بقلم دكتور/ حسن صابر
أعود إلى الذاكرة لأرى إن كانت مقالاتي قد ساهمت في تغيير السلبيات التي كتبت عنها ، وهل كانت النتائج التي تحققت تتناسب مع الجهد الذي بذل في كتابتها ، فتبين لي الآتي :
1- تلقيت ست رسائل من الرئيس باراك أوباما ، وقد نشرتها كلها باللغتين الإنجليزية والعربية على القراء الأعزاء ، وعندما أرسلت رسالة واحدة إلى الرئيس السيسي – للأسف الشديد – لم أتلق منه رداً عليها ، ولا شكراً منه على الجهد الكبير الذي بذلته في كتابة هذه الرسالة التي كانت بحثاً علمياً هاماً في موضوع المياه ، وإستصلاح مليون ونصف مليون فدان ، وقد سبب ذلك لي شعوراً بالإحباط وخيبة الأمل عندما قارنت بين تصرف الرئيسين أوباما والسيسي .
2- كانت سلسلة مقالات ” النظام العالمي الجديد ” من تسعة أجزاء ، قدمت فيها لمحة تاريخية عن هذا النظام ، ثم تحدثت عن الأهداف الإجرامية لهذا المخطط ، ليس فقط في بلادنا ، بل في كل بلاد العالم ومن ضمنها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، لخلق صورة جديدة للإنسان الذي يعيش على كوكب الأرض ، وربما تكون الحرب الحقيقية التي تدور حالياً على أرض سوريا والعراق ضد جيوش الظلام المسماة بداعش هى إستمرار لفصول هذه المؤامرة . . مؤامرة النظام العالمي الجديد .
3- كنت من أوائل من كتب عن مخاطر سد النهضة منذ عهد الرئيس محمد مرسي ، كما كتبت مقالاً عن مشروع نهر الكونجو شرحت فيه إستحالة تنفيذ هذا المشروع الذي يعد درباً من دروب الخيال ، وتصاعدت في نفس الوقت تحذيرات علماء الري وإستصلاح الأراضي وهيدروليكا المياه وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الري الأسبق ، والدكتور هيثم ممدوح عوض ، والدكتور مغاوري شحاتة ، والدكتور نادر نور الدين ، وكانت إثيوبيا قد إستغلت حالة عدم الإستقرار السياسي في مصر عقب نكبة 25 يناير 2011 وشرعت في بناء سد النهضة ، وإستمرت في البناء بوتيرة متسارعة منذ ذلك اليوم الأسود في تاريخ مصر ، والذي سيدفع ثمنه هذا الجيل والأجيال القادمة من المصريين ، ثم كتبت مرة أخرى منتقداً إتفاق المبادئ بين مصر وإثيوبيا والسودان ، وحذرت من المماطلة والتسويف من الجانب الإثيوبي الذي إستمر في البناء دون توقف ليضع مصر أمام الأمر الواقع ، وإنتقدت الأسلوب المصري المستسلم في المفاوضات حتى وصلنا إلى مرحلة ليس أمامنا فيها سوى القبول بسد النهضة ، وعلينا أن نستجدي المياه من إثيوبيا لنشرب ونزرع ، وطالبت أن ينضم السياسيون والمتمرسون في التفاوض إلى الوفد المصري كما فعلنا أثناء مفاوضات طابا مع إسرائيل ، وبالفعل ترأس السيد سامح حسن شكري وزير الخارجية الوفد المصري ، وأرجو ألا تكون مشاركته بالمفاوضات قد تأخرت كثيراً ، بعد أن مثل مصر فيها وفد من الهواة على رأسهم السيد حسام الدين مغازي وزير الري المصري الذي يفتقر إلى كل شئ ، والآن بدأنا نفكر في بدائل أخرى غير التفاوض المباشر مع إثيوبيا بعد أن بدأنا ندرك ونصدق المخاطر التي ستمر بها مصر لو أنهت إثيوبيا تشييد سد النهضة دون الوصول لإتفاق يرضي كل الأطراف .
4- عندما كتبت سلسلة “الإخوان يعودون لحكم مصر” من سبعة أجزاء ، كنت أستعرض تاريخ الحياة البرلمانية في مصر منذ عصر محمد علي وحتى هذا الزمن الذي نعيشه الآن ، وحذرت فيه من عودة الإخوان المسلمين والأصوليين لحكم مصر في ظل إنتخابات يشارك فيها شعب جاهل 70% منه لا يعرف القراءة والكتابة ، و 20 % منه أنصاف متعلمين ، شعب فقير مريض يعيش 70% منه على مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي ، لا يجد قوت يومه ، ومع ذلك يزداد تعداده بمعدل طفل كل 20 ثانية ، حتى وصل تعدادنا إلى 90 مليون في مصر ، و 8 مليون يعيشون خارج مصر ، فأية حياة برلمانية وأية إنتخابات نيابية يمكن أن تؤدي إلى ديمقراطية في مصر ، ديمقراطية ماذا ؟ ديمقراطية المال السياسي الذي تم به شراء أصوات الناخبين الفقراء المرضى الجهلاء الذين لا يعرفون حقوقهم السياسية ، ويعرفون فقط أنهم في حاجة للقمة العيش ، وللعلاج من الأمراض التي تعصف بأجسادهم النحيلة ، ولقد إعترضت على هذه السلسلة من المقالات شخصيات تنتمي إلى طبقة النخبة السياسية والفكرية ، وتساءلوا كيف يمكن أن أكون ضد الدستور الجديد ، وضد الديمقراطية ، وضد الإنتخابات البرلمانية ، وبعد ذلك ملأوا الدنيا ضجيجاً بالحديث عن المال السياسي الذي إشترى الأصوات ، وعن عودة رموز الحزب الوطني الأغنياء ، وهل كان يمكن للمال السياسي أن يشتري أصوات الناخبين لو توفرت لهم الحياة الكريمة ، ثم هتفوا لتحالف دعم الدولة المصرية ، ثم إعترفوا أنه تحالف لدعم رئيس الجمهورية بتوفير أغلبية الأصوات له ، وبعد ذلك يتضح أن هذا التحالف ما هو إلا جبل من رمال سرعان ما تهاوى بعد أيام قليلة من بنائه ، شيده رجال إدعوا أنهم كالجبال لا يهتزون لأعتى العواصف ولا تكسرهم الكوارث ، ثم تبين أنهم رجال من ورق ، لأنهم يفتقدون للخبرة السياسية ، ومازال السيرك البرلماني يواصل عروضه .
5- وكتبت مقالاً بعنوان ” ديمقراطية حسب المواصفات الأمريكية والأوروبية ” شرحت فيه أن الديمقراطية نظام مفروض علينا من قبل أمريكا وأوروبا وأن هذا النظام لا يناسب بلادنا إلا إذا أردنا أن نتخذ منه ديكوراً يزين نظام الحكم عندنا ، وفي نهاية المقال تنبأت بإنهيار ” كتلة دعم الدولة المصرية ” بعد أيام من تشكيلها ، وقد حدث ذلك بالفعل بعد أن نشرت المقال .
6- كتبت سلسلة مقالات بعنوان ” كارثة الفوضى التشريعية في مصر ” من ثلاثة أجزاء تناولت فيها فوضى إصدار القوانين أثناء وزارة المهندس ابراهيم محلب ، وذهبت وزارة محلب ، وبقيت الفوضى التشريعية من بعده ، ويبدو أنها ستبقى معنا حتى يوم نلقى فيه ربنا .
7- كما كتبت سلسلة مقالات ” وزارة محلب . . أنتم تبيعون الوهم للشعب ” تحدثت فيها عن أداء كل وزارة في حكومة المهندس محلب ، وإستعرضت فيها قضايا التعليم والصحة والسياحة والصناعة والتجارة والزراعة والتموين والاستثمار والنقل .
8- وإستعرضت الإيجابيات والسلبيات خلال السنة الأولى من حكم الرئيس السيسي في مقال من جزئين بعنوان ” مصر بعد عام من حكم ضابط مخابرات ”
9- وكتبت مقالاً بعنوان ” السياحة المصرية في مهب الريح ” إستعرضت فيه مشاكل السياحة في مصر ، وإقترحت مجموعة من الحلول لها .
10- وقبل عامين كتبت سلسلة مقالات من ثلاثة أجزاء بعنوان
” ليس تهجماً على الأزهر الشريف ” استعرضت فيها تاريخ الأزهر ، وطالبت بتجديد الخطاب الديني قبل سنة كاملة من مطالبة الرئيس السيسي بنفس الأمر ، كما طالبت بتطوير مناهج الأزهر تطويراً حقيقياً وليس ظاهرياً .
11- وشرحت ما هى الحلقة السيئة التي تربط بين ما يقدم على شاشات الفضائيات وبين قوة شركات الإعلانات في مقال ” الحلقة السيئة . . جريمة متعددة الأطراف . . والشعب هو الضحية ” فالإعلانات هى التي تحدد أهمية القناة ، وتكون الأولوية عندها للقنوات التي يمتلكها رجال أعمال تتوافق مصالحهم مع توجهات الجهات الأجنبية وأجهزة الإستخبارات التي ترسم ما تريد تقديمه للشعوب ، ومعنى هذا أن شركات الإعلانات أصبحت لديها من القوة وسطوة المال ما يمكنها من ضمان إستمرارية القنوات الفضائية الخاصة ، وتوجيه ما يعرض على شاشات هذه القنوات بما يتوافق مع مصالحها .
12- وكتبت سلسلة مقالات ” من فوضنا في لوزان . . أمريكا أم الله ” من خمسة أجزاء ، تحدثت فيها عن الاتفاقية النووية التي وقعتها إيران مع مجموعة دول الثمانية + واحد ، وتحدثت فيها عن خطورة هذه الإتفاقية على دول الخليج ، وطالبت فيها العالم العربي بضرورة بدء برنامجه النووي وتصنيع القنبلة النووية مهما كانت العواقب ، لأن الموضوع بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت .
13- وبذلت جهداً كبيراً في كتابة سلسلة مقالات ” المهمة الصعبة وروح التحدي ” من تسعة أجزاء تناولت فيها مشروع استصلاح مليون ونصف مليون فدان ، والثروة المائية في مصر ، ومشاكل الصرف الصحي ، والزراعي والصناعي .
14- وكتبت عن أم المشاكل والكوارث في مصر وهى مشكلة الإنفجار السكاني ، وقدمت تعريفاً علمياً جديداً لها ، وإقترحت حلاً حاسماً يمكن أن يساهم في الحد من آثارها السلبية على حياتنا ، ولا أرى حلاً غيره إلا أنه يتطلب شجاعة إتخاذ القرار ، والقوة والإصرار على تنفيذه ، وتفهم المجتمع لحتمية إتخاذ هذا القرار ، وأؤكد أننا سنلجأ أليه يوماً ما إن آجلاً أو عاجلاً ، لكننا كعادتنا لا نتخذ القرار الحاسم إلا بعد أن يفقد حسمه ويصبح عديم الجدوى
15- وحملت آخر أيام سنة 2015 خبر الحكم بحبس المفكر الإسلامي / إسلام البحيري لمدة عام ، وكان هذا الخبر صدمة لكل أصحاب الفكر الحر ، ولكل من صَدَّق الرئيس السيسي وتحمَّسَ لطلبه في تغيير الخطاب الديني ، وليس صحيحاً أنه لا تعقيب على أحكام القضاء ، فتلك مقولة خاطئة ، وإلا تحول القضاة إلى جبابرة ، لا ردَّ لقضائهم ، والمحاكم تحكم بإسم الشعب ، وبالتالي فمن حق الشعب أن يفهم أسباب الحكم ، خاصة في قضية إسلام البحيري الذي حوكم على نفس التهمة ، وأمام نفس الخصم ، وبنفس القانون أمام قاضيين من نفس الدرجة ، أولهما أصدر حكماً بالبراءة ، والثاني أصدر حكماً بالحبس ، أولهما إستقر في ضميره أن إسلام البحيري برئ ، والثاني إستقر في ضميره أن إسلام البحيري مذنب ، ربما تكون هذه سابقة في تاريخ القضاء المصري لم تحدث من قبل ، والحُكْمَيْن إستندا إلى المادة 98/و من قانون العقوبات ، فبماذا تنص ؟ نصت على :
” يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخري لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف الدينية المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية ” ، فبالله عليكم هل البخاري دين يتهم إسلام بحيري بإزدرائه عندما ينتقد بعض ما ورد به من أحاديث نسبت للرسول – صلى الله عليه وسلم – وتتنافى مع العلم والعقل والمنطق ، البخاري الذي لم يظهر إلا بعد مائتي عاماً من ظهور الإسلام ، ولم يلحق بعصر الخلفاء الراشدين . . أليست المسيحية ديانة سماوية فلماذا لم تحرك الدعاوي ضد من طالب المسلمين بعدم تهنئة المسيحيين بأعيادهم ، أليس في هذا إزدراء وتحقير للديانة المسيحية وإثارة للفتنة بين المسلمين والمسيحيين ، ونفس المنطق ينطبق على الديانة اليهودية ، ثم أليست هذه المادة من قانون العقوبات تتناقض مع المادة 67 من الدستور المصري الذي وافق عليه الشعب المصري وتنص على الآتي :
” حرية الإبداع الفنى مكفولة وتلتزم الدولة بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك ، ولايجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة ، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى ، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد يحدد القانون عقوبتها ” . . إسلام البحيري لم يتجاوز حرية الإبداع الفني والأدبي ، ولم تحرك ضده الدعوى بواسطة النائب العام بل بالإختصام المباشر أمام المحكمة مما يعد مخالفة دستورية ، كما أن المادة 98/و من قانون العقوبات تعتبر باطلة ولاغية بفعل المادة 67 من الدستور المصري 2014 ، أليس ذلك هو ألف باء القانون
في منتصف ليلة أمس دقت أجراس الساعة لتعلن رحيل عام وميلاد عام جديد ، وعندئذ تدفقت البرامج والحوارات التافهة على فضائياتنا مثل برنامج نفسنة وغيره من البرامج والتمثيليات والأفلام الهابطة التي تؤدي إلى تخريب العقول ، وتجريف الذكاء ، وتسطيح الأفكار ، وإثارة الغرائز . . هل ذلك ما خططتم له ، بينما إسلام البحيري بقى قابعاً في سجنه لا لجريمة إرتكبها سوى أنه يفكر ، وسوى أنه صدق الرئيس السيسي في دعوته لتغيير الخطاب الديني ، وعندما إستجاب البحيري كان مصيره السجن ، ولم يصدق من قالوا أن السيسي تكلم عن تحديث الخطاب الديني ليحصل على إعجاب السياسيين والإعلاميين في أمريكا وأوروبا بينما هو لا يهتم بهذا الأمر حتى لا يتعرَّض لعداء الأزهر والأصوليين . . ألم تسمع ياريس تعليقات معظم الناس على مواقع التواصل الإجتماعي منذ صدر الحكم بحبس إسلام البحيري . . ياريس يمكنك الآن إصدار قرارٍ بالعفو عنه وإطلاقِ سراحِه . . أعلم أن بعض مستشاريك سوف يحذرونك أنك لو عفوت عنه فسوف يقال أنك تشجع على إزدراء الأديان ، ولكني أقول لك ياريس أنك إذا لن تعفو عنه فسوف يتعاظم تهديد التيار الديني لكل صاحب فكر ورأي تماماً كما حدث في عهد الإخوان