الجمعة, 19 سبتمبر, 2025 , 12:30 ص
د. وفاء الجندي

لماذا زيارة إسبانيا لمصر في هذا التوقيت ؟

بقلم/وفاء الجندي

زيارة ملك إسبانيا فيليبي السادس إلى مصر لا يمكن النظر إليها باعتبارها مجرد خطوة بروتوكولية أو زيارة مجاملة بين بلدين، بل تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية ودبلوماسية أعمق في توقيت شديد الحساسية بالنسبة للمنطقة. فالمشهد الإقليمي الآن يتسم باضطرابات كبيرة، من استمرار الحرب في غزة وما تخلّفه من مآسٍ إنسانية، إلى الضغوط الدولية على إسرائيل للقبول بوقف إطلاق النار، وصولاً إلى الأزمات الاقتصادية التي تفرض على الجميع البحث عن شراكات جديدة أكثر متانة.

إسبانيا من جهتها تسعى إلى تعزيز حضورها في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ومصر هي المدخل الطبيعي لذلك، بما تملكه من موقع استراتيجي وقدرة على التأثير في الملفات الإقليمية. ولعل أبرز هذه الملفات هو الدور المصري في الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو الدور الذي اكتسب زخماً دولياً خلال الحرب على غزة. الزيارة الملكية في هذا التوقيت تعني دعماً أوروبياً واضحاً لمصر في هذا المسار، ورسالة غير مباشرة لإسرائيل بأن هناك أطرافاً أوروبية مؤثرة تقف إلى جانب جهود التهدئة وتؤكد على ضرورة قيام دولة فلسطينية.

لكن الجانب السياسي ليس وحده في الصورة. فالعلاقات بين القاهرة ومدريد جرى الارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وهو ما يفتح الباب أمام تعاون واسع في مجالات الاقتصاد، والسياحة، وإدارة المياه، والطاقة المتجددة. إسبانيا، التي تبحث عن أسواق وفرص جديدة لشركاتها، ترى في مصر ساحة مناسبة للاستثمار، ليس فقط بسبب حجمها السكاني الكبير، بل أيضاً لموقعها كبوابة نحو أفريقيا والشرق الأوسط. في المقابل، تجد القاهرة في الخبرات الإسبانية والتكنولوجيا الأوروبية عاملاً مساعداً لتطوير بنيتها التحتية ومشروعاتها القومية.

الزيارة أيضاً تأتي في سياق التنافس الأوروبي على النفوذ في جنوب المتوسط. فالقاهرة تمثل شريكاً أساسياً في ملفات الهجرة غير الشرعية، وتأمين خطوط الملاحة، ومكافحة التهريب، وهي كلها قضايا حساسة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي. ولذلك فإن وجود الملك الإسباني في القاهرة يعكس حرص مدريد على أن يكون لها دور مباشر في صياغة السياسات الأوروبية تجاه المنطقة، لا سيما وأن مصر تحتفظ بثقل سياسي يسمح لها بالتأثير على مجريات الأوضاع.

التوقيت يحمل مغزى إضافياً، إذ يتزامن مع تصاعد الانتقادات الأوروبية لإسرائيل بسبب سياساتها في غزة والضفة، ومع حاجة القارة العجوز لمصادر طاقة بديلة أكثر استقراراً. وفي هذا المجال، تسعى إسبانيا إلى شراكات مع مصر في الطاقة الشمسية والرياح، وهي استثمارات يمكن أن تمنح القاهرة موقعاً محورياً في تزويد أوروبا بالطاقة النظيفة مستقبلاً.

من هنا، يمكن القول إن زيارة ملك إسبانيا لمصر لا تُقرأ فقط من زاوية العلاقات الثنائية، بل أيضاً من زاوية إعادة تشكيل شبكة التحالفات في المنطقة. هي رسالة دعم سياسي لمصر في أدوارها الإقليمية، ومحاولة لفتح آفاق اقتصادية جديدة تعود بالنفع على الجانبين، وكذلك تعبير عن رغبة إسبانيا في أن تكون حاضرة بقوة في الملفات الشرق أوسطية. ولعل ما يميزها أنها تجمع بين الرمزية الملكية التي تحمل طابعاً تاريخياً، وبين المصالح الواقعية التي تفرضها حسابات السياسة والاقتصاد.

اترك رد

%d