الخميس, 16 مايو, 2024 , 3:49 م

أحمد تاج يكتب عن الفن وسنينه ولغة الأكابر

 

 

بعض الاشياء صنعا لتكون قيد الاستخدام الوقتي …. لكن بعض الاشياء, أهم الاشياء …. صنعت لتدوم

ربما يكون قراري ان اكتب عن احد الاعمال الرمضانية قرار متأخر بعض الشيء . لكني فضلت ان اكتب بعد ان تهدأ موجة الانتقاد التي تبارى فيها الجميع في اظهار قدراتهم التحليلية الفذة و خلفيتهم الفنية التي لا يباريها شيء …. اخترت ان انتظر حتى يهدأ الجميع لاشارككم فيما انتوي ان يكون تحليل موضوعي انطباعي اكثر منه مقال نقدي على واحد مما اعتبره اهم الاعمال الفنية التي رأيتها في السنوات القليلة الماضية

جراند اوتيل

حسنا المسلسل يأخذك من اول لحظة بجو يعمد الى الابهار بداية من الصور الدعائية  خصوصا لـ عمرو يوسف في وضعية كلاسيكية جدا لكنها تتسم بالطزاجة بالنسبة لخلفيتنا الفنية التي نادرا ما تجد الجديد النادر وسط كم التكرار .

و ساترك الحديث عن الممثلين قليلا لاتحدث عن السيناريو و الحبكة ( دون حرق الأحداث بالرغم من تأكدي ان الجميع شاهد المسلسل او جزء منه على اقل تقدير) .

يقدم “تامر حبيب” اسلوبه الابداعي المعتاد في الحديث، والتقديم من قلب الشخصيات، والإجادة في رسم المشاعر الرومانسية على الأحداث حتى في أحلك الظروف الدرامية.

ويفاجئنا بشخصيات تحمل ابعاد حقيقية .. فاحدى مشكلات الدراما المصرية انها تحمل شخصيات ذات خلفيات تاريخيه معتقدة ان تلك الخلفيات تعبر عن شخصيات مركبة الا انها في الواقع تقدم شخصيات نمطيه في قوالب خلفيات مختلفه، لكن تامر حبيب يقدم لنا عمل عالمي قدم في 20 نسخه على مستوى العالم من الاصل الاسباني و يحملون جميعا ذات الاسم .. وهنا انا لا استطيع ان اقرر ان كان تامر حبيب قد اضاف بعدا لشخوصه أم أنه التزم بعملية نقل و تمصير خالصة.

جراند 1

وقد استطيع تقرير هذا بعد رؤيتي لأحد النسخ الاخرى .. لكني استطيع ان اقرر بقوه ان تامر حبيب لم يستحضر لغة حوار الفترة الزمنية، وكل ما قيل في المسلسل من حوار يعود لفترة الثمانينات لا هو كلاسيكي كجو المسلسل، ولا حتى معاصر … و منه الى نقظة اثارت انتباهي، لولا ” صدقي و ميمي شكيب و يوسف وهبي و انور وجدي ” ( رحمهم الله جميعا) و هم فنانوا تلك الفترة ….(عقدونا) فعليا بفرنسيتهم  و التي كانت جزء لا يتجزء من لغة ( الاكابر ) زمان بحكم انها كانت لغة البلاط الملكي المصري .. فلا يليق ابدا ان يطلب البيه ( red wine  )، كما فعل احمد داوود لانه بالتأكيد سيطلب (vin rouge  )، وسنجد كثيرا من البون سوار و الاورفوار و الساسوفي و سيسيراتو و اهمهم باردون …..في الحديث …. ما لم يحدث اطلاقا الا في همسات حائرة عابرة نادرة من انوشكا و رجاء الجداوي

لكن ما لا استطيع انكاره ان شخصية العجوز الشمطاء التي تراقب الجميع و لديها جعبة ممتلئة بالاسرار و التي قامت بها الفنانة الكبيرة شيرين هي تركيبة غير مصرية في الاساس في البناء الدرامي .

بلمحة سريعة في الحديث عن الاخراج فلا استطيع الا ان الاحظ مهارة المخرج محمد شاكر في تقديم صورة مفعمة بالحيوية و انا لا اعني فقط  على مستوى المنظر لكن على مستوى المنظر و الحركة و الادارة و الزاوية …. فلقد استطاع بالفعل ان يجعلني احيا لمده 15 ساعه هي مدة عرض الحلقات كاملة في ( الجراند اوتيل)

كان الديكور موفق كثيرا الا انه شكل عائق بصري في المشاهد التي تم تقديمها بالابيض و الاسود ( فلاش باك ) حيث غلب على لون البهو اللون الرصاصي كما كانت الوان الحجرات ناعمة جدا مما جعل الصورة الابيض و الاسود تميل الى الكآبة و عدم الوضوح . بينما كانت صورة الاوتيل الاصلي ( لا لوكيشن التصوير) من الخارج مفعمة بالطاقه و اللون بين الخضرة و الصخور و النيل بل و لون الاوتيل الزاهي ذاته

ومن الاوتيل انتقل الى الاضاءة، والتي كانت موفقة جدا خصوصا ان كثير من المشاهد النهارية اعتمدت على الاضاءة الكاملة او ضوء النهار الفعلي مما جعل الصورة تبدو اكثر حقيقية .

سوسن بدر

ادت الموسيقى التصويرية دورها بشكل فعال و ان لم تكن الاميز على الاطلا ق و السبب يكمن في رأيي في التوزيع الموسيقي لا في الجملة الموسيقية . حيث اعتمد كاتب التوزيع على الاعتماد على الوتريات بشكل كبير . بينما الفترة الزمنية تلك في جو الاثارة كانت لتليق بآلات النفخ بشكل كبير خصوصا و ان الجو ليس مصري صرفا من الاساس فطالما لن نعتمد الالات الشرقية فاعتقد ان الساكس كان ليكون ناجحا جدا في التعبير .

الملابس …. ربما هي نقطة الضعف الوحيدة في المسلسل ….. بالفعل انا لن استطيع اجبار رجاء الجداوي على ملابس تلك الحقبة و هي في تلك السن و بهذا الحجم …. و الممثلات الشابات كن اكثر تحفظا من النجمات الكبيرات في اختيار الملابس حيث آثرن عدم اثارة البلبلة في ما ارتدينه في المسلسل فيما عدا دينا الشربيني التي تحلت بالجراءة و ان كان دولاب ملابسها لم يناسب تلك الفترة الزمنيه

و لذا فانا ارفع القبعة لانوشكا التي كان اختيار ملابسها و اكسسوارها يتسم بالجرأة و المصداقية و كانت ربما الوحيدة في الجراند اوتيل التي تحيا في حقبته فعليا …. اما الأكسسوار و المكياج فهم خارج الخدمة تماما …بين تسريحات شعر الستينات و جيبونات السبعينات من جهه و الحواجب البارزة من جهة اخرى …. لم يكن عليهم سوى مشاهدة فيلم عربي قديم ليدرك الجميع انه لم يكن هناك شيء اسمه شعر منسدل بدون تسريحه …. او حاجب كثيف …بل رفيع جدا ….. ان الشوارب لم تكن كثة الا في حالة الباشاوات كبار السن لكن ( مقشة ) عمرو يوسف لم تكن مظهر لشاب عشريني او ثلاثيني اطلاقا في تلك الفترة …… اين الطرابيش …. ان لم يلبسها الابطال المتفرنجين ….فلما لم يلبسها المجاميع من نزلاء الاوتيل ….. على ما يبدوا انهم الغوا وجودها كي لا تحدث مأساة كل عام في عدم التفريق بين طربوش الباشا و الافندي و السفرجي …. و هي نكبة ثقافية لدولة ارتدى رجالها الطربوش عبر اجيال مختلفة .

يتبقى لنا الوجبة الاكثر دسما …… التمثيل ….

حسنا نستطيع ان نقسم ممثلي جراند اوتيل الى ثلاثة فرق ….. فريق هجوم حاد …. يتحداك في كل مشهد من المشاهد …. فريق دعم … يعملون دائما على تهدئتك من الفريق الهجومي و لكن لا يتركون مشاعرك لتفتر حول المسلسل …. و فريق دفاع …يحاول دائما اللهاث خلف المتفرج الحائر بين المسلسل و اي شيء اخر لاقناعه بالبقاء .

كانت انوشكا هي اقوى مهاجمة في الفريق …. لقد مثلت لي تحد حقيقي …. انا اريد التطلع لوجهها و تعابيرتها بل و طبقة صوتها طوال احداث المسلسل …. انا انتظر تعليقها على كل حدث و رأيها في كل ما يدور خلفها ( بكونها قسمت هانم) …. من الواضح ان فن التمثيل عموما اكتسب فنانة قوية لحد العظمة بلا شك …. و من يرى الفرق بين انوشكا ( السيد كاف) و انوشكا ( جراند اوتيل) يدرك ان هذه السيدة لم تمض السنوات الماضية هباء و انتظرت ان تعود لنا ممثلة قوية … و ربما امتلاكها لحنجرة مطربة جعل لديها  تلك القدرة الرائعة على تنويع طبقات صوتها طبقا لادائها مما جعها بالفعل تحفة للعين و الاذن  تنتظر ان تراها في كل حلقة .

ثاني خطوط الهجوم كان الفنان المفاجأة محمود البزاوي … و الذي يقدم لاول مره دور من فئة عمريه و خلفية رومنسية مختلفه عن كل ما قدمه قبل الان و للأمانه فقد كان بقدر التحدي حيث اختار الحديث من طبقة صوت رخيمة هادئة و اختار اداء متوازن بخلفية موسيقى تصويرة ثابته اعطت حضوره على الشاشه احساسا محببا للنفس

محمد ممدوح .. مع الاسف بدأ في اول الحلقات كأثر لاعبي خط الهجوم ضراوة … الا انه اختار في النهاية الانضمام الى فئة الدعم … بدأ محمد ممدوح بقوة ليقدم لنا شخصية النادل الطيب جدا و الذي اقترب بالاداء فيه من الشخصية التوحدية … و ابدع في ذلك بكل صراحة و لكن مع مرور الاحداث وجدت انه يسبل عينه اكثر فأكثر …. و تحول الامر معه من تجنب النظر في عيون الناس الى التوهان … التلعثم تحول الى تهته …. و الطيبة تحولت الى بلاهة …. و صرت اشاهد في النهاية محمد ممدوح يبدع في اداء شخصية المتخلف عقليا عوضا عن ما بدأت به السلسل من مشاهدته يبدع في اداء الشخص التوحدي . اعتقد ان رتم الادء و عدم هروب الشخصية من ممثلها هي مسؤلية المخرج …. لكن محمد ممدوح محل ثقة على كل حال

من اقوى ثلاثة علينا ان ننتقل الى فريق الدعم .

على راس فريق الدعم اتت الفنانة سوسن بدر …. في الواقع هو دور لا يضيف الكثير لها و لكنها تستطيع ان تضيف له و هو ما حدث بالفعل حيث كانت الشخصية الجامدة التي تخبيء اسرارها في جعبتها كما تكتم مشاعرها …شخصية محببة لنفس المتلقي لانه دائما يتوقع منها لحظة التحول قرب نهاية العمل و ينتظرها طوال الاحداث

شكلت شيرين عنصر دعم قوي للمسلسل … ربما هي لا تملك خط درامي خاص بها و ان كانت بالفعل داعمة … لكن شخصية العجوز ( النقاقة) تليق بشيرين و بضحكتها و اسلوبها في التدخين الى جانب خفة الظل التي جعلتني انتظر تعليقها و ذكر حكايات زجها بعد كل موقف .

دينا الشربيني .. هذه الفنانة قوية بحق .. و انا ادرك الان سر دعم مجتمع التمثيل المصري لها في ازمتها الشخصية …. تستطيع تلك الفنانة ان تجعلك تكره شخصيتها ( ورد) و تتعاطف معاها …في ذات اللحظة دون مجهود …هي تمتلك عينها و تستطيع تغيير نظرتها بسهولة و ان لم تكن تمتلك حنجرتها تماما و عليها تدريبها بشكل اكبر و ربما هذا هو سبب عدم اعتباري اياها في فريق الهجوم

عمرو يوسف …. الدور لا يضيف لك …. لان الجان برميير هنا يكرر نفس الكلام و نفس الوعود و نفس التهديدات دون ان يفعل شيء حقيقي قبل الحلقة الاخيرة …. هو جان برميير ممل و انت تلمع بشده …. تحتاج الى قليلا من التراب في لكنتك و لفتاتك و نظراتك … لا تراب القذارة و لكن اعني ان تكون حقيقيا مثل الجميع … لانك بوجهك الجميل الابيض و دورك المكرر الملل لم تكن الاقوى …. و ان كنت لا استطيع انكار اجتهادك …. لكنك في حاجة الى ايجاد بوابات مختلفة …. و لديك البداية فعلا ….

فريق الدفاع …

هم الافراد الذين اثبتوا حضور في المسلسل …فقط لانك ستود رؤيتهم و لن تمل وجودهم

على رأس هذا الفريق تأتي المخضرمة رجاء الجداوي … حسنا انت تعلم ان رجاء الجداوي هنا …. اذن هناك هانم و لا شك …. هي تليق بالدور و لكن الدور معتاد بالنسبة لها …تستطيع رجاء الجداوي ان تجعلت ترى المكرر ( التي تحصر فيه في اغلب اعمالها) بعين جديده لانها تحاول ان تكون طازجه دائما في ادائها ….لذات الدور

امينه خليل …. يا فتاتي انت تحاولين …. و امامك محاولات اخرى قادمه لم يكن مطلوب منك الا ان تكوني فراشه تنسج الحرير و الدانتيل …. و قد فعلتي …. لم تضيفي للشخصية و لم تضف هي لك

الفنانه ندى موسى ( امال) اجتهدتي حقا …. استطيع ان ارى ذلك …. و لكن لا السيناريست و لا المخرج قبلوا ان يفردوا لك مساحة لترينا نتيجة اجتهادك …. مشاهدك مبتوره في اغلبها…. و كأنهم يتعمدون ان يقطعوا اندماجك بالمونتاج …. الا اني ارى انك دؤبه و مختلفة

  • وسن
  • جرادن 4

يتبقى اثنان ….حيراني

محمد حاتم و احمد داوود

في البداية ان لن ابدي ايكما على الاخر ( بالبلدي) …. كلاكما  يعمل بجديه و لم يستخف بعمله تماما و كان قدر المسؤلية ….لكن احمد داوود ….. انت لست ( بيه) اطلاقا …. و كان عليك التدريب على لكنة الباهوات و طريقة حركاتهم و لفتتاهم ….عمرو يوسف كان بيه اكثر منك و تلك مشكله …..

انت قدمت لي الشرير …. المدله في الحب …. و انتقلت بين الاحساسين ببراعه ….. لكن كأفندي …. او عامل بالجراند اوتيل لا مديره

محمد حاتم …تحتاج ان تمثل بعيدا عن حاجباك …. ان الحاجب المقلوب جعلك مسكينا طوال الاحداث …. و انا ادرك ان احسان طيب و لكنه ليس مسكينا اكاد ابكي لحاله كلما رايته لكن لا انكر اجتهادك الشديد و التزامك

لكن بالنسبة للشابين …فالاختيار على مستوى المظهر و البناء العضلي كان خاطئ من قبل المخرج ….خاطئ تماما مع الاسف …. و نحن مضطرون ان ان لا نقسوا عليهم فقط لاني اعرف محمد حاتم من طريقي و احمد داوود من شربات لوز و اعرف قدراتهم …. لكن ايمان تامر حبيب بكم و ضمه اياكم في اعماله ليس ذريعة …علي ان اصدقكم في ادواركم و عليكم العمل على ذلك ….

يتبقى لي المحقق ….. فاطمة خادمة الغرف …… الهام اللصة ……  آسف اني لم احفظ اسماؤكم بعد لكن مع الاسف ما رأيته من اداء  طلبة معهد فنون مسرحية  يجعلني اقول لكم ( حاول مره اخرى) …. بالرغم من ان المحقق كان قويا جدا في السبع وصايا الا ان اسلوب القاؤه كان غريبا بعض الشيء و تقمصه لشخصية شيرلوك هولمز مع الشعر السبعيناتي …. جلعك خارج نطاق فريق الدعم لنطاق فريق الدفاع

تامر حبيب في مشهد النهاية يقوم بدور المصور ( خسيت يا تامر كتير)

اسوأ ما في المسلسل بالنسبة لي كانت لقاءات علي و نازلي ( و التي اصر احمد داوود على مناداتها ناظلي طوال الاحداث) انا لا احب مشاهد الحب بين امرأة متزوجه و رجل آخر …. حتى و ان كانت متزوجة من هولاكو …. افقد احترامي للشخصية المتزوجة التي تجلس في احضان حبيبها تاركة زوجها في عمله ….في هذه الحاله هو عشيقها …. و افقد مع ذلك المشهد احترامي للبطل و البطله و تنتفي معه رقي عاطفة الحب  التي يطالبني المخرج و السيناريست بتقديرها و التعاطف معها …..

افضل مشاهد المسلسل كان مشهد حمل امين لورد و الطفل و تقديمهم لمراد بدعوى ( ميلزمونيش …يخصوك)

لكن المشهد يتم تدميره ببساطه لان السيناريو لم يقدم لنا مصير الطفل المسكين … و الذي لربما كان اهداؤه لامال و احسان هو حل لطيف يناسب دراما الاربعينات التي رأيناها

في النهاية استطيع ان اقول ان جراند اوتيل قدم لي وجبة متكاملة بكل حلاوة و طبيعية عدم الكمال ….. و بصدق و اخلاص كل العاملين عليه و الذين سلمونا في النهاية مسلسل مشرف يثري المشاعر و العقل و لا تعد اخطاؤه بالشيء الهام امام مميزاته الكثيرة

آسف ان كنت اطلت عليكم ( ان كنتم لم تملوا القراءة و وصلتم بالفعل الى هذا السطر)

اترك رد

%d