الأربعاء, 19 نوفمبر, 2025 , 3:37 ص
د. وفاء الجندي

الشراكة المصرية الأوروبية.. من التعاون الاقتصادي إلى التحالف الاستراتيجي

بقلم / وفاء الجندي 

كاتبة وباحثة في الشأن السياسي

تشهد العلاقات المصرية الأوروبية منذ مطلع الألفية تحوّلًا متدرّجًا من التعاون الاقتصادي إلى ما يمكن وصفه اليوم بـ«التحالف الاستراتيجي الشامل». فهذه الشراكة، التي تأسست رسميًا باتفاقية عام 2001 ودخلت حيّز التنفيذ عام 2004، تمثل الإطار الأوسع للعلاقات بين القاهرة والاتحاد الأوروبي، وتغطي مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة والهجرة والأمن والبحث العلمي.

من اتفاقية 2004 إلى شراكة شاملة

ارتكزت المرحلة الأولى من الشراكة على تعزيز التجارة والاستثمار، إذ أُقيمت منطقة تجارة حرة تدريجيًا بين مصر والاتحاد الأوروبي، الذي يُعدّ اليوم أكبر شريك تجاري لمصر، كما أسهمت المساعدات الفنية والمالية الأوروبية في دعم برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي.

ومع مرور الوقت، اتسع نطاق التعاون ليشمل ملفات أكثر عمقًا مثل مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، والطاقة النظيفة، ليصبح هدف الشراكة الأوسع هو تحقيق الاستقرار المتبادل في جنوب المتوسط وشماله.

القمة الأولى في بروكسل نقلة نوعية

في 22 أكتوبر 2025، شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل حدثًا استثنائيًا تمثل في انعقاد أول قمة رسمية بين مصر والاتحاد الأوروبي، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا.

القمة جاءت لتُفعّل ما تم الاتفاق عليه في «إعلان الشراكة الاستراتيجية الشاملة» الذي أُطلق في مارس 2024، ولتفتح فصلًا جديدًا من التعاون العملي بين الجانبين.

مضمون الاتفاق الجديد

أسفرت القمة عن تأكيد حزمة دعم مالي واستثماري ضخمة تتجاوز قيمتها 7.4 مليار يورو حتى عام 2027، منها نحو 4 مليارات يورو كمساعدة مالية كبرى لتعزيز استقرار الاقتصاد المصري، إلى جانب تمويلات مخصصة لمشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والبنية التحتية.

كما تم الاتفاق على إشراك مصر رسميًا في برنامج الأبحاث والابتكار الأوروبي “Horizon Europe”، بما يعزز القدرات البحثية والابتكارية المصرية ويفتح آفاقًا جديدة أمام العلماء والجامعات.

في المقابل، اتسع نطاق التعاون ليشمل ملفات الهجرة والتنقّل، عبر مقاربة متوازنة تهدف إلى تنظيم الهجرة الشرعية ومكافحة الهجرة غير النظامية، مع معالجة أسبابها الاقتصادية والاجتماعية.

كما شدّد البيان المشترك على التعاون في الأمن الإقليمي، ودعم الدور المصري في تحقيق الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط، لاسيما في ظل الأزمات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة.

انعكاسات اقتصادية مباشرة

من الناحية الاقتصادية، تمثل هذه الشراكة الجديدة دفعة قوية لاقتصاد مصر في مرحلة حساسة من الإصلاح وإعادة الهيكلة، فالمساعدات الأوروبية ستسهم في تعزيز استدامة المالية العامة وتخفيف الضغوط على العملة المحلية، كما أن فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأوروبية سيتيح فرصًا أوسع للنمو الصناعي وخلق الوظائف.

أما الانخراط في البرامج البحثية الأوروبية، فيفتح الطريق أمام نقل التكنولوجيا وبناء القدرات في مجالات الطاقة المتجددة، والتحول الأخضر، والذكاء الاصطناعي، مما يضع مصر على خريطة الابتكار العالمي.

رسالة سياسية متبادلة

تحمل هذه الشراكة أيضًا رسالة سياسية واضحة من الطرفين؛ فالاتحاد الأوروبي يرى في مصر شريكًا أساسيًا لاستقرار جنوب المتوسط وممرات الطاقة والهجرة، بينما تنظر القاهرة إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره شريكًا موثوقًا لدعم التنمية والإصلاح.

ومن ثم، لم تعد العلاقة مجرد تعاون تجاري أو تنموي، بل تحوّلت إلى تحالف استراتيجي يجمع بين المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية.

إن الشراكة المصرية الأوروبية في صيغتها الجديدة تمثل نموذجًا لتلاقي المصالح المشتركة بين ضفتي المتوسط. فهي تمنح مصر مساحة أوسع للحركة الاقتصادية والسياسية، وتؤكد في الوقت ذاته مكانتها الإقليمية كشريك محوري في الاستقرار الإقليمي،وإذا ما أُحسن استثمار هذه المرحلة، فقد تُشكّل القمة الأخيرة في بروكسل نقطة انطلاق نحو عصر جديد من التعاون المتكافئ بين القاهرة وأوروبا، قائم على المصالح المشتركة، والتنمية المستدامة، والتطلّع لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا

اترك رد

%d