بقلم دكتور/ حسن صابر
إجتاحت موجات من السخرية والتهكم مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام في مصر بسبب محاولة المستشار مرتضى منصور إضافة كلمة واحدة وهى ” مواد ” إلى كلمة ” الدستور ” لتصبح ” مواد الدستور ” ذلك لأنه لم يوافق على الدستور الذي وضعت له ديباجة أو مقدمة ذُكِرَ فيها يوم 25 يناير ، والمستشار لا يعترف بثورة 25 يناير ويعتبرها يوماً أسوداً في تاريخ مصر ، ولهذا قرر أن يضيف كلمة مواد إلى كلمة الدستور ، ليكون قسمه على مواد الدستور وليس على الدستور ذاته ، ولكن إنتبه رئيس وأعضاء البرلمان لهذه المحاولة من جانب المستشار ، وأصروا أن يقسم بنفس كلمات القسم دون إضافة أو تغيير ، وكان المستشار بخلفيته القانونية يعلم أنه يحارب حرباً خاسرة فأذعن وأدَّى القسم بطريقة ساخرة ، لكنه سجل بذكاء كبير موقفاً ضد ديباجة الدستور ، وأعلن بطريقة غير مباشرة عن عدم إلتزامه بإعتبار ما حدث يوم 25 يناير 2011 ثورة شعبية .
لكن لم يلتفت أحدٌ إلى نص القسم الذي أقسمته نائبات المجلس ، حيث يقول القسم : ( أقسمُ بالله العظيم ، أن أحافظَ مخلصًا على النظام الجمهوري ، وأن أحترمَ الدستورَ والقانونَ ، وأن أرعى مصالحَ الشعبِ رعايةً كاملة ، وأن أحافظَ على استقلال الوطنِ ووحدةِ وسلامةِ أراضيه ) ، فهل يصح لُغَوياً أن تقول النائبة : أن أحافظ مخلصاً . . وبماذا توحي كلمة مخلصاً ؟ ألا توحي أن من يؤدي القسم هو ذكر . . أليس الصواب أن تقول النائبة في قسمها : أن أحافظ مخلصةً بدل كلمة مخلصاً ؟ إلى متى سيسود المنطق الذكري في اللغة التي نستخدمها ، وإذا كان هذا خطأً لُغَويَّاً واضحاً فهل يمكن إعتباره خطأً قانونياً بإعتبار أن كلمة مخلصاً توحي أن الذي يؤدي القسم ذكراً وليس أنثى ، وماذا كان سيضير من وضع نص القسم أن يجعل منه نسخة أخرى أنثوية للنائبات المحترمات تختلف عن النسخة الذكرية في كلمة واحدة وهى مخلصةً بدل كلمة مخلصاً ، بل تختلف في حرف واحد وليست كلمة واحدة وهو تاء التأنيث .
ولم يقتصر الظلم الذي وقع على الأنثى في القَسَم فقط ، بل وصل إلى وصف وظيفتها أنها نائب وليست نائبة كما أن إسم المجلس الذي كان إسمه مجلس الشعب تغير إلى مجلس النواب . . ولو دققنا لوجدنا أنه إسم لمجلس يتنكر لوجود النائبات المحترمات به ، فسمى بإسم ذكري هو مجلس النواب ، وكلمة نواب تكون جمعاً لإسم مفرد مذكر هو نائب ، ولا يمكن أن تكون جمعاً لكلمة نائبة ، وبالتأكيد كان إسم مجلس الشعب أكثر عدلاً من إسم مجلس النواب ، لأن كلمة الشعب تجمع الذكور والإناث دون تمييز ، ولكن يبدو أن بعض أعضاء لجنة الخمسين التي وضعت الدستور لم يعجبهم إسم مجلس الشعب ، وأرادوا تغيير هذا الإسم الذي يذكرهم بفترتي الرئيسين السادات ومبارك فغيروا الإسم إلى مجلس النواب ، ولعلهم أرادوا التشبه بإسم النائب في أمريكا وبريطانيا ، فالنائب في أمريكا مثلاً يسمى Senator سواء كان ذكراً أم أنثى ، لكنهم يجب أن يدركوا أن هناك فرق كبير بين اللغتين العربية والإنجليزية .
وسؤالي الأخير في هذا الصدد متى ستنتفض الأنثى في مصر وبقية البلاد العربية لتقديم الإحترام الواجب لها ؟ فحتى اليوم إذا شغلت أنثى منصباً يظل إسم المنصب ذكرياً ، فإذا عينت وزيرة للشئون الإجتماعية مثلاً فيكون الوصف القانوني لمنصبها هو ” وزير الشئون الإجتماعية ” ، وإذا عينت وكيلة لوزارة الصحة مثلاً فيكون الوصف القانوني لمنصبها هو ” وكيل وزارة الصحة ” ، والفارق الذي يحفظ للمرأة كرامتها هو حرف واحد ” تاء التأنيث ” . . متى تنتفض الأنثى لتاء التأنيث ونون النسوة ، ومتى نحترم المرأة كما تُحْتَرَم في المجتمعات المتقدمة الراقية .
المشكلة الأكبر أن أحداً لم يلتفت لهذا الأمر ، ولم أقرأ تعليقاً واحداً لا من أنثى ولا من ذكر ، وكأن الطبيعي أن نسكت عن هذه الأخطاء اللغوية حتى أضحت وأمست صواباً شاع على ألسنتنا ، أليس ذلك دليل على إنهيار اللغة العربية في مصر ، بلد الأزهر وعلمائه ، بلد خرج منها أعظم الكتاب والأدباء والشعراء . . هل تابعتم رئيس المجلس المستشار علي عبد العال وهو يخطئ في قواعد اللغة العربية بمجرد أن يفتح فمه بكلمة عربية واحدة ، هل يدرك هذا الرجل أنه شوه اللغة العربية وجعلها لغةً قبيحة وأصبحت على لسانه مسخاً مشوهاً مثل المخلوقات المفزعة في أفلام الرعب . . هل إستمعتم إلى وكيليِّ المجلس أثناء تلاوتهما للآيات القرآنية وأثناء قراءتهما لكلمات القسم ، للأسف فضيحة ، أحدهما الوكيل الأول محمود الشريف نقيب الأشراف في مصر الذي عجز عن قراءة آية قرآنية يستطيع طفل صغير أن يقرأها ، ونفس الفضيحة في قراءة الوكيل الثاني سليمان وهدان ، ثم إستمرت المهزلة بعد ذلك وستستمر طوال الفترة التشريعية لهذا المجلس الذي يضم نواباً جهلاءً لا يعرفون أن هناك فارق بين الفتحة والضمة والكسرة .
القسم يتكون من سبع وعشرين كلمة فقط ، ولا توجد به أية صعوبات لغوية فلماذا عجزت غالبية النواب والنائبات عن قراءته بصورة صحيحة ؟ ولماذا لم تعمل إدارة المجلس نُسَخاً من القَسَم يوجد على كلماتها حركات التشكيل لتقليل أثر الفضيحة التي حدثت ؟ للأسف الشديد فإن مستوى هؤلاء النواب والنائبات لا يشير إلى تدهور مستوى التعليم بمصر فحسب ، ولكنه يشير أيضاً إلى ما هو أخطر من ذلك ، فهذا المجلس للأسف الشديد مرآة تعكس بوضوح مستوى الناخب المصري ، فنحن شعب 70% منه جاهل لا يعرف القراءة والكتابة ، و25% منه أنصاف متعلمين وهم أيضاً جهلاء بمقاييس العصر الذي نعيشه ، وليس غريباً أن يكون هذا هو مستوى المجلس الذي يمثل هذا الشعب ، وليس نواب الشعب فقط هم الجهلاء في قواعد اللغة العربية ، بل إن أغلب المسئولين يشاركونهم نفس الجهل بدءاً من الرئيس السيسي الذي تمتلئ خطاباته بالأخطاء اللغوية وإمتدادا إلى رئيس الوزراء وغالبية الوزراء . . غالبية قضاة المحاكم والمستشارين والمحامين ومذيعي القنوات الفضائية والمدرسين والمدرسات في مصر لا يعرفون قواعد اللغة العربية فماذا نتوقع من مجلس نواب يمثل كل هؤلاء ؟