السبت, 18 مايو, 2024 , 9:55 ص
الباحث السياسى دكتور حسن صابر

لن يبقى غير الوطن وشهادة التاريخ

بقلم- دكتور حسن صابر

منذ عدة سنوات شاهدت مباراة في المصارعة الحرة بين مصارعيِّن مفتولي العضلات . . إنتهت المباراة بفوز أحدهما وسقوط المصارع الآخر على الأرض فاقداً للوعي . . وقف المنتصر يحيي مشجعيه الذين صفقوا له بحماسة بالغة . . فجأة صعد إلى الحلبة رجل أنيق يرتدي بدلة وربطة عنق وتعمد أن يصعد من الجهة الخلفية للمصارع المنتصر حتى لا يراه ، ثم إنقضَّ هذا الرجل الأنيق على المصارع المنتصر من الخلف وضربه بعنف ، ثم نزل من على حلبة المصارعة ، وأمسك بقدمي المصارع المنتصر وجذبه بشدة إلى أن سقط على الأرض ، ثم استمر في توجيه الضربات العنيفة لهذا المصارع ولم يبتعد عنه إلا بعد تدخل الحراس ، ومدرب المصارع . . وهنا أوضح لنا المعلق الرياضي الذي كان يعلق على المباراة أن الرجل الأنيق الذي إعتدى بعنف شديد على المصارع المنتصر هو مدير أعمال المصارع الذي خسر . . أتعرفون من كان هذا الرجل الأنيق الشرس ؟ كان هو دونالد ترامب الذي أصبح بعد هذه الحادثة بعدة سنوات رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية .

وقد تكرر نفس المشهد من نفس الرجل الأنيق يوم أمس . . تعجبت كيف يكون هذا الرجل رئيساً لأمريكا . . إنه لا يقبل إلا الإنتصار ، ويرفض تماماً الهزيمة . . ولا عيب في ذلك فكلنا لا نحب الا الفوز والانتصار ، لكن عندما نخسر ، فعلينا أن نتحلَّى بالروح الرياضية ونهنئ الفائز ، فالفوز ليس مطلقاً والخسارة أيضاً ليست مطلقة . . قدرة الإنسان لها حدود بيولوجية وفسيولوجية وزمنية . . فكيف لم يفهم رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم هذه الحقيقة ؟!

لم أبالي عندما إنتخب دونالد ترامب رئيساً لأمريكا فلست أمريكياً ، ولا يخصني الأمر في شئ ، خاصة أنني ممن يعتقدون أن كل رؤساء أمريكا مجرد موظفين بدرجة رئيس ؛ يعملون لتحقيق إستراتيجية القوة الماسونية الخفية التي تحكم أمريكا ، وتتحكم في كل دول العالم . . بل إني قبل الإنتخابات الأمريكية الأخيرة كتبت مقالاً ذكرت فيه أنني لو كنت أمريكياً لمنحت صوتي إلى الرئيس دونالد ترامب ، وكانت أسبابي هى :

أولاً : أسباب داخلية تهم المواطن الأمريكي منها :

1- الإنتعاش الإقتصادي الكبير الذي حدث في أمريكا خلال سنوات رئاسة ترامب .

2- وإنخفاض معدل البطالة لمستويات قياسية

3- وعدم الزج بالجيش الأمريكي في حروب خطيرة يفقد فيها الكثير من الضباط والجنود الأمريكيين ، بل إنه بدأ في سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وأغلق القواعد الجوية هناك ، وكان يخطط أيضاً لسحب القوات الأمريكية من العراق في أقرب وقت .

ثانياً : أسباب أخرى تخصني وتخص كل المصريين ؛ أهمها تفهمه لموقف مصر في موضوع سد النهضة وتصريحه الخطير بأنه يحق لمصر أن تنقض على هذا السد وتدمره مما أثار إزعاجاً ورعباً في إثيوبيا .

لكن ترامب حين خسر الإنتخابات الرئاسية الأخيرة أمام جو بايدن ، ظهر واضحاً أنه لا يقبل الهزيمة ، ولم يكن قادراً على التصرف بنضج وحكمة . . بدأ يصرخ ويدَّعي بتزوير الإنتخابات ، وكان قد تحسَّب لهذه الهزيمة قبل الإنتخابات بمعارضته نظام التصويت بالبريد . . لم يترك وسيلة للإحتجاج ومحاولة تغيير النتيجة لصالحه ، ولم يترك حاكم ولاية ولا مسئولي الإشراف على الإنتخابات إلا وإتصل بهم مطالباً بإعادة فرز الأصوات . . حاولوا إقناعه أنهم لا يملكون هذا الحق إلا بحكم من المحكمة ، فأسرع الفريق القانوني له برفع دعاوي أمام المحاكم الأمريكية ، وقد رُفِضَت كل هذه الدعاوي ، فتذكر القضاة الإتحاديين الذين عيَّنَهُم في المحكمة الدستورية العليا وتصور أنهم سيخالفون ضمائرهم ويدعمونه ، لكن المحمة الدستورية العليا رفضت كل إدعاءاته ، فلجأ إلى وسائل الإعلام التي كان دائماً يهاجمها ، فلم يدعمه أحد ؛ حتى شبكة فوكس نيوز المعروفة بولائها للرئيس ترامب نصحته بالإعتراف بالهزيمة ، وتسليم السلطة للإدارة الجديدة . . فلم يجد أمامه بعد كل ذلك إلا المناصرين له من الشعب الأمريكي خاصة أن سبعين 70 مليون أمريكي منحوه أصواتهم خلال الإنتخابات الأخيرة ، فدعاهم إلى رفض نتيجة الإنتخابات ، وإدعى أمامهم أن الإنتخابات قد تم تزييفها ، فخرجت مجموعات من المؤيدين له في يوم أسود من تاريخ أمريكا كما وصفه بايدن ، وهاجموا مبنى الكونجرس الأمريكي ، ودخلوا إلى قاعات الكابيتول وحطموا المكاتب ، وسرقوا بعض الوثائق التي ربما تكون خطيرة .

ورغم أن كل المؤشرات كانت تتوقع هذا التهجم على مبنى الكونجرس أثناء جلسة التصديق على نتائج الإنتخابات ، إلا أن قوات الشرطة والحرس الوطني لم تكن جاهزة لمواجهة هذه الحشود التي كسرت النوافذ ودخلت إلى قاعات مبنى الكونجرس . . هناك بالفعل علامات إستفهام كبيرة حول تخاذل القوات الأمنية في حماية المبنى .

وعندما أدرك الرئيس الأهوج المراهق أنه لا فائدة ، وأن الأمور قد تنقلب عليه خاصة إذا استخدمت المادة 25 من الدستور والتي تتيح عزل الرئيس فإعترف أخيراً بفوز منافسه جوبايدن ، وطلب المصالحة ، وأعلن عن عزمه تسليم السلطة له في الموعد المحدد .

الأحداث التي وقعت في أمريكا خلال الأيام الماضية لم تحدث في التاريخ الأمريكي من قبل إلا نادراً . . إنها الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الديموقراطية في العالم ، وليست بلداً أفريقياً أو جمهورية من جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية ، فكيف حدث فيها ما حدث . . إن يوم أمس كان وصمة عار في تاريخ أمريكا ، ولاشك أن دونالد ترامب هو المسئول الأول عما حدث ، فهل سيتم تفعيل المادة 25 من الدستور الأمريكي لعزله من الرئاسة قبل أيام وساعات من نهايتها المحددة دستورياً ؟ وهل ستتم محاكمته لأن لا أحد فوق القانون كما قال جوبايدن ؟

أتمنى أن يكون ما حدث درساً للرؤساء في كل دول العالم . . أتمنى أن يدركوا أن المناصب إلى زوال في يوم من الأيام ، والأشخاص إلى زوال أيضاً ، ولن يبقى غير الوطن ، وشهادة التاريخ .

اترك رد

%d