الجمعة, 22 نوفمبر, 2024 , 11:54 ص

علي ولينا – قصة حب وسط تحديات حياة لاجئ في ألمانيا

يبحث أغلبية اللاجئين في ألمانيا عن حياة آمنة بعيدا عن الحرب والموت، والبعض الآخر يسعى لحياة أفضل هربا من الفقر. ولكن بعضهم يجد في ألمانيا أيضا الحب على غرار قصة علي، اللاجئ العراقي الذي وقع في حب الطالبة الألمانية لينا.
كان علي* قد وصل للتو بقطار منتصف الليل من ميونيخ إلى محطة القطارات الرئيسية في برلين، منهكا بالتعب وحائرا مذهولا. لقد كان ذلك منتصف شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بضعة أسابيع بعد العثور على جثة الطفل السوري آيلان الكردي التي لفظتها الأمواج على أحد السواحل التركية. علي وصل إلى أوروبا عبر طريق البلقان: انتقل من تركيا على متن قارب إلى اليونان وبعدها مر عبر مقدونيا ثم صربيا والمجر قبل أن يصل إلى النمسا وبعدها ألمانيا.

لينا كانت حينها متواجدة في محطة القطارات الرئيسة في برلين مع مجموعة صغيرة من النساء خلف طاولة "مرحبا باللاجئين". صديقتها عرضت على علي ذي الـ28 عاما ومرافقيه العراقيين الاثنين مكانا للإقامة خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى حين تفتح مصلحة ولاية برلين للخدمات الصحية والاجتماعية أبوابها أمام اللاجئين في صباح يوم الاثنين.

وقبل أن يغادر الرجل المتعب المحطة رفقة المرأة الأخرى، هاهي لينا، ذات الـ30 عاما وطالبة رسالة دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة برلين الحرة، تكتب سريعا اسمها ورقمها الهاتفي على قطعة من كرتون تدعو فيها علي للاتصال بها في أي وقت يحتاج فيه للمساعدة.

وفي اليوم التالي كتب علي رسالة قصيرة بالانجليزية للينا التي بدورها ردت برسالة مماثلة. بعدها خرجا مع آخرين للعشاء قبل أن يكتبا رسائل إضافية لبعضها البعض وتتكثف لقاءاتهما. وفي أحد الأيام جاءت لينا إلى مصلحة ولاية برلين للخدمات الصحية والاجتماعية وبيديها كيس كبير ممتلئ بالحلويات والمرطبات. يومها رأت بكل دهشة وتعجب كيف قام علي، وهو مهندس كمبيوتر من بغداد، بتوزيع الجزء الأكبر منها على اللاجئين الجائعين المنتظرين خارج الخيام التي نصبت لتسجيل بياناتهم.

"لقد شعرا بأنه حب حقيقي"

وفي أحد الأيام كتب إليها علي بأنه منشغل جدا ولا يستطيع لقاءها، حينها شعرت لينا بالإحباط معتقدة بأنها أصبحت بالنسبة له ثقيلة الظل. وفي اليوم التالي كتب إليها علي ليقول لها بأنه اشتاق إليها. حينئذ عرف كلاهما بأنهما وقعا في حب بعضهما البعض.

وفيما كان قادة الدول الأوروبية يعدون لقمة تعقد في الـ17 من مارس/آذار بهدف وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لوقف أكبر سيل للاجئين تعرفه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، من شأن أن تكون عملية إدماج اللاجئين في ألمانيا التحدي الموالي. يذكر أن مليون ومائة ألف لاجئ وصلوا العام الماضي إلى ألمانيا. ويشكل الذكور الأغلبية العظمى من طالبي اللجوء في ألمانيا. ولا تتجاوز أعمار أغلبيتهم، على غرار علي، سن الثلاثين عاما. ولإنجاح عملية الإندماج أكد السياسيون الألمان بأنهم يريدون تجنب نشأة مجتمع مواز من المهاجرين المسلمين يعيشون خارج إطار أغلبية المجتمع الألماني.

ولعل أسهل طريقة بالنسبة للاجئ حتى يصبح "ألمانيَّا" أن يتزوج من ألمانية. لكن عملية تطور قصة حب علي ولينا محاطة بتحديات كثيرة وقد لا تنجح إلا تحت ظروف محددة جدا.

طقوس الحب في الغرب مختلفة عن الشرق

"لقد رآني أصدقائي كيف دخلت الغرفة والفرحة تعلو وجهي"، هكذا تتذكر لينا التي لم تكن لها علاقة عاطفية قارة لست سنوات. "عندها أخبرتهم بأني مغرمة بشاب، لكنهم حذروني منه. لقد قالوا لي بأنه مسلم وأنه مختلف جدا عني وأني لا أعرف ما الذي ينتظرني. لقد قالوا لي أيضا بأنه ربما يريد أن يتزوج بي من أجل الحصول على إقامة هنا في ألمانيا." ولكن مخاوف لينا كانت من نوع آخر، إذ أنها كانت تخشى أن يكون لطفه ووده ليس نابعا عن حب وإنما عن اعتراف بالجميل إزاء كل المساعدات التي قدمتها له.

أما علي فقد أجبر على الاختفاء في قبو قذر والتفاوض مع وسطاء مشبوهين والمخاطرة بحياته في زورق مطاطي ممتلئ عن آخره بلاجئين مثله قبل أن يبدأ رحلة شاقة استمرت ثلاثة أسابيع عبر البلقان. لكنه لم يكن على إلمام على الإطلاق بطقوس الحب الغربية. إذ أنه أمضى الليلة الأولى مع لينا في السرير وهو مرتديا ملابسه. "لقد استيقضنا وأرادت أن تقبّلني، لكني قلت لها بأني لا أقدر على ذلك"، على حد تعبيره. "في العراق لا نخرج مع النساء إلا في حال كنا سنتزوج بهن."

"خمس سنوات ولا حتى قبلة واحدة"

ويروي علي بأنه كانت له صديقة في الجامعة لمدة خمس سنوات لم يُقدم فيها خلالها حتى على تقبيلها. "إنها ثقافة مختلفة، لا مجال هنا للمقارنة"، على حد قوله. ويضيف بأن الأمر استغرق أربع سنوات قبل أن يقابل والدي صديقته بهدف طلب يدها للزواج.

في المقابل، بعد أربعة أسابيع فقط من بداية علاقته مع لينا وبعده بوقت قصير بدأ علي بشرب النبيذ وتزيين شجرة عيد الميلاد في إحدى مدن منطقة الرور في ولاية شمال الراين ويستفاليا، غربي ألمانيا. وقد سعدت عائلة لينا بالتعرف على علي وعلى رؤيتهما يعيشان قصة حب حقيقية. جدة لينا أعطتهما ظرفا وبه البعض من المال كهدية بمناسبة أعياد الميلاد كتبت عليه باللغة الإنجليزية عبارة "حب حقيقي". أما والدها فطبخ مع علي وذهبا معا إلى إحدى مباريات كرة القدم.

وعلى الرغم من أن علي يتحدث بشكل منتظم مع والده في بغداد، إلا أنه دائما ما يكون متحفظا معه بشأن الإفصاح عن علاقته بلينا. ويوضح علي ذلك للينا قائلا: "قبل أن نتزوج سأخبره عنك، حينها سيكون كل شيء على ما يرام."

ويقول إن جميع اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط الذين يعرفهم يعتقدون بأن النساء الألمانيات لسن طاهرات لأن المجتمع هنا لا يحرّم العلاقات الجنسية قبل الزواج. ويضيف بأن والده وعائلته في بغداد يشاطرونهم هذه الرؤية. لكنه يشدد في الوقت ذاته أن ذلك لا ينطبق عليه، بحيث يقول: "بالنسبة لي الأمر المهم أني أعرف الفتاة وأثق بها. وهذا كل شيء بالنسبة لي."

ويقضي علي وقته كل صباح في العمل بإحدى شركات البرمجيات التي من شأنها أن تساعده على الدخول مرة أخرى لسوق العمل في مجال الهندسة الإليكترونية، وفي المساء يتردد على دروس تعلم الألمانية.

ويقول إن جدول العمل هذا يعد تحديا بالنسبة لشخص مثله كان يقضي وقته كما يشاء، مشددا في الوقت نفسه أنه ينفذ كل ما تطلبه منه صديقته لينا. "عندما تقولي لي إفعل شيئا ما، أنفذه أيضا." الأمر الذي دفع لينا للقول: "يجب أن يكون لكل لاجئ صديقة ألمانية تساعده على إنجاز جميع الأمور المتعلقة بهم." وتضيف قائلة: "أنا أنحدر من أسرة محظوظة اجتماعيا: والدي جرّاح وأمي طبيبة. كان لنا بيت في ميامي، كما عشت لفترة معينة في نيوزيلاندا. لقد كنت أتوقع أن أتزوج برجل ينحدر من وسط اجتماعي مماثل. لم أكن أبدا من قبل أتصور أن أقع في حب أحد مثل علي."

*لقد تم تغيير أسماء الأشخاص المذكورين في المقال بطلب منهم لحماية العائلات المعنية.

اترك رد

%d