبن العاق )

اترك رد

%d