ما زالت أصداء خطاب الرئيس السيسي في مؤتمر تحالف الدول العربية والإسلامية وأمريكا والذي عقد مؤخراً في السعودية حديث الرأى العام العالمى ، وكان لنا وقفة مع بعض ما قاله الرئيس .. وهنا أشير إلى أن الرئيس قد طالب المجتمع الدولي بمعاقبة الدول التي تحتضن الإرهابيين وتمول عملياتهم الإرهابية وتدعمهم بالأموال وتسهل لهم الحصول على الأسلحة والمتفجرات دون مجاملة لهذه الدول أو مصالحة معها ، وأكد أن مصر لن تصبح قاعدة للراديكالية في العالم ، إذن سيادته أشار إلى دول تدعم الإرهاب دون أن يحددها بالإسم وبالطبع كان يقصد قطر وتركيا ، ولعل أمير قطر قد فهم أنه المقصود بهذا الكلام على طريقة من على رأسه بطحة يحسس عليها ، خاصة أنه لم يجد في الرياض الترحاب والمودة اللتين إعتاد عليهما في زياراته السابقة ، فإرتبك لقلة خبرته السياسية وأدلى بتصريحات بعد عودته إلى الدوحة تباهى فيها بعلاقات قطر مع إيران وإسرائيل ، وذكر أن إيران دولة كبيرة مؤثرة وليس من مصلحة دول الخليج معاداة إيران ، وظهر وزير خارجيته ليعلن سحب سفراء قطر من مصر والسعودية والامارات والبحرين ، ثم سرعان ما عادوا لنفي هذه الأنباء ، وإدعوا أن وكالة أنباء قطر قد تمت مهاجمتها من قبل قراصنة سيطروا عليها بعض الوقت وبثوا هذه الأخبار الكاذبة ، ولم تقتنع الدول المعنية بهذا التبرير ، وردوا على حاكم قطر بإغلاق أكثر من عشرين موقعاً قطرياً من ضمنهم كل قنوات شبكة الجزيرة القطرية . . لكن دعونا نحلل ما جاء بخطاب الرئيس السيسي في النقاط التالية :
1- بالطبع أتفق مع دعوته بضرورة معاقبة الدول التي تدعم الإرهاب ، وعدم التصالح معها .
2- لكن ألا يستدعي الأمر تقديم أدلة دامغة على تورط قطر وتركيا في دعم الإرهاب ، فما أسهل من توزيع الإتهامات . . كل المؤشرات تشير إلى مسئولية داعش عن هذه الجرائم . . إذن ليس الإخوان المسلمون الذين يعيشون في قطر وتركيا هم المتورطون في هذه الجرائم الإرهابية ، فبالتأكيد داعش ليسوا الإخوان ، وأنا لا أدافع عن قطر وتركيا ، بل وشخصياً أعتقد أن البلدين بالفعل متورطان في دعم وتمويل هذه العمليات الإرهابية التي ضربت مواطنينا ، لكن المجتمع الدولي لا يأخذ بالمشاعر بل سيطلب أدلة قوية على هذا التورط ، وأنا أكره أن نجعل من الإخوان شماعة نعلق عليها فشلنا في تحقيق الأمن والأمان لمواطنينا .
3- ثم ما هى العقوبات المؤثرة على قطر وتركيا كما يراها الرئيس السيسي ؟ وما مدى هذه العقوبات ؟ ومن سيفرضها على تلك الدولتين ؟ . . المضحك أن دكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب المصري أكد أول أمس أنه ستفرض قريباً جداً عقوبات على الدولتين ، ولا أظن أنه يستطيع تحديد هذه العقوبات لو سأله عنها أحد نواب المجلس أو أحد الإعلاميين ، وكل هذه التصريحات هى للإستهلاك المحلي ، ولإمتصاص الإحتقان الشعبي الذي نتج عن فشل منظومتنا الأمنية .
4- لماذا التركيز على قطر وتركيا وعدم الإشارة إلى بريطانيا رغم أنها تأوي كل القيادات الهامة لتنظيم الإخوان المسلمين ؟
5- لا أعرف سبباً لنشوز قطر عن المنظومة الخليجية وسلوك حكامها مساراً يختلف كلياً عن مسار حكام السعودية والإمارات والكويت والبحرين وعمان ، وأعتقد أنه ربما لا تملك قطر قرارها ، وأن الأوامر تصدر لها بصورة أو بأخرى من أمريكا لخدمة مصالحها الإقتصادية والعسكرية في المنطقة مقابل الحفاظ على أمن قطر وإستمرارية حكامها في مناصبهم . . ولهذا فمن الحكمة أن يدرك من يريد معاقبة قطر أنه يتوجب عليه معاقبة أمريكا . . هذا إن إستطاع !!
6- ليس سراً أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان على وشك إلغاء الإتفاق النووي مع إيران في الأيام الأولى لتولي مهام منصبه ، لكنه نُصِحَ بالإبقاء عليها لإبتزاز دول الخليج وسحب ما يمكن سحبه منها طلباً للحماية من إيران ، فأبقى مسألة إلغاء الإتفاقية رهناً بممارسات النظام الإيراني ، وربما لنفس السبب لا تتدخل أمريكا في تعديل سلوك قطر ، ولو شاءت أمريكا أن تثبت لمصر ولدول الخليج أنها تحترم الإتفاقيات التي وقعتها معهم فيتوجب عليها أن تحذر قطر من ممارساتها في دعم الإرهابيين أو تطلب منها وقف مؤامراتها في أضعف الأحوال .
7- بلاشك فإن قيادات الدول الخليجية تدرك ما ذهب إليه أمير قطر من أهمية إيران كقوة كبيرة في المنطقة ، وأنه ليس من صالح الدول الخليجية معاداة إيران ، ولا إختلاف معه فيما توصل إليه ، لكن المشكلة أن ممارسات إيران منذ بداية الثورة الخومينية وتولي نظام آيات الله الديني للحكم في إيران ، لا تخلو من المؤامرات على السعودية والبحرين وبقية دول الخليج ، ولم يعد بوسع الدول الخليجية الوثوق والإطمئنان إلى إيران ، رغم إدراكهم لأهميتها ووعيهم السياسي أن أية عمليات عسكرية تنشب بينهم وبين إيران لن تكون في صالح إستقرار الأوضاع في بلادهم خاصةً ، وفي منطقة الشرق الأوسط عامةً .
8- يبدو أن الربيع القادم سيكون ربيع العلاقات الإسرائيلية الخليجية والعربية . . فالإتفاقيات التي وقعتها السعودية مع أمريكا سوف تجعلها هى ودول الخليج شاءت أم أبت داخل المشروع الأمريكي الإسرائيلي ، وداخل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي دعا إليه رئيس إسرائيل السابق شيمون بيريز . . وفي الحقيقة فقد إنتقدت في مقالات سابقة جمود الفكر العربي ، وعدم مواكبته للغة العصر وهى لغة المصالح . . فلا عدو دائم ، ولا عداوات مقدسة ، فعدو الأمس يمكن أن يصبح حليف وصديق اليوم والغد ، وضربت المثل باليابان التي ضربت بقنبلتين ذريتين في هيروشيما ونجازاكي ترتب عليهما موت الملايين من اليابانيين ، لكن إلتقاء المصالح جعلت عدو الأمس الأمريكي صديقاً لليابان اليوم . . ونفس الوضع بين ألمانيا وإيطاليا من جهة ، وبقية دول أوروبا من جهة أخرى . . إلا نحن لا نريد أن نفهم ، رغم أن التأخير في فهم هذه الحقيقة يكلفنا الكثير ، ويجعل الجانب الفلسطيني أكثر الأطراف خسارة . . وقلت أيضاً في مقالات سابقة أنه ليس من الحكمة والذكاء معاداة قوتين نوويتين على حدودنا هما إسرائيل وإيران ، فلو حافظنا على علاقات جيدة مع القوتين فذلك أمر جيد ووضع مثالي لنا ، فإذا تعذرت العلاقات الجيدة معهما فعلى الأقل يجب أن نحافظ على علاقات قوية مع قوة واحدة منهما . . أما معاداة إسرائيل وإيران في آن واحد فذلك هو الغباء السياسي .
( المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأى الجريدة وانما تعبر عن رأى كاتبها )