الأحد, 21 سبتمبر, 2025 , 1:31 ص
د. وفاء الجندي

البرلمانات الوطنية ليست سيدة القرار.. بل الموائد المغلقة

هنا تُدار اللعبة العالمية بعيداً عن البرلمانات والرأي العام-قراءة تحليلية متأنية

الكاتبة /وفاء الجندي

لم يكن العشاء الذي جمع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بملك بريطانيا مجرد مناسبة بروتوكولية أو لقاءً ودياً للتقاط الصور، بل كان حدثاً محمّلاً بالرسائل والإشارات، أشبه بمسرح رمزي يُعلن فيه أمام العالم أن القرارات الكبرى لا تُصنع تحت قباب البرلمانات ولا أمام كاميرات الإعلام، وإنما في موائد مغلقة يجلس حولها السياسي والملك ورأس المال العالمي.

*تحالف السلطة والمال والعرش//

ثلاثة أبعاد اجتمعت في ذلك العشاء:

  • ترامب يمثل القوة السياسية الأمريكية ورمز الهيمنة الغربية.
  • الملك البريطاني يمثل الشرعية التاريخية للعرش الأوروبي العريق ورمزية النفوذ الإمبراطوري القديم.
  • قادة الشركات العالمية وأغنى أغنياء الأرض يمثلون القوة الاقتصادية والتكنولوجية التي تدير الأسواق، وتملك أدوات المستقبل من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة والتحكم في تدفق المعلومات.

اجتماع هذه الأبعاد معاً يصنع صورة لتحالف معلن : تحالف لا يكتفي بإدارة الحاضر، بل يخطط للمستقبل العالمي.

*رسائل للكتلة الشرقية//

في توقيت يشتد فيه التنافس مع الصين وروسيا، يحمل العشاء رسالة واضحة: الغرب يوحد رموزه السياسية والاقتصادية والتاريخية ليقول لموسكو وبكين إن اللعبة لم تخرج بعد من أيدي “النادي الغربي”. إنها إشارة إلى أن المال والتكنولوجيا – اللذين تسعى الصين لقيادتهما – ما زالا ممسوكين في قلب المنظومة الغربية، وتحت غطاء الشرعية السياسية والأمنية الأمريكية والبريطانية.

*أهداف جيوسياسية غير معلنة//

خلف المظهر الاحتفالي تكمن ملفات كبرى:

  • الطاقة وأمن الإمدادات: من يملك القرار في الطاقة يملك مفاتيح الاقتصاد العالمي، والغرب يريد إبقاء خطوط الغاز والنفط، بل والطاقة المتجددة، تحت سيطرته.
  • الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا: الشركات الحاضرة في العشاء هي نفسها التي تبني البنية الرقمية للعالم، وبالتالي القرار السياسي حول مستقبل التكنولوجيا يتخذ في هذه الدوائر الضيقة.
  • النظام المالي العالمي: مع تزايد النقاش حول مستقبل الدولار وصعود عملات موازية، فإن وجود كبار وول ستريت وأثرياء العالم يعكس تنسيقاً للحفاظ على مركزية الدولار وقيادة الغرب للاقتصاد العالمي.

*رسائل للعالم بأسره//

العشاء ليس موجهاً فقط للكتلة الشرقية، بل لكل شعوب العالم:

  • البرلمانات الوطنية ليست سيدة القرار، بل هذه الموائد المغلقة.
  • الأغنياء والتكنولوجيون الجدد أصبحوا شركاء مباشرين في صياغة مستقبل البشرية.
  • الملكية والبروتوكول ليسا مجرد رموز تقليدية، بل أدوات تمنح هذا التحالف بعداً من الشرعية التاريخية.

*الخلاصة//

إنه مشهد يعلن بوضوح معادلة القرن الحادي والعشرين: السياسة تحتاج المال، المال يحتاج الشرعية، والشرعية تحتاج القوة الصلبة للولايات المتحدة.

ومن هنا تُدار اللعبة العالمية بعيداً عن الشعوب والرأي العام، بينما تُبث الرسائل إلى الكتلة الشرقية والعالم أجمع بأن “الغرب ما زال يجلس على الطاولة” ويمسك بزمام اللعبة، حتى لو تغيّرت قواعدها.

 

اترك رد

%d