بقلم د. وفاء الجندي
في رآيي المتواضع إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل عدد من دول العالم مؤخرًا لم يكن سوى عرضًا مسرحيًا هزليا على مسرح السياسة العالمية، بهدف تهدئة الشعوب الغاضبة من حكوماتها أمام مشاهد الدم في غزة، وليس خطوة فعلية نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة. فالمتابع يدرك أن هذا الاعتراف لم يُقترن بأي التزامات عملية أو خارطة طريق واضحة لتنفيذ حل الدولتين على حدود 1967، ولم يكن مصحوبًا بتوصيات أو آليات ملزمة توقف آلة الحرب الإسرائيلية أو تضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية ،وهو ما يجعل الاعتراف أقرب إلى موقف عالمي رمزي،.
وهنا استند الي رآي الكاتب الصحفي الفرنسي (آلان غريش)الذي يرى أن القضية الفلسطينية أضحت “ورقة سياسية” تستعملها الدول الكبرى في المزايدات، أكثر مما هي التزام حقيقي بالعدالة أو القانون الدولي.
وفي السياق نفسه يري المحلل الأمريكي نعوم تشومسكي أن “الغرب يوزع الأوهام في لحظة تتطلب أفعالًا”، مشيرًا إلى أن هذه الاعترافات لا تمنع الاحتلال من التوسع بل قد تغطي على جرائمه. وعلى المستوى العربي، كتب عبد الباري عطوان أن “المشهد ليس سوى مسكنات سياسية لم تعد الشعوب تقبلها”، مؤكدًا أن إسرائيل تستغل هذا التراخي الدولي لتسريع خطوات ضم الضفة الغربية وتكثيف قصفها لقطاع غزة.
ومن المؤكد أن الاعتراف الدولي بدولة ما يحمل وزناً قانونياً ودبلوماسياً. لكنه يظل قاصراً إذا لم يُدعم بإجراءات عملية: آليات مراقبة ووقف استيطان، ضمانات أمنية قابلة للتنفيذ، وسياسات دولية تضغط لتمكين سلطة فلسطينية فعلية. وطوال العقود الماضية، كانت مشاريع مثل «خارطة الطريق» محاولة لتقديم مسار تدرجي نحو دولتين، لكنها فشلت لأن التزامات الأطراف لم تُترجم إلى إكراه دولي أو آليات تنفيذية فعّالة. الخطة نفسها تحولت إلى إطارٍ مرجعي مهجور أكثر منه خارطة طريق قابلة للتنفيذ.
وفي خضم هذه الأجواء، جاء غياب الرئيس عبد الفتاح السيسي عن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليطرح تساؤلات عدة. هل يعود ذلك إلى إدراكه أن الأمر لا يعدو كونه عرضًا هزليًا على مسرح السياسة العالمية، هدفه امتصاص غضب الشارع العربي والدولي؟ أم أن مصر تفضل أن تبقي دورها الفاعل على أرض الواقع من خلال رعاية المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، بعيدًا عن المنابر الدولية التي لم تحقق تقدمًا ملموسًا؟ هناك من اعتبر أن الرئيس السيسي لم يرغب في لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في هذا التوقيت، كما ذكرت بعض التحليلات السياسية في الداخل والخارج. بينما يرى آخرون أن ثمة أسبابًا أخرى تحتفظ بها مصر في أجندتها الخاصة، ربما تكشف عنها في وقت لاحق وفق تطورات المشهد الإقليمي والدولي.
الحقيقة أن غياب مصر عن هذا “الاستعراض الدولي” يفتح الباب أمام قراءة أعمق لدور القاهرة في المرحلة المقبلة. فبينما تنشغل عواصم العالم بإصدار بيانات وتصريحات رمزية، قد ترى مصر أن القيمة الحقيقية تكمن في التفاوض المباشر، والتأثير على الأرض، والضغط لوقف الحرب وفتح مسارات إنسانية عاجلة. لكن يبقى السؤال معلقًا: هل يكفي هذا الدور لوقف نزيف الدم الفلسطيني، أم أن المنطقة والعالم مقبلان على فوضى أشمل قد تفتح الباب أمام صراع عالمي واسع النطاق، طالما بقيت السياسة الدولية أسيرة الحسابات والمصالح الضيقة بدلًا من الالتزام بالعدالة والقانون الدولي.
ان العالم حقا يقف علي شفا حفرة من نار.