بقلم / وفاء الجندي
أثبت مؤتمر السلام في شرم الشيخ أن السياسة والاقتصاد يسيران بخطى متوازية في مصر الجديدة، حيث لم يقتصر مردوده على الجوانب الدبلوماسية فحسب، بل انعكس بشكل مباشر على مؤشرات الاقتصاد الوطني فقد أعاد المؤتمر تسليط الضوء على مقومات الأمن والاستقرار، مما شجع تدفقات الاستثمار والسياحة وفتح الباب أمام موجة من المشاريع الصناعية والخدمية الجديدة وبينما كانت الأنظار تتجه نحو القمة السياسية، كانت مصر تضع لبنات تحول اقتصادي حقيقي بدأ يُترجم في الأرقام والقرارات والمشروعات على الأرض.
طفرة إستثمارية غير مسبوقة
منذ بداية الستينيات، كانت مدينة العلمين مجرد فكرة على الورق، واليوم أصبحت واحدة من أبرز مناطق الجذب الاقتصادي والسياحي في مصر. وفقًا لتقارير اقتصادية بريطانية، وصل حجم الاستثمارات في مدينة العلمين الكبرى ومحيطها إلى نحو 70 مليار دولار، فيما تتوقع التقارير أن تتضاعف لتصل إلى 150 مليار دولار خلال الأعوام القادمة.
الأمر اللافت أن نصف أثرياء العرب، بحسب استطلاع أجرته شركة بريطانية متخصصة، يخططون لقضاء الصيف في مصر، خصوصًا في العلمين ورأس الحكمة، حيث ضخت قطر وحدها أكثر من 3.5 مليار دولار استثمارات في المنطقة. كما حققت شركة إماراتية، خلال 48 ساعة فقط، مبيعات وصلت إلى 10 مليارات جنيه بعد طرح 1400 وحدة جديدة، ما يعكس الطلب المتزايد على العقارات في الساحل الشمالي.
البنية التحتية تغيّر الخريطة
إن القفزة في حجم الاستثمارات لم تأتِ من فراغ، فمشروع القطار الكهربائي السريع الذي تنفذه شركة «سيمنس» بالتعاون مع أوراسكوم والمقاولون العرب سيربط بين العلمين والعين السخنة مرورًا بالعاصمة الإدارية و6 أكتوبر، وهو إنجاز ضخم بطول 460 كيلومترًا، سيعيد رسم خريطة السياحة والنقل في مصر.
هذا الربط بين الساحل الشمالي والعين السخنة سيحوّل العلمين إلى مركز لوجستي وسياحي ضخم، ليس فقط للترفيه بل للصناعة أيضًا، إذ يجري تطوير منطقة صناعية متكاملة هناك لجذب المستثمرين وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.
طفرة في السياحة والفنادق
بحسب بلومبرغ الشرق، تلقت الحكومة المصرية عروضًا من 19 فندقًا عالميًا لافتتاح فروع جديدة في مصر، ما سيرفع الطاقة الفندقية في القاهرة بنسبة 10%. اللافت أن التقارير تشير إلى أن السائح الذي يزور العاصمة ينفق أضعاف ما ينفقه السائح في المدن الساحلية، بسبب نشاطه الترفيهي والثقافي داخل المدينة.
وفي شرم الشيخ، التي شهدت مؤخرًا قمة دولية كبرى، كانت صور المدينة المبهرة جزءًا من التغطية الإعلامية العالمية. فالصحف البريطانية وصفتها بأنها “مدينة السلام” ودعت مواطنيها لزيارتها، مؤكدين أنه تم فتح رحلات مباشرة من بعض مطارات بريطانيا لشرم الشيخ ومتاحة يوميًا،وبالتأكيد لا يقتصر الأمر علي بريطانيا فقط بل شهدت المنطقة تزايد ملحوظ في عدد السياح الإيطاليين واليونانيين وبعض الجنسيات الأوروبية الاخري .
حتى طابا، التي كانت تعاني ركودًا، تستعد للانتعاش بعد إعلان شركة أوراسكوم إعادة فتح 5 فنادق مغلقة من أصل 6، بعدما حقق الفندق الوحيد العامل أرباحًا تجاوزت 100 مليون جنيه سنويًا رغم الأحداث الأخيرة.
الأمن يجذب الفعاليات والسياح
جدير بالذكر لنا ان نتعرض للحديث عن التحسن الأمني الملحوظ في مصر والذي ساهم في عودة الفعاليات الكبرى فالحفلة الموسيقية الضخمة التي أقيمت عند الأهرامات حضرها أكثر من 15 ألف شخص، وقد حققت إيرادات قُدّرت بـ 24 مليون دولار، ولم تسجل أي شكاوى أو حوادث، ما يعكس صورة إيجابية عن الأمن والاستقرار في مصر.
وحتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشاد بانخفاض معدلات الجريمة في مصر، معتبرًا أنها من الدول الأكثر أمنًا في المنطقة.
نهضة صناعية ومشروعات ضخمة
لم يعد الاقتصاد المصري يعتمد فقط على السياحة أو قناة السويس، فهناك نهضة صناعية واضحة فشركة ألمانية كبرى مثل Interloop قررت إنشاء مصنع في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس باستثمارات تبلغ 35.5 مليون دولار على مساحة 650 ألف قدم، لتصنيع منتجات تُصدر بالكامل إلى أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط.
كما تستعد شركات كبرى مثل أوبو وسامسونج لافتتاح مصانعها في مصر، حيث سينتج مصنع أوبو نحو 5 ملايين هاتف سنويًا، ما يعزز فرص العمل ويخفض البطالة ،وفي صناعة السيارات أنتجت مصر 95 ألف سيارة خلال عام واحد، منها 30 ألف سيارة نيسان بنسبة مكون محلي بلغت 54% — وهي نسبة مرتفعة بمقاييس الصناعة العالمية.
إصلاح اقتصادي بتوازن
ورغم الجدل حول رفع أسعار البنزين، فإن الحكومة تتحرك في إطار خطة إصلاح متفق عليها مع صندوق النقد الدولي، تهدف لتقليل الدعم تدريجيًا وتوجيه الموارد لقطاعات أكثر احتياجًا مثل الصحة والتعليم وفي المقابل يجري الإعداد لطرح شركات حكومية جديدة للاستثمار، بهدف تخفيف العبء عن الدولة وجذب رؤوس أموال جديدة دون التفريط في الأصول.
مصر تتغير… نحو الأمل
مما سبق نستطيع القول بثقة وثبات أن الرسالة الأهم من كل هذه التطورات هي أن الصورة لم تعد كما يراها المتشائمون، فهناك واقع آخر يتحرك بثبات: تحديث كامل في البنية التحتية ،استثمارات تتدفق، مصانع تُفتتح، سياحة تنتعش، وطرق تربط الشمال بالجنوب.
قد لا تكون الرحلة سهلة، لكن المؤشرات والدلائل تقول إن الاقتصاد المصري يسير نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو الحقيقي ، والأمل في غدٍ أفضل أصبح واضح وضوح الشمس ومبررًا لكل هذه الإنجازات وليس مجرد شعار.