حوار– خالد عبد الحميد
سطرت قوات الدفاع الجوي المصرية ملاحم بطولية سيظل يذكرها التاريخ العسكري العالمي وتتداولها المعاهد العسكرية الدولية في أبحاثها وتقاريرها ليتعلم منها الدارسين للعلوم العسكرية .
وهنا في مصر واليوم نحتفل بذكري العيد الـ 53 لقوات الدفاع الجوي والذي يواكب الثلاثين من شهر يونيو حتي تعلم الأجيال الشابة ما قام به آبائهم وسطروه في سجلات الشرف والعسكرية المصرية دفاعا عن الوطن وتراب مصر الغالي .
وبهذه المناسبة التقت «الوطن المصري» بقائد قوات الدفاع الجوي الفريق محمد حجازي في حوار كاشف لانجازات قوات الدفاع الجوي .. وإليكم التفاصيل :
- السيد قائد قوات الدفاع الجوى …
تحتفل قوات الدفاع الجوى كل عام فى الثلاثين من شهر يونيو بعيد الدفاع الجوى … نرجو من سيادتكم إلقاء الضوء على أسباب إختيار ذلك اليوم.
** صدر القرار الجمهورى رقم (199) الصادر فى الأول من فبراير 1968 … بإنشاء قوات الدفاع الجوى لتمثل القوة الرابعة فى قواتنا المسلحة الباسلة .. وتحت ضغط هجمات العدو الجوى المتواصل بأحدث الطائرات (فانتوم ، سكاى هوك) ذات الإمكانيات العالية مقارنة بوسائل الدفاع الجوى المتيسرة فى ذلك الوقت تم إنشاء حائط الصواريخ ..ومن خلال التدريب الواقعى فى ظروف المعارك الحقيقية خلال حرب الإستنزاف تمكنت تجميعات الدفاع الجوى صباح يوم 30 يونيو عام 1970 من إسقاط عدد (2) طائرة فانتوم ، عدد (2) طائرة سكاى هوك وتم أسر ثلاث طيارين إسرائيلين وكانت هذه أول مرة تسقط فيها طائرة فانتوم وتوالى بعد ذلك سقوط الطائرات حتى وصل إلى عدد (12) طائرة بنهاية الأسبوع وهو ما أطلق عليه إسبوع تساقط الفانتوم وإتخذت قوات الدفاع الجوى يوم الثلاثين من يونيو
عام 1970 عيد اً لها ، حيث يعتبر ذلك اليوم هو البداية الحقيقية لإسترداد الكرامة ومنع طائرات العدو من الإقتراب من سماء الجبهة المصرية .
- يتردد دائماً أثناء الإحتفال بعيد قوات الدفاع الجوى كلمة (حائط الصواريخ) ..نرجو من سيادتكم إلقاء الضوء بماذا تعنى هذه الكلمة وكيف تم إنشاء هذا الحائط ؟
** حائط الصواريخ هو تجميع قتالى متنوع من الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات فى أنساق متتالية داخل مواقع ودشم محصنة قادر على صد وتدمير الطائرات المعادية وفى إطار توفير الدفاع الجوى عن التجميع الرئيسى للتشكيلات البرية والأهداف الحيوية والقواعد الجوية والمطارات على طول الجبهة غرب القناة مع القدرة على تحقيق إمتداد لمناطق التدمير لمسافة لا تقل عن (15) كم شرق القناة ..هذه المواقع تم إنشائها وتحصينها تمهيداً لإدخال الصواريخ المضادة للطائرات بها .. وقد تم بناء هذا الحائط فى ظروف بالغة الصعوبة … وهنا يجب الإشارة إلى التلاحم بين الشعب المصرى وأبنائه من قوات الدفاع الجوى أثناء الإعداد والتجهيز للحرب .. حيث كان الصراع بين الذراع الطولى لإسرائيل المتمثل فى قواتها الجوية لمنع إنشاء هذه التحصينات وبين رجال الدفاع الجوى ومن خلفهم أبطال الشركات المدنية للإنشاءات أثناء تجهيز الدشم المحصنة وكذلك توفير الوقاية المباشرة عن هذه المواقع بالمدفعية المضادة للطائرات .. ورغم التضحيات العظيمة التى تحملها رجال الدفاع الجوى والمدنيين من شعب مصر العظيم ..كان العدو ينجح فى معظم الأحيان فى إصابة أو هدم ما تم تشييده
وقام رجال الدفاع الجوى بدارسة بناء حائط الصواريخ بإتباع أحد الخيارين :
الخيار الأول :
القفز بكتائب حائط الصواريخ دفعة واحدة للأمام وإحتلال مواقع ميدانية متقدمة دون تحصينات وقبول الخسائر المتوقعة لحين إتمام إنشاء التحصينات .
الخيار الثانى :
الوصول بكتائب حائط الصواريخ إلى منطقة القناة على وثبات أطلق عليها ( إسلوب الزحف البطئ) وذلك بأن يتم إنشاء تحصينات كل نطاق وإحتلاله تحت حماية النطاق الخلفى له … وهو ما إستقر الرأى عليه وفعلاً تم إنشاء مواقع النطاق الأول شرق القاهرة وتم إحتلالها دون أى رد فعل من العدو… وتم التخطيط لإحتلال ثلاث نطاقات جديدة تمتد من منتصف المسافة بين غرب القناة والقاهرة… وتم تنفيذ هذه الأعمال بنجاح تام وبدقة عالية …
جسدت بطولات وتضحيات رجال الدفاع الجوى ..وكانت ملحمة وعطاء لهؤلاء الرجال فى الصبر والتصميم والتحدى ، ومنع العدو الجوى من الإقتراب من قناة السويس .
فخلال خمس أشهر بدءاً من إبريل حتى أغسطس عام 1970 إستطاعت كتائب الصواريخ المضادة للطائرات من إسقاط وتدمير أكثر من (12) طائرة فانتوم وسكاى هوك وميراج ….. مما أجبر إسرائيل على قبول ( مبادرة روجرز ) لوقف إطلاق النار إعتباراً من صباح 8 أغسطس 1970 .
وصرحت “جولدا مائير” رئيسة وزراء اسرائيل فى حيرة قائلة : ( إن كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب كلما دمرنا احدها نبتت أخرى ) .
لتسطر قوات الدفاع الجوى أروع الصفحات وتضع فى عام 1970 اللبنة الأولى فى صرح الإنتصار العظيم للجيش المصرى فى حرب أكتوبر 1973 .
- الحديث عن حرب أكتوبر لا ينقطع … نرجو من سيادتكم إلقاء الضوء ..كيف قام الدفاع الجوى المصرى بتحطيم أسطورة الذراع الطولى لإسرائيل فى حرب أكتوبر 1973 .
** إن الحديث عن حرب أكتوبر 73 لاينتهى … وإذا أردنا أن نسرد ونسجل الأحداث كلها فسوف يتطلب ذلك العديد من الكتب… وسوف نكتفى بذكر نبذة عن دور قوات الدفاع الجوى فى هذه الحرب …. ولكى نبرز أهمية هذا الدور .. فإنه يجب أولاً معرفة موقف القوات الجوية الإسرائيلية وما وصلت إليه من كفاءة قتالية عالية وتسليح حديث متطور فى ذلك الوقت … حيث بدأ مبكراً التخطيط لتنظيم وتسليح القوات الجوية الإسرائيلية بأحدث ما وصلت إليه الترسانة الجوية فى ذلك الوقت بشراء طائرات ميراج من فرنسا ..والتعاقد مع الولايات المتحدة على شراء الطائرات الفانتوم وسكاى هوك حتى وصل عدد الطائرات قبل عام 1973 إلى (600) طائرة أنواع مختلفة .
لقد بدأ رجال الدفاع الجوى الإعداد والتجهيز لحرب التحرير وإستعادة الأرض والكرامة
فى أكتوبر 1973 من خلال إستكمال التسليح لأنظمة جديدة لرفع مستوى الإستعداد القتالى وإكتساب الخبرات القتالية العالية خلال فترة وقف إطلاق النار .
وتم وصول عدد من وحدات الصواريخ الحديثة سام – 3 (البتشورا) وإنضمامها لمنظومات الدفاع الجوى بنهاية عام 1970 … وإدخال منظومات حديثة من الصواريخ ( سام -6) فى عام 1973 .
وخلال فترة وقف إطلاق النار نجحت قوات الدفاع الجوى فى حرمان العدو الجوى
من إستطلاع قواتنا غرب القناة بإسقاط طائرة الإستطلاع الإلكترونى ( الإستراتوكروزار ) صباح يوم 17 سبتمبر 1971 .
وكانت مهمة قوات الدفاع الجوى بالغة الصعوبة لأن مسرح العمليات لا يقتصر فقط
على جبهة قناة السويس بل يشمل مساحة مصر كلها بما فيها من أهداف حيوية سياسية وإقتصادية وقواعد جوية ومطارات وقواعد بحرية وموانئ إستراتيجية ..وفى اليوم الأول للقتال يوم السادس من أكتوبر 1973 هاجم العدو الإسرائيلى القوات المصرية القائمة بالعبور حتى أخر ضوء بعدد من الطائرات كرد فعل فورى توالت بعدها الهجمات الجوية بأعداد صغيرة من الطائرات خلال ليلة 6/7 أكتوبر وتصدت لها وحدات الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات حتى نجحت فى إسقاط أكثر من (25) طائرة بالإضافة إلى إصابة أعداد أخرى وأسر عدد من الطيارين … وعلى ضوء ذلك أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره للطيارين بعدم الإقتراب من قناة السويس لمسافة لا تقل عن 15 كم … وفى صباح يوم 7 أكتوبر 1973 قام العدو بتنفيذ هجمات جوية على القواعد الجوية والمطارات المتقدمة وكتائب الرادار ولكنها لم تجنى سوى الفشل ومزيد من الخسائر فى الطائرات والطيارين … وخلال الثلاثة أيام الأولى من الحرب فقد العدو الجوى الإسرائيلى أكثر من ثلث طائراته وأكفأ طياريه الذى كان يتباهى بهم .
وكانت الملحمة الكبرى لقوات الدفاع الجوى خلال حرب أكتوبر مما جعل (موشى ديان)
يعلن فى رابع أيام القتال عن أنه عاجز عن إختراق شبكة الصواريخ المصرية وذكر فى أحد الأحاديث التلفزيونية يوم 14 أكتوبر 73 (أن القوات الجوية الإسرائيلية تخوض معارك ثقيلة بأيامها … ثقيلة بدمائها) .
- السيد قائد قوات الدفاع الجوى ..تعتبر منظومة الدفاع الجوى المصرى من أعقد منظومات الدفاع الجوى فى العالم حيث تشتمل على العديد من الأنظمة المتنوعة … نرجو من سيادتكم إلقاء الضوء على عناصر بناء المنظومة .
** هناك صراع دائم ومستمر بين منظومات الدفاع الجوى وأسلحة الجو المتمثلة فى العدائيات الجوية الحديثة التى أصبحت لا تقتصر على الطائرات المقاتلة بل شملت أسلحة الهجوم الجوى الحديثة المسلحة بها الطائرات وبرز حالياَ التحدى الأكبر وهى الطائرات الموجهة بدون طيار بتعدد إستخداماتها وأساليبها وإمكانياتها وأضيف عليها الصواريخ البالستية والطوافة وكافة أنواع الأسلحة الذكية ذات الأبعاد المتعددة والمزودة بإمكانيات تكنولوجية وفضائية والتطور فى العدائيات مستمراً بظهور الصواريخ الفرط صوتية .
مما يستوجب تواجد منظومة دفاع جوى متكاملة مزودة بأنظمة من مصادر تسليح متنوعة
من دول مختلفة سواء الشرقية أو الغربية بتقنيات حديثة وتكنولوجيا معقدة يجعلها من أعقد المنظومات فى العالم وهذا يتطلب جهد كبير ليتوافق عمل هذه الأنظمة مع بعضها للتكامل وتكون قادرة على التعامل مع تلك العدائيات ويتم بناء المنظومة من عناصر إستطلاع وإنذار بإستخدام أجهزة رادار ذات مدايات مختلفة تقوم بأعمال الكشف والإنذار وعناصر مراقبة جوية بالنظر بالاضافة إلى عناصر إيجابية من المقاتلات والصواريخ والمدفعية م ط والصواريخ المحمولة على الكتف لتوفير الدفاع الجوى عن الأهداف الحيوية للدولة وعن التشكيلات التعبوية على كافة الإتجاهات الإستراتيجية .
ووصولاً إلى مستوى الحماية الذاتية تتم السيطرة على المنظومة بواسطة نظام متكامل للقيادة والسيطرة على مختلف المستويات تعمل فى تعاون وثيق مع القوات الجوية والحرب الإلكترونية بهدف الضغط المستمر على العدو الجوى ومنعه من تنفيذ مهامه وإفشال هدفه وتكبيده أكبر خسائر ممكنة .
وتولى القيادة السياسية والقيادة العامة للقوات المسلحة إهتماماً كبيراً فى دعم قوات الدفاع الجوى بتوفير أحدث الأنظمة من عناصر الإستطلاع والإنذار والعناصر الإيجابية وكذا تطوير مراكز القيادة والسيطرة لتتمكن قوات الدفاع الجوى من التعامل مع كافة التهديدات والتحديات الحديثة .
- لو راجعنا سيناريو الحروب الحديثة سواء السابقة أو الحالية نجد أن تحييد سلاح الدفاع الجوى يأتى كأسبقية أولى فى أى حرب… ممكن سيادتك توضح لنا ما يمثله ذلك من عبء على قوات الدفاع الجوى ؟
** نتيجة المتغيرات الحادة التى تشهدها الساحة الدولية اليوم والتطور السريع والحاد فى تكنولوجيا التسليح … فإن إمتلاك قوة الردع وأساليب مجابهتها أصبح أكثر طلبا وأشد إلحاحا وأصبحت القوة العسكرية لأى دولة من المتطلبات الأساسية … للدفاع عن الحقوق ولحماية المصالح ولدرء المعتدين صوناً لأمنها القومى وأصبحت الحروب وتطورها مبنية على العلم والتكنولوجيا .
وتظهر أهمية دور الدفاع الجوى والتركيز على تحييدة دائماً فى بداية العمليات العسكرية من خلال طبيعة المهمة الملقاة على عاتقه … من تأمين المجال الجوى وتأمين التجميعات الرئيسية للقوات المسلحة والأهداف الحيوية الهامة على كافة الإتجاهات الإستراتيجية … وعند تحييد الدفاع الجوى يصبح لدى العدو الفرصة للحصول على السيطرة الجوية وإمتلاك مسرح العمليات وتحقيق التأثير على كافة الأهداف وخاصة فى ظل التوسع فى إستخدام الهجمات السيبرانية والعدائيات الجوية الحديثة من أسلحة ذكية وصواريخ طوافة وطائرات بأنظمة غير مأهولة وأنظمة حرب إلكترونية بصورها ومداياتها المختلفة
كل ذلك لتحييد عناصر الدفاع الجوى وذلك يتطلب إستعداد قتالى وكفاءة قتالية عالية فى السلم والحرب لإستيعاب التكنولوجيا المتقدمة … (فرجال الدفاع الجوى هم عيون مصر الساهرة) .