بقلم / د. هشام محفوظ
في الرابع عشر من أكتوبر 2025، تحل ذكرى رحيل الإذاعي الكبير، الشاعر والأديب، وفقيه الإعلام اللغوي الأستاذ فاروق شوشة — الأمين العام الأسبق لمجمع اللغة العربية، ورئيس الإذاعة الأسبق — الذي رحل عن دنيانا في الرابع عشر من أكتوبر من عام 2016.
وفي هذه الذكرى، أقترح على القراء الأعزاء فكرة تجمع بين الدراما الإذاعية والحوار الثقافي، مجتهدًا في أن نعيش لدقائق عبق الأستاذ الكبير فاروق شوشة، بروحه الراقية وصوته الهادئ.
لقد جاءتني حديقة ذكرياتي بنبضات كلمات من إجلالٍ للغائب الحاضر، تحمل نصًّا تخيليًا لحوارٍ قصصي إذاعي بين الأستاذ فاروق شوشة وتلميذه هشام محفوظ في برنامج «اللغة المعاصرة على هواء القاهرة»، مجتهدًا في الحفاظ على روح الأستاذ، وأناقة لغته، ومهابة حضوره :

( اللغة المعاصرة على هواء القاهرة)
إعداد وتقديم: أحد تلاميذ الأستاذ فاروق شوشة
ضيف الحلقة: الإذاعي والشاعر الكبير الأستاذ فاروق شوشة – رئيس الإذاعة الأسبق، والأمين العام السابق لمجمع اللغة العربية
التلميذ (بهـدوء المتأدب في حضرة الأستاذ):
هنا القاهرة…
ومن عبقها تنبع اللغة، وتُولد من جديد في كل صباح عبر أثيرها.
أعزائي المستمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
اليوم نعيش لحظة خاصة، لقاءً من القلب إلى القلب، بين تلميذٍ وأستاذِ الأساتذة، جمعهما العشق نفسه: عشق العربية الجميلة.
يشرفني أن أستضيف شاعرها وصوتها وأستاذها الأول… الأستاذ الكبير فاروق شوشة.
مرحبًا بك أستاذي.
فاروق شوشة (بصوته الرائق المفعم بالسكينة):
أهلاً بك يا هشام… سعيد أن أراك تحمل مشعل الكلمة الجميلة في زمنٍ ازدحمت فيه الضوضاء، وتراجعت فيه النبرة الصافية.
حين أراك أمام الميكروفون، أستعيد بداياتي الأولى في الإذاعة… كان الأثير بالنسبة لي وطنًا من الحروف، ومدرسةً للنطق والجمال.
التلميذ:
أستاذي، تعلمت منك أن اللغة كائنٌ حي، وأنها ليست فقط وسيلةً للتواصل، بل وسيلةٌ للبقاء والهوية.
ولذلك دعوتك اليوم إلى هذا اللقاء لتكون معنا في ميلاد برنامجنا الجديد: اللغة المعاصرة على هواء القاهرة.
اسمٌ اقترحته أنت بنفسك، وها أنا أُعلنه على الهواء.
فاروق شوشة (مبتسمًا):
كنت أحب أن يُسمى اللغة الشاعرة، لأن العربية كانت وستظل شعرًا في ذاتها — إيقاعًا ونغمًا ودهشة…
لكنني قلت لك يومها:
دعنا نسميه “اللغة المعاصرة على هواء القاهرة”، لأن اللغة لا تعيش في القواميس، بل في أفواه الناس، في الإعلام، في المدارس، في الميادين…
علينا أن نلاحقها في تحولاتها، نحرسها دون أن نحجر عليها.
التلميذ:
كلماتك يا أستاذي تُعيد إلى الذاكرة صوتك في “لغتنا الجميلة” حين كنت تبدأ بقولك الرخيم:
“هنا القاهرة…”
ثم تقدم الإذاعية القديرة صفية المهندس بيت حافظ إبراهيم:
“أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ
فهل سألوا الغواص عن صدفاته”
فاروق شوشة (بحنين واضح):
آه يا هشام… كانت تلك اللحظات طقوس عشقٍ يومية للغتنا الجميلة.
كنت أؤمن أن اللغة إذا لم تُحب، لن تُفهم.
كنت أريد أن أجعل كل مستمع يغوص معي في بحر العربية، لا بعين الدارس، بل بقلب العاشق.
التلميذ:
وقد نجحت يا أستاذي، فها نحن جيلٌ من التلاميذ تعلمنا منك أن اللغة ليست نصًا جامدًا، بل حياةٌ تُعاش.
اسمح لي أن أسألك: كيف ترى حال العربية اليوم في ظل الإعلام الرقمي والتدفق اللغوي الجديد؟
فاروق شوشة (بهدوء العارف):
العربية بخير يا هشام، ما دام فيها من يحبها ويخدمها مثلكم.
لكنها تحتاج إلى أن نؤمن بأنها لغة المستقبل، لا الماضي.
علينا أن نفتح نوافذها على العصر دون أن نُدخل الغبار.
أن نُبسّطها دون أن نُبتذلها، وأن نُحدّثها دون أن نُهينها.
التلميذ:
كلماتك أستاذي تلخّص رسالة البرنامج…
أن نُعيد الثقة للغة في عقول أبنائنا، وأن نُبرز جمالها في الإعلام الحديث كما كانت جميلة في الشعر والقرآن والخطاب الإذاعي.
فاروق شوشة:
وهذا هو دور الإعلامي الحقيقي يا هشام…
أن يكون رسول بيان، لا مجرد ناقل صوت.
تذكّر دائمًا صديقي:
“اللغة وعي… ومن يُهمل لغته يُهمل وعيه.”
(لحظة صمت… ثم موسيقى هادئة تتسلل من بعيد).
التلميذ (بصوت متهدّج بالامتنان):
شكراً لك يا أستاذي الكبير، لأنك جئت إلينا اليوم من ذاكرة الإذاعة، ومن ذاكرة القلوب…
ستظل لغتنا الجميلة، والمعاصرة، تُذكّرك في كل حرفٍ ينبض على الأثير.
فاروق شوشة (يبتسم وهو يختم):
وسيبقى صوت القاهرة…
ينادي دائمًا: أحبوا لغتكم… فهي أنتم.
ومع خالص التحية لكل الزملاء والأساتذة والإعلاميين والشعراء الذين شاركوا الأستاذ رسالته الجليلة في خدمة اللغة والإبداع.
(صوت الختام)
تتلاشى موسيقى “لغتنا الجميلة” تدريجيًا مع صوت المذيع:
“كان معنا في هذه الحلقة، وسيظل في قلوبنا، الأستاذ فاروق شوشة…
إلى اللقاء أيها الأصدقاء…”