شرفت بحضور المؤتمر الدولي الأول بعنوان “لا إعاقة مع العلاج الطبيعي” بحضور الدكتور علاء بلبع ، العميد السابق لكلية العلاج الطبيعي جامعة القاهرة،ومؤسس مبادرة “لا إعاقة” ورئيس المؤتمر، وقد لفت انتباهي علي مدار يومين متواصلين من الفعاليات والجلسات العلمية المثمرة حول أبرز مستجدات العلاج الطبيعي؛ غياب التغطية الإعلامية بمختلف أشكالها، فضلًا عن الغياب الأبرز غير المبرر لمنظمات المجتمع المدني أو أي من الوزارات أو الهيئات الحكومية المعنية بشئون ذوي القدرات الخاصة، وهو ما جعلني علي يقين تام بأن توصيات هذا المؤتمر لن توتي أكلها؛ طالما غاب البعدان المجتمعي والإعلامي.
لاشك أن المؤتمرات والفعاليات العلمية والبحثية لها دورها البارز في استعراض نتائج الدراسات والأبحاث العلمية وتطبيقاتها العملية بين الباحثين والأكاديميين، لكنها لن تستطيع وحدها التصدي للمشكلات الاجتماعية أو الحد منها، لأن تغيير أو مجرد تعديل الواقع الاجتماعي القائم يتطلب ضربًا من ضروب التفكير يثور على كل ما هو شائع داخل هذا الواقع؛ لتأسيس بناء فكري جديد؛ تتضافر فيه جهود أجهزة التنشئة الاجتماعية، في إطار إستراتيجية قومية متكاملة وموحدة الأهداف؛ ترسم ملامح واضحة لتغيير الثقافات المجتمعية الخاطئة، وإعادة تشكيل وعي المواطن.
ومنذ آلاف السنين ضرب لنا نبي الله “ذي القرنين” المثل الأعظم في التعامل والحوار مع ذوي الإعاقة السمعية والكلامية؛ ذلك لأنه كان آخذًا بالأسباب ، كما أوضحت الآية الكريمة في سورة الكهف : “وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا” ليمنحه الله حكمًا وملكًا عظيمًا بلغ من مشارق الأرض إلى مغاربها.
ثم التقى في رحلته بهؤلاء القوم غير القادرين على حواره أو فهم ما يقوله، ولكنهم احتاجوا النجاة من بطش قوم يأجوج ومأجوج المفسدين في الأرض، يقول تعالى: (وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) .
وقد فسر الشيخ الشعراوي هذه الآيات بأن “ذا القرنين” قد التقى بقوم من الصم والبكم غير القادرين على مجرد الاقتراب من فهم ما يقوله، وعلى الرغم من ذلك فقد نسب القرآن سردًا طويلًا على ألسنتهم، ذلك أن المقصود هو دلالة المعنى، وليس المرادف اللفظي لكلمة “قالوا” المذكورة في الآية، فقد قام الحوار على لغة الإشارة التي نجح “ذو القرنين” في تحويلها لمعان، وأفعال في كل مرحلة من مراحل بنائه لسد منيع يحول بينهم وبين قوم يأجوج ومأجوج، دون أن يتحصل منهم على أي مقابل مادي، بل كان شرطة الوحيد هو جدية المعاونة من قبلهم بإحضار ما يطلبه من معدات ومواد لازمة.
فيا ترى كم عدد السنين التي احتاجها “ذو القرنين” لبناء سده المنيع الذي يعجز يأجوج ومأجوج عن تحطيمه حتى قيام الساعة؟ وكيف أطاق الصبر على التحاور معهم بلغة الإشارة، ولم يكن في عهده أي مدارس أو معاهد لتعليم هذه اللغة أو التدريب على فنون التواصل والحوار مع الصم والبكم؟ والإجابة تبدو بسيطة، وهى أن الله أراد أن يضرب بنبيه المثل الأعلى في الترفع عن الصغائر وتحدي المعوقات في سبيل الوصول للهدف الأسمى، وهو فك الكرب وكف الأذى.
فيا مسئولي وزارة التربية والتعليم هل تأملتم القيم الأخلاقية الكامنة في مبادرة “ذي القرنين” بأن أعددتم منهجًا دراسيًا إلزاميًا على جميع طلاب المدارس بمختلف أنظمتهم، لتدريس تكنيكات الاتصال بلغة الإشارة وآليات تطبيقها مع الصم والبكم؟، وهل فكرت وزارة الثقافة في إنتاج عمل فني تمثيلي موجه لهذه الفئة؟ وهل تمتلك جميع جامعاتنا بنية تحتية و أعضاء تدريس في كل كلية مؤهلين للتعامل مع ذوي الإعاقات المختلفة؟ وهل يحرص التليفزيون الحكومي أو القنوات الخاصة – من منطلق مسئوليتهم المجتمعية- على نقل مباريات وبطولات ذوي الإعاقة؟ وهل خصصت لهم وزارة الشباب والرياضة مراكز تدريب مزودة بالإمكانات المادية والموارد البشرية اللازمة لهم؟
وإلى غير ذلك من الأسئلة التي لن تجد جوابًا طالما غاب التكامل الاستراتيجي بين الوعي المجتمعي المسئول عنه الإعلام بشتي صوره ووسائله، وانحدرت الثقافة المجتمعية المسئول عنها أجهزة التنشئة من بيت ومسجد أو كنيسة، ومدرسة، وجامعة، ونادي، ومركز شباب، ومنظمة مدنية.