الجمعة, 22 نوفمبر, 2024 , 7:18 ص

أحمد المنوفى يكتب : أبا فرحات .. تركت فراغاً 

 

عاما مر بتمامه وكماله، لم أكد أفيق من صدمة رحيل الحاجة “زهية” .. كنت بالأمس القريب أطوف حول  قبرها.. ترقد فيه بسلام.. الموت حصد كل أحبتى, وتركنى وحيداً, أعراك فى موجات الدنيا العاتية, بعد أن تحطمت سفينة نجاتى على صخور الفراق, صعبة تلك اللحظات, أقف أمام مرقدها يفصل بيننا الحاجز بين الموت والحياة, أحاول عبوره لخطف لحظات أشتاق إليها, أنهال فيها من نهل حنانها, وأحتمى فى أحضانها من شراسة الدنيا.. أقف صامتا أمام شاهد قبرها.. أتجول بين ذكرياتى وأنا فى رحابها, ربتنى.. علمتنى، أخذت تعد خطواتى الأولى, تقفز فرحه عندما افتح ذراعى لأدخل فى أحضانها.. تمر سنون عمرى بين راحتيها, الأمن والأمان, فى عينيها, ليخطفها القدر ليسقط ركن عظيم من حياتى..

ويبدو أن طاحونة الأحزان درات رحاها لتحصد من أحبهم, فلم أجد أفيق من رحيل الزاهية “زهية” حتى تبعتها صدمة أخرى كدت أفقدت حياتى معها, وينفطر القلب معها, ويخيم الحزن والألم على روحى, جسدى الهزيل لا يتحمل قسوتها..

رنين الهاتف ينخلع معه قلبى.. وإنسحبت روحى من جسدها.. وتجمدت أوصالى فيما وراء هذا الرنين القاتل.. بخيفة أتوجسها جائنى الصوت من الطرف الآخر.. الانسان الخلوق واستاذنا الجليل “السيد عبدالعزيز فرحات ” فى ذمة الله .. ليسقط ركن آخر من حياتى.. باب المعرفة والعلم.. لم أسمع سوى هاتين الكلمتين .. ليخيم الحزن والألم على حياتى مرة آخرى .. فقد كان محطة مهمة شكلت وجدانى ورسمت الخطوط العريضة فى مشوار الحياة, لم يكن معلماً .. بل والدا , الراحل الجليل ” السيد عبدالعزيز فرحات” تخرج فى كلية التجارة جامعة القاهرة عام 1975  ليس معلمى فقط، بل استاذ واخ واب، شجعني واخذ بيدي وزرع بداخلى الحرية المطلقة والمغامرة ، فتزوج ابنة خاله الحاج بدر أبو اسماعيل الذى كان له بصمات واضحة فى القرية, لما اشتهر به من مهارة فى مهنته الطبية, وكان بيته قبلة للاستشفاء وتقديم الخدمات الطبية, والإسعافات الأولية فى الظروف الطارئة على مدار الساعة. كان أمينا للاتحاد الاشتراكى بالمنوفية، وعضوا بالمجلس المحلي, إلى جانب دوره البارز فى فض المنازعات, والإصلاح بين الناس..

كنت احرص على زيارته في مكتبه بالمدرسة الثانوية التجارية بسنتريس التابعة لمركز ومدينة أشمون محافظة المنوفية, واشرب معه القهوة ونتبادل اطراف الحديث ونتشعب حيث ما كان وما صرنا اليه, لقد كان للفقيد موقف متحفظ على العديد من الظواهر الاخلاقية  والمناهج في العمل التعليمى , قام بتعليم العديد جميع طلاب المدرسة دون أن يعطى دروس خصوصية فى, تلقى العديد من العروض ليتولى أحد المناصب فى وزارة التربية والتعليم ولكن دوما كان يرفض دون رجعة أو تفكير, احببت العزيز الراحل كما الحبيب الاول فقد كان يتربع على عرش قلوب المحيطين به, ولا اشك انه ايضا بادلني نفس الشعور وكنت دائما  اتصل عليه لاستفسر على بعض المعلومات التى تقف امامى .

المرة الاخيرة التي التقينا سويا كانت في سرداق عزاء أحد المتوفيين من أبناء القرية وكان بصحة جيدة وتحدث معى على بعض زملائه الاعزاء من زمنه  الجميل والصفاء والنقاء على حد قوله رغم هذه المميزات التى يتمتع بها إلا أنه خجول جدا فى الحديث عن نفسه وودعته وهو فرح مبتسم, كتب اكثر من مقال بجريدتى العريقة التى أعمل بها  وتناول بها عدة مراحل مهمة في مسيرته التعليمية والرياضية دون ان يسقط من قلبه او قلمه العشق المتدفق لمركز شباب شنواى الذى كان يلعب به والذي اخلص له ادبيا ومعنويا, رحمك الله يا معلمي وملهمي وأدعو الله أن يكون مثواك الجنة بإذن الله ..على امل ان نحفظ لك العهد بالأمانة الوطنية والمهنية والاخلاقية وان نبقى اصحاب كلمة وفاء على دربك …وداعا أبا فرحات .

.

اترك رد

%d