بقلم اللواء /بهاء البجاوي
بدون الطبقات الأكثر احتياجاً ستتوقف المصانع وتقف عجلة الإنتاج وتنهار الإستثمارات.. لأنه إذا كانت مليارات الأغنياء ترتبط ارتباط وثيق بضمان استمرار العمل داخل المشروعات والمصانع الكبرى بمختلف أنواعها.. فإن العمود الفقرى الذى تعتمد عليه هذه المشروعات هم العاملين البسطاء الذين ينتمى غالبيتهم للطبقات المتوسطة والأقل من المتوسطة.. وفى حالة تعرض صحة هؤلاء البسطاء لمخاطر جماعية سوف تتعرض مصالح أصحاب المليارات لمخاطر أشد..
= لذا فإننا نجد أنفسنا الآن أمام حقيقة اقتصادية جديدة صادمة .. وربما لم تحدث من قبل ألا وهى أن سلامة الفقراء أصبحت من أولويات الأغنياء.. وذلك من أجل الحفاظ على ثرواتهم..
= فقد كان من الطبيعى والمعتاد وعلى مستوى العالم وفى مختلف العصور وبالأخص منذ بداية الثورة الصناعية وتحكم رؤوس الأموال فى النشاط الصناعى الذى يحتاج إلى كثافة عمالية من الطبقات الأكثر احتياجا.. أن الأغنياء يتحكمون فى أرزاق هؤلاء البسطاء.. دون النظر أو الإلتفات إلى الحفاظ على سلامتهم.. بل إنه فى حالة مرض أحدهم، كان على الفور يتم الاستغناء عنه حتى لو كان ذلك سيؤدى إلى تشرده هو وعائلته بعد انقطاع مورد رزقها..
= أما الآن وبعد ظهور فيروس كورونا ومع إنتشار هذه الجائحة .. أصبحت الصورة مختلفة.. وانقلبت الآية تماماً..
= حيث أصبح رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال هم الأكثر حرصاً على صحة وسلامة العمال بل والتأكد من عدم تعرضهم للإصابة بالأمراض وخاصة هذا الفيروس اللعين، بل وقد وصل بهم الحال إلى اتخاذ التدابير الإحترازية اللازمة للوقاية الطبية لهؤلاء البسطاء وإنفاق مئات الآلاف على شراء وتوفير مستلزمات من الكمامات والقفازات الطبية لتوزيعها عليهم أثناء العمل، ليس هذا فحسب.. بل أيضا شراء أجهزة الكاشف الحرارى الطبى للكشف عن درجة الحرارة العاملين عند الدخول للمنشأة والكيان الاقتصادى للتأكد من مدى سلامتهم.. وأيضا امتد الأمر إلى شراء بوابات تحتوى على نظام تعقيم ذاتى لوضعها فى مداخل المنشآت الإقتصادية..
= كل ذلك بالطبع ليس حُباً فى البسطاء.. وإنما من أجل الحفاظ على استمرار الإنتاج و الصناعة وبالتالى الحفاظ على ثروات الاغنياء.. وأيضاً من أجل الحفاظ على حياة الأغنياء أنفسهم خوفا من انتقال الفيروس إليهم وتعرض حياتهم للخطر.. خاصة بعد وفاة بعض كبار رجال الأعمال بهذا الفيروس فى أنحاء مختلفة من العالم ومن ضمنها مصر .. إلى جانب إصابة العديد من الشخصيات الهامة و البارزة عالمياً فى مجال السياسة..
= فقد جاء الفيروس كى يُلزم الأغنياء بإنفاق جزء من ثرواتهم فقط للحفاظ على سلامة الفقراء..
وكأن الفيروس جاء لتطبيق قوله تعالى فى صورة الذاريات : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذريات:19].. والمقصود هنا من الاستدلال بالآية الكريمة هو حق العامل البسيط فى أن يخصص صاحب المال جزء منه للحفاظ على حياته وعدم إصابته بأمراض ما كانت لتُصيبه لو لم ينزل من بيته مضطراً للعمل…
= وبنظرة متأنية.. نجد أن هذا هو ما يجب أن يكون.. ألا وهو ضرورة ضمان سلامة العاملين فى جميع الكيانات الإقتصادية وضرورة أن تحتوى ميزانية أى مشروع على بند أساسى وحقيقى ويتم تفعله وليس مجرد حبر على ورق، لضمان سلامة وصحة العاملين..
فهل تصبح هذه بداية جديدة لإعادة فلسفة العلاقة بين العامل وصاحب العمل..
وهل تصبح هذه من ضمن النتائح الإيجابية التى نخرج بها من تلك المحنة..