الجمعة, 17 أكتوبر, 2025 , 1:36 م
د. وفاء الجندي

حين يصبح السلام مرآة للتحوّل: دلالات المشهد العربي الراهن وتداعيات مؤتمر السلام

بقلم / وفاء الجندي – كاتبة وباحثة في الشؤون السياسية

الحديث عن السلام في الشرق الأوسط لم يعد كما كان في الماضي. فاليوم، لم يعد السلام مجرد شعار جميل أو حلم بعيد. أصبح اختبارًا حقيقيًا لقدرة المنطقة على التعامل مع واقعٍ مليء بالتحديات والتغيّرات السريعة. والسؤال لم يعد كيف نصل إلى السلام، بل أي نوعٍ من السلام نريد؟

المنطقة تمرّ بمرحلة دقيقة جدًا. التحالفات تتغير، والمصالح تتحرك من مكان إلى آخر، واللغة السياسية نفسها أصبحت مختلفة. لم تعد الدول تتحدث فقط عن الشعارات والمبادئ، بل عن الاقتصاد، والأمن، والطاقة، وعن من يملك القرار في عالمٍ لا يتوقف عن التغيّر. هذه المرحلة جعلت السلام يبدو كأنه وسيلة لإعادة ترتيب العلاقات بين الدول، أكثر من كونه هدفًا نهائيًا بحد ذاته.

من هذا المنطلق، جاء مؤتمر السلام الأخير ليكشف صورة الواقع العربي بوضوح. لم يكن المؤتمر مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل كان مرآة حقيقية لما يجري في المنطقة. فقد أظهر أن العالم العربي منقسم في رؤيته للسلام. فهناك من يرى أنه ضرورة لحماية المصالح وتخفيف الأزمات، وهناك من يرى أنه لا يمكن أن يكون سلامًا حقيقيًا دون عدالة واحترام للحقوق.

ورغم أن المؤتمر لم يحقق نتائج كبيرة، إلا أنه كان مهمًا لأنه كشف طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة. فالكثير من الدول بدأت تدرك أن الحلول الجاهزة التي تأتي من الخارج لم تعد تصلح، وأن الوقت قد حان لتكوين رؤية عربية خالصة تُعبّر عن مصالح الشعوب لا عن حسابات الآخرين. هذا التحول في التفكير هو في حد ذاته خطوة كبيرة نحو النضج السياسي، حتى وإن لم تظهر نتائجه سريعًا.

القيمة الحقيقية للمؤتمر لم تكن في بيانه الختامي، بل في النقاشات والمواقف التي كشف عنها. فقد أعاد فتح السؤال الأهم: من يملك حق تقرير مستقبل المنطقة؟ وأظهر أن السلام ليس قرارًا سياسيًا فقط، بل هو أيضًا اختبار للوعي والإرادة. إن المنطقة، رغم كل ما تمر به، بدأت تتحرك نحو مرحلة جديدة من التفكير أكثر هدوءًا وواقعية، تحاول فيها الموازنة بين المبدأ والمصلحة.

الشرق الأوسط اليوم يقف أمام مفترق طرق. إما أن يتحول السلام إلى مشروع حقيقي لبناء مستقبلٍ مستقر قائم على العدالة، أو يظل مجرد شعار يُستخدم في المناسبات. لكن ما يبدو واضحًا أن الشعوب العربية أصبحت أكثر وعيًا من أي وقت مضى. فقد أدركت أن السلام الذي لا يحفظ الكرامة لا يدوم، وأن الاستقرار الحقيقي لا يأتي إلا من الداخل، حين تملك الشعوب حقها في تقرير مصيرها.

في النهاية، يمكن القول إن مؤتمر السلام كان مرآةً للمنطقة كلها، أظهر ما فيها من اختلافات وتطلعات، وأكد أن الطريق إلى سلامٍ حقيقي يبدأ من الوعي أولًا. فالسلام ليس غياب الحرب فقط، بل هو وجود رؤية ناضجة قادرة على الموازنة بين القوة والعقل، بين الطموح والواقعية. وحين يصبح السلام مرآةً للتحوّل، نرى فيها صورة جديدة للعالم العربي، صورة تبحث عن ذاتها بثقة، وتسير بخطى بطيئة لكنها ثابتة نحو مستقبلٍ أكثر وضوحًا واستقلالًا.

اترك رد

%d