بقلم دكتور/ حسن صابر
إنتهت الإنتخابات الرئاسية الأمريكية ، وتم تنصيب الرئيس ، وإشتعلت المظاهرات في كل الولايات على مدى يومين ، ثم هدأ كل شئ ، وعادت الحياة الطبيعية لأمريكا ، وعاد الشعب الأمريكي لممارسة حياته الإعتيادية ، وبدأ الرئيس المنتخب في تنفيذ ما وعد به أثناء حملته الإنتخابية ، مع ذلك فلا أتوقع تغييراً في السياسة الأمريكية سواءاً الخارجية أم الداخلية ، فكما ذكرت في مقالات سابقة فإن أمريكا تحكمها قوة ليست خفيةً ، أصبحت معروفة داخلياً وعالمياً ، وهذه القوة المتمثلة في البنوك الفيدرالية المركزية تحدد مساحةً لأي رئيس أمريكي ، مهما كان حجمه ، ومهما كان مستوى التأييد الشعبي أو الحزبي له ، لا يستطيع أن يتحرك خارجها ، وإذا حاول أو تجرأ على الخروج منها فلابد أن يعاقب إما جسدياً كما حدث للرئيس كينيدي أو معنوياً كما حدث للرئيس كلينتون .
ولا أستطيع أن أدَّعي على وجه اليقين أنني أعرف ماذا سيحدث لأمريكا وللعالم في المستقبل القريب بعد إنتخاب دونالد ترامب ، لكن ربما يستطيع الكتاب والباحثون السياسيون أن يحددوا بعض الخطوط العامة للمستقبل إعتماداً على قراءة التاريخ ، وأن يتوقعوا بعض الأحداث التي ربما ستحدث إما في عهد دونالد ترامب أو يتم الإعداد لها في عهده لتحدث فيما بعد ، وفي علم السياسة فإنه لا إرتباط بين التوقعات والتخطيط وتزامن الأحداث ، فربما يتم التخطيط لحدث كبير ، لكن تنفيذه قد يتأجل بعض الوقت بسبب متغير بسيط . . عموماً أستطيع أن أحدد بعض التوقعات والأحداث المحتملة عالمياً خلال الفترة القادمة في النقاط الآتية :
1- سوف يخطأ كثيراً من يعتقد بأن ترامب سيبقى على مشاعر الود التي ظهرت منه تجاه بعض قادة الدول مثل الرئيس بوتين أو الرئيس السيسي أثناء حملته الإنتخابية ، فلا مكان للمشاعر الشخصية في علاقات الدول ، بل فقط المصالح هى التي تحكم هذه العلاقات ، فضلاً عن أن شخص مثل ترامب يمكن أن ينقلب وتتغير توجهاته بصورة حادة بسبب شخصيته وغروره وتاريخه المهني ، ولهذا أتوقع أن تتغير مشاعر الود هذه تجاه الرئيس بوتين إذا إصطدم غرور وحماقة ترامب بعناد وتصميم الرئيس بوتين ، كذلك كان يمكن أن يتغير تعاطفه وتأييده لمصر لو كان الرئيس السيسي قد رفض سحب الشكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن بشأن المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضي المحتلة والتي كانت مصر قد قدمتها بالإشتراك مع ماليزيا والسنغال ، لكن إنسحاب مصر لم يوقف مشروع قرار إدانة إسرائيل ، وإستمرت مناقشته في المجلس وتمت الموافقة عليه بأغلبية أعضاء المجلس .
2- لقد طال صبر تجار السلاح في العالم على حالة الخمول هذه التي تنتشر في العالم بلا حروب حقيقية ، وتكدست الأسلحة في مخازنها إنتظاراً ليوم إستخدامها ، كما أن البرامج العلمية والخرائط الزمنية لإنتاج الأسلحة المتطورة قد تأخرت كثيراً عن المدي الزمني المحدد لها ، حيث أن هذه الحروب الموجودة حالياً هي إما حروب بين جيش دولة وعصابات إرهابية ، أو بين عصابة إرهابية وعصابة إرهابية أخرى ، وحتى الحروب التي حدثت بين دولة ودولة أخرى مثل الحرب الأمريكية العراقية فقد إنتهت في غضون أيام معدودات لم تتعدى أيام الأسبوع السبعة ، وهذه حروب لا تشبع نهم تجار السلاح الذين يريدون تحقيق المكاسب الخيالية حتى ولو كانت على حساب دماء وأرواح الشعوب البريئة ، فهم يعتقدون أن الله قد خلقنا ليجدوا هم من يقتلوهم . . لقد كانت الحرب العراقية الإيرانية هى آخر الحروب التي إستمرت لسنوات عديدة ، وهى الحروب التي تصنع الثروات الطائلة لتجار السلاح . . وقبلها كانت حرب فيتنام . . وقبلها كانت الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 ) ومات فيها 22 مليوناً من العسكريين ، 28 مليوناً من المدنيين ، بإجمالي 50 مليون قتيلاً وإنتهت بضرب هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية لأول مرة في التاريخ ، وقبلها كانت الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) مات فيها 8.5 مليون عسكريآ ، 7.8 مليون مدنياً ، برقم إجمالي 16.3 مليون قتيلاً . . هذه هى الحروب التي تشبع نهم تجار السلاح ، وقد صبروا طويلاً ولا أعتقد أنهم يمكنهم أن يصبروا أكثر من ذلك ، ولا يمكن أن تكون العواقب المهولة لإستخدام ترسانات الصواريخ والأسلحة النووية ولا الملايين من البشر الذين سيموتون أو يعيشون مشوهين ، لا يمكن أن تكون كل هذه النتائج المعروفة سلفاً سبباً في إمتناعهم عن البدء في حرب عالمية ثالثة ، يتمخض عنها عالم جديد كما يريدونه هم ، ولهذا فإن التقارب الأمريكي الروسي لن يدوم طويلاً .
3- ما من شك أن داعش وما يشابهها من تنظيمات إرهابية هى صناعة أمريكية . . صنعت لأغراض معينة ، وقد تحققت هذه الأغراض الآن وهو تدمير العراق وسوريا وليبيا وإستنزاف ثروات الخليج ، وإعداد المسرح في الشرق الأوسط لحرب عالمية ثالثة محتملة ، تكون الأرض فيها ممهدة أمام إسرائيل . وقد أصبحت الآن هذه المنظمات الإرهابية الإسلامية منتهية الصلاحية ولابد من القضاء عليها بعد أن نفذت المطلوب منها .
4- إضعاف دولة الإتحاد الأوروبي وإعادة أوروبا إلى الحظيرة الأمريكية ، هو أكبر ضمان لعدم حيادية أوروبا إذا نشبت حرب عالمية ثالثة بين أمريكا من ناحية وروسيا والصين من ناحية أخرى ، وبلاشك فإن إنفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي هو أول مسمار في نعش هذه الدولة ، خاصة بعد أن تدهورت الأحوال الإقتصادية في الكثير من الدول الأوروبية والتي أصبحت تعتمد على الإقتصاد الألماني القوي جداً ، وتحاول ألمانيا جاهدة أن تحافظ على دولة الإتحاد الأوروبي .
5- تخطئ روسيا كثيراً بعدم التنسيق مع الصين للحرب الكونية القادمة ، ولن تنفعها دول الشرق الأوسط التي ترتبط معها الآن بعلاقات خاصة مثل سوريا ومصر وإيران ، فهذه الدول لا تستطيع أن تكون مؤثرة إذا نشبت الحرب ، ولن تستطيع روسيا وحدها مواجهة أمريكا وأوروبا .
6- بعد مقتل القذافي قامت إيران بحملة نشطة لوقف مقايضة النفط مقابل الدولار ، وحصلت على إتفاقيات للبدء في بيْع النفط مقابل الذهب ، وردآ على ذلك ، قامت الحكومة الأمريكية بدعم من وسائل الإعلام الرئيسية ، بمحاولة للحصول على الدعم الدولي لتوجيه ضربات عسكرية إلى إيران ، بحجة منع إيران من صنع سلاح نووي ، وفي الوقت نفسه ، تم تسليط عقوبات إقتصادية على إيران ، وإعترف المسؤولون الأمريكيون علناً أن الهدف هو التسبب في إنهيار الإقتصاد الإيراني ، وعلى الرغم أن إيران لم تمثل أي تهديد حقيقي لإسرائيل أو للمصالح الأمريكية والغربية إلا أن طموحاتها النووية لا يمكن أن ترضي إسرائيل ، وإذا كان هناك إعداد حقيقي لحرب عالمية جديدة فلا يمكن ترك إيران دون تدمير بنيتها النووية والإقتصادية ، وقد تعمد أوباما عند إقتراب نهاية حكمه أن يتخذ موقفاً محايداً من إيران ، فعقد معها إتفاقية سلام بحجة منعها من انتاج السلاح النووي ، وبموجب هذه الإتفاقية تُرْفَع العقوبات الاقتصادية عن ايران طالما هى ملتزمة بالسماح بالتفتيش على منشآتها النووية ، وقد رفضت اسرائيل هذه الاتفاقية ، ورفضها الكونجرس ، فتحداهما أوباما وإستخدم حق النقض الفيتو ضد قرار الكونجرس في سابقة هى الأولى من نوعها في تاريخ أمريكا ، فكان يجب معاقبة أوباما ومن دعمته في سياساته وقراراته وهى هيلاري كلينتون ، وتم إسقاطها في الإنتخابات الرئاسية ، وقد أدركتُ هذا قبل الإنتخابات ، وربما كنت الوحيد الذي تنبأَ بفوز ترامب في مقال كتبته ليلة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية ، وبالفعل فإنه بعد فوزه وتسلمه مقاليد الحكم في أمريكا دشن بداية حكمه بمجموعة من القرارات والمواقف والتصريحات من بينها عزمه على إلغاء هذه الإتفاقية مع إيران ، فكان الرد الإيراني حاسماً بأن إيران ستوقف التفتيش على منشأتها النووية ، فلم يستبعد ترامب عملاً عسكرياً ضد إيران خاصة بعد ضرب الفرقاطة السعودية في خليج عدن ، وتجربة الصاروخ الباليستي التي قامت بها إيران مؤخراً والتي تهدد أمن إسرائيل .
ويمكن أن ألمح نوايا ترامب العدوانية تجاه إيران عندما كذب وقال أن إدارة أوباما قدمت 150 مليار دولار لإيران كي توقع على الإتفاقية النووية ، وفي الحقيقة فإن أمريكا لم تقدم لإيران هذه المليارات ، وإنما أعادتها إليها ، فقد كانت هذه أموالاً إيرانية في البنوك الأمريكية جمدتها أمريكا ضمن العقوبات الإقتصادية التي فرضتها على إيران ، وبعد توقيع الإتفاقية ، أُلْغِيَت العقوبات على إيران حسب بنود الإتفاقية وأعاد أوباما لإيران أموالها .
7- أعلنت روسيا والصين أنهما وتحت أي ظرف ، لن يتسامحا مع أي هجوم على إيران ، لأنها واحدة من أهم حلفائهم ، كما أن إيران تعتبر من أهم منتجي النفط المستقلين في المنطقة ، لكن الولايات المتحدة في عهد ترامب مستمرة في تماديها على الرغم من التحذيرات ، وما نشهده الآن هو المسار الذي يؤدي مباشرة إلى الحرب العالمية الثالثة ، إنه المسار الذي رسموه منذ سنين ، مع إدراكهم الكامل للعواقب التي ستنتج عن ذلك . . لكنَّ من الذي وضع أمريكا على هذا المسار ؟ وأي نوع من المختلين عقلياً مستعد لتفجير صراعات عالمية ، قد تؤدي إلى حصد أرواح الملايين من البشر ؟ من الواضح أنه ليس الرئيس ، لأن قرار غزو ليبيا وسوريا وإيران حسم قبل إعتلاء أوباما كرسي الرئاسة بوقتٍ طويل ، لكن ترامب أو أي رئيس ليس إلا دمية تؤدي دورها ، فمن الذي يحرك هذه الدمي ، ومن المستفيد ؟ طبعآ هم أولئك الذين لديهم القدرة على طباعة الدولار من لاشئ ، وهم أكثر المعرضين للخسارة إذا إنهار الدولار ، ومنذ عام 1913 إنحصرت التكهنات بل التأكيدات على أن البنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي هو المسئول عن كل هذا .
ألم تنتبهوا لجملة خطيرة نطق بها الرئيس أوباما في خطاب الإتحاد الأخير منذ بضعة أيام حين أشار إلى أنه توجد أمور تبدو وكأنه هو من فعلها لكنه يكون مجبراً على فعلها ثم إغرورقت عيناه بالدموع . . هل سمعتم عبر تاريخ أمريكا أن رئيسين أمريكيين يتبادلان الاتهامات والاهانات أحدهما منتهية ولايته والآخر سيتولى الرئاسة من بعده خلال أيام معدودات . . هل ذلك إنتقام من رئيس استيقظ ضميره في أيامه الأخيرة ، أم أنه إعداد المسرحين الأمريكي والعالمي لفصول جديدة من الأحداث . . ما هذه القوة الخفية التي تحرك الرؤساء الأمريكيين وتجعلهم كالدمي في أياديها ؟ بلاشك فإنها قوة الإحتياط الفيدرالي . . فما هو هذا الاحتياط الفيدرالي ؟ هو كيان خاص ، يملكه تكتل هائل من أقوى البنوك في العالم ، والأفراد الذين يسيطرون على هذه البنوك ، هم الذين يحركون الدمي ، العالم بالنسبة لهم مجرد لعبة ، حياتك وحياة من تحبهم ليست سوى بيادق على رقعة الشطرنج بالنسبة لهم ، وكما يتمرغ طفل مدلل عمره أربع سنوات على الأرض عندما يخسر ، تقوم القوى المهيمنة بالإستعداد لبدء الحرب العالمية الثالثة ، للإحتفاظ بالسيطرة على النظام المالي العالمي .
8- ترامب رجل لا يهدد بالكلمات التي رددها في حملته الإنتخابية ، بل ينفذ ما وعد به دون تردد أو إبطاء ، طالما أنه يتحرك داخل المساحة المحددة والمرسومة له ، فبمجرد أن إستلم الحكم قام بإتخاذ الإجراءات الآتية :
في اليوم الأول من توليه الحكم ألغى مشروع أوباما كير للتأمين الصحي للأمريكيين .
في اليوم الثاني أصدر قراراً بإنسحاب أمريكا من إتفاقية التجارة الخارجية حتى أن بعض قادة أوروبا طالبوا برفع نسبة الجمارك على الواردات الأمريكية إلى 50% من قيمتها الشرائية بسبب انسحاب امريكا من هذه الإتفاقية ، وكان ترامب قد انتقد خلال حملته الانتخابية الاتفاقية ووصفها بأنها ” كارثة محتملة لبلادنا “، مشيرا إلى كونها تضر بالصناعة الأمريكية ، وتنتهك مصالح العمال الأميركيين ، ووعد باعتماد السياسة الحمائية للدفاع عن الوظائف الأميركية أمام المنافسة الصينية أو المكسيكية منخفضة التكلفة ، وخضعت الاتفاقية التي تشمل نحو 40 ٪ من الاقتصاد العالمي للتفاوض عام 2015 من جانب دول من بينها الولايات المتحدة واليابان وماليزيا واستراليا ونيوزيلندا وكندا والمكسيك ، وكان الهدف المنصوص عليه في الاتفاقية هو تدعيم الروابط الاقتصادية وتعزيز النمو بما في ذلك خفض الرسوم الجمركية ، كما شملت الاتقاقية تدابير تقضي بتعزيز العمل ومعايير البيئة وحقوق الملكية وبراءات الاختراع وتوفير الحمايات القانونية الأخرى .
في اليوم الثالث أصدر قراراً تنفيذياً بإلغاء إتفاقية الشراكة الحرة عبر المحيط الهادي ويعلن أنه لن تكون هناك تجارة حرة بعد اليوم حتى أن وزير الخارجية الياباني قال أن لاشئ يمكن أن يغير تصميم الرئيس ترامب على قراره ، وذلك يعكس لنا أن الرئيس الأمريكي الجديد لا يهدد ، بل ينفذ فوراً ما يؤمن به ، وانسجاما مع السياسية الأميركية الجديدة ، فقد أعلن ترامب أنه سيعيد التفاوض على اتفاقية التبادل الحر في أميركا الشمالية تافتا مع مسؤولي كندا والمكسيك ، مشيرا إلى أنه سيلتقيهم قريبا من أجل التوصل إلى حل .
في اليوم الرابع بدأت حملات المطاردة للمهاجرين غير الشرعيين خاصة في ولايات لوس أنجلوس ، نيوجرسي ، فلوريدا حيث تتمركز فيها أغلبية المهاجرين الذين يقدر عددهم الكلي ما بين 11-12 مليون مهاجر ، ولا يهتم ترامب بالخسارة التي ستقع على أمريكا من الضرائب التي يدفعها هؤلاء المهاجرون وقدرها 250 مليار دولار ، ولست متأكداً من صحة هذا الرقم لكن ذلك ما أعلنته مصادر رسمية أمريكية .
في اليوم الخامس : بدأ ترامب في إستكمال الجدار أو السور الفاصل على إمتداد الحدود بين أمريكا والمكسيك ، هذا السور الذي يغطي مساحة قدرها 3200 كيلومتر مربع والموجود حالياً جزء منه يغطي 1000 كيلومتر مربع فقط ، وعندما يكتمل هذا السور سيغطي مساحة بين أمريكا والمكسيك تعادل المسافة التي تفصل بين فرنسا وأوكرانيا ، وآسيوياً تعادل المسافة بين الصين وبنجلاديش ، وعربياً تعادل المسافة بين مصر والإمارات العربية المتحدة ، ويتكلف بناؤه أكثر من 15 مليار دولار ، والطريف أن ترامب حذر الرئيس المكسيكي إن لم يوافق على دفع هذه النفقات فعليه أن يلغي زيارته المرتقبة للولايات المتحدة الأمريكية ، فألغى الرئيس المكسيكي زيارته بالفعل ، فأعلن الرئيس ترامب عن فرض ضرائب على السلع المكسيكية قيمتها 20% تخصص حصيلتها لتمويل بناء السور بين أمريكا والمكسيك .
في اليوم السادس : تعهد ترامب بإلغاء “كامل” للوائح والضرائب المفروضة على الشركات التي تحافظ على توفير فرص عمل في الولايات المتحدة . . يأتي ذلك في أعقاب اجتماعه مع مديري شركات من بينها شركة “لوكهيد مارتن” لصناعات الدفاع ، و”أندر أرمور” لصناعة الملابس ، و “وايرلبول” لصناعة الأجهزة ، و “تيسلا” لصناعة السيارات الكهربائية ، و “جونسون آند جونسون” لصناعة مستحضرات التجميل ، كما حذرهم ترامب بعد الاجتماع بأنه سيفرض ” ضريبة حدود باهظة ” على الشركات التي ستنقل نشاطها الصناعي خارج الولايات المتحدة ، وتعهد ترامب بخفض الضرائب على الشركات 15-20% من نسبتها الحالية المقدرة ب 35% ، وينتقد ترامب منذ توليه الرئاسة الشركات الأمريكية التي نقلت مصانعها خارج البلاد ، كما تعهد بفرض ضرائب على المنتجات المصنعة في الخارج ، وقال لمديري الشركات : كل ما يتعين عليكم فعله هو البقاء .
في اليوم السابع : وقع ترامب أيضا أمراً بتجميد التوظيف بالهيئات الاتحادية ، وآخر يحظر على المنظمات الأميركية غير الحكومية تلقي التمويل الاتحادي نظير إتاحة الإجهاض في الخارج .
في اليوم العاشر : أصدر ترامب أمراً تنفيذياً بتعليق دخول مواطني 7 دول إسلامية هى : العراق ، سوريا ، وليبيا ، واليمن ، والسودان ، وإيران ، والصومال لمدة 3 شهور حتى لمن لديهم وثائق رسمية مثل الجرين كارد أو تأشيرة زيارة ، والدولة التي تفعل ذلك لا تحترم نفسها ولا قوانينها ، فالجرين كارد وتأشيرات الزيارة صدرت كلها من جهات أمريكية حكومية ، فضلاً عن عدم إحترام حقوق الإنسان . . أثق تماماً أن الرئيس ترامب يدرك أن الإرهاب في العالم لم يبدأ إسلامياً ، فأمريكا بوش تسببت في مقتل 2 مليون عراقي من بينهم نصف مليون طفل وتدمير بلد عربي مسلم ، كذلك فعل من بعده الرئيس أوباما عندما صنعوا داعش وقدموا لها أدوات القتل والتدمير فدمروا سوريا ، ويُجْهِزُنَ الآن على ما تبقى من العراق . . نعم الإرهاب في العالم لم يبدأ اسلامياً فلن تنسى البشرية ملايين البشر الذين ماتوا في الحربين العالميتين الاولى والثانية ، ولن تنسى 20 مليون روسي قتلوا في عهد ستالين منهم 14.5 مليون ماتوا من الجوع والبرد ، ولن تنسى 17 مليون صيني قتلهم ماوتسي تونج ، ولن تنسى زعيم الفاشيست بنيتو موسيليني الايطالي الذي قتل 400 ألف إيطالي ، كذلك لن تنسى ملايين اليهود الذين أحرقهم هتلر أو أعدمهم في غرف الغاز ، ولن تنسى ما فعله اليهود بعد ذلك ومازالوا يفعلونه بالفلسطينيين . . هذه الجرائم لم يرتكبها المسلمون ، ولا يمكن الإدعاء أن الإرهاب عمل ينفذه أفراد أو مجموعات ، فإرهاب الدول أكبر وأخطر من إرهاب الأفراد والجماعات وضحاياه بالآلاف والملايين من البشر .
9- العجيب أن الرئيس ترامب أعلن عن عزمه طلب مصاريف حماية دول الخليج وتجاهل ما تم الإتفاق عليه بين الملك فيصل ملك السعودية والرئيس الأمريكي نيكسون , حيث أنه في عام 1973 طلب الرئيس نيكسون من الملك فيصل بن عبد العزيز أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية إعتبار الدولار هو العملة المستخدمة في عمليات بيع وشراء البترول والغاز ، وهو ما سمى بالبترودولار ، وفي المقابل قدم نيكسون تعهدات بحماية حقول البترول في السعودية ، وفي سنة 1975 وافقت كل الدول المصدرة على إستخدام البترودولار في التعاملات البترولية وظهرت هذه المعادلة :
دولار + بترول + حماية عسكرية = بترو دولار ، وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة أصبحت في غاية الثراء ، وتعاظمت قيمة الدولار أكثر أثناء الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي والتي أشركت فيها أمريكا كل دول العالم ، حتى إنهار الإتحاد السوفيتي عام 1991 ، وأصبحت الولايات المتحدة هى القوة العظمى الوحيدة على كوكب الأرض ، فليس من حق الرئيس ترامب بعد ذلك أن يطلب من دول الخليج نفقات الدفاع عنها طبقاً لهذا الإتفاق الذي تم بين فيصل ونيكسون عام 1973 .
10- مع إسرائيل ستظل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على نفس الدرجة من القوة ، وفي اليوم الثاني لتولي الرئيس ترامب مقاليد الحكم ، وقَّع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل على قرار إنشاء المئات من الوحدات السكنية فوق الأراضي الفلسطينية متحدياً قرار مجلس الأمن ، وربما سيوافق ترامب على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية وهو الإجراء الذي لم يجرؤ رئيس أمريكي من قبله على إتخاذه ، ويعني ذلك موافقة أمريكا على أن القدس الشرقية جزءٌ من إسرائيل ، وسوف يصعب هذا الوضع قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ، كما أن المنازعات بين المسلمين واليهود على الأماكن المقدسة في القدس الشرقية ستتصاعد مما ينذر بأوضاع صعبة سوف تعيشها كل منطقة الشرق الأوسط .
11- ومع مصر فإن الرئيس السيسي نجح حتى الآن في تفهم خصائص شخصية ترامب ، وتعامل معها بذكاء ، كما أنه عندما لاحظ إهتمام الرئيس ترامب بالقضاء على الإرهاب ، وإعترافه أن أمريكا هى من صنعت داعش ، إستطاع إقناعه أن مصر هى الدولة الوحيدة التي تحارب ذلك الإرهاب بالنيابة عن العالم أجمع ، وقد وعد الرئيس ترامب بإستمرار المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر ، كذلك بإستمرار المساعدات التي نصت عليها إتفاقية كامب ديفيد وقدرها مليار وثلاثمائة مليون دولار ( 1300 مليون دولار ) سنوياً . . وطالما أن مصر تحترم بنود معاهدة السلام ، وتقدر مساعدة إسرائيل لها في مكافحة الإرهاب ، ورصد أماكن تجمع الإرهابيين ومعسكرات تدريبهم ، ، فإن العلاقات الأمريكية المصرية ستكون في أحسن أحوالها خاصة إذا صدر قرار من إدارة الرئيس ترامب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعة إرهابية فتفقد هذه الجماعة مصدراً هاماً من مصادر دعمها وفرته لها إدارة الرئيس باراك أوباما ، وهذا هو ما يناقشه الرئيس ترامب هذه الأيام مع ادارته .
أعترف أن دونالد ترامب قد أرهقني كثيراً ، فقد كنت أنوي نشر هذا المقال منذ أسبوع إلا أن هذا الرجل جعلني ألهث خلف قراراته السريعة التي يصدرها كأنها طلقات سريعة متتالية مما دفعني إلى تأجيل نشر المقال يوماً بعد يوم لملاحقة الأحداث المترتبة عن هذه القرارات . . الأيام القادمة ستظهر لنا من هو دونالد ترامب . . هل يدير ترامب أمريكا كأنها شركة خاصة يتملكها أم أنه يحاول تغيير وجه الحياة في أمريكا ؟ هل نحن أمام هتلر جديد ؟ هل فعلاً يضطهد ترامب المسلمين كما إضطهد هتلر اليهود ؟ هل يقود ترامب العالم لحرب عالمية ثالثة كما قاد هتلر العالم لحرب عالمية ثانية ؟