بقلم دكتورة /وفاء الجندي
نعيش الان في عالم تتحكم فيه الأدوات والمنصات الرقمية، ويبدو مشهد التسويق والعلاقات العامة في الوطن العربي وكأنه لوحة متباينة الألوان.
من جهة تمتلك منطقة الخليج العربي كل ما يحتاجه السوق من أدوات وتقنيات وثوابت تحتية حديثة، لكنها كثيرًا ما تعجز عن خلق التأثير الحقيقي في الجمهور.
أما من جهة أخرى، تقف مصر بقلة إمكانياتها التكنولوجية، لكنها تملك قدرة عجيبة على الوصول إلى قلب الناس، والتأثير في وعيهم، وصناعة الضجة والبروبجاندا.
الخليج: امتلاك الأداة دون التأثير//
لا شك أن دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، استثمرت بقوة في مجالات التسويق والعلاقات العامة، سواء عبر الإنفاق الضخم على الحملات الإعلانية او بناء مؤسسات إعلامية وتسويقية عالمية او استقطاب خبرات أجنبية او استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات ،لكن أين المشكلة؟
رغم كل ذلك، ما زالت بعض الحملات الخليجية تفتقر إلى “النبض المحلي”، وتُدار بشكل رسمي وبعيد عن حياة الناس اليومية.
📌 مثال :
حملة “القدية” (السعودية)رغم ضخامة المشروع والميزانيات التي أُنفقت على الترويج له، ظلت الحملة مقتصرة على فئة محددة من الجمهور. الخطاب المستخدم كان نخبويًا، ولم يخترق الطبقات المتوسطة والبسيطة بسهولة، لأنها لم تشعر أن المشروع يعنيها.
📌 مثال:
إعلانات رمضان في الإمارات التي تبثها المؤسسات الكبرى في الخليج تتميز بالجمال البصري والاحتراف، لكنها تفتقد للقصة أو العاطفة التي تمس الوجدان، فيشاهدها الجمهور ويُعجب بالإخراج… ثم ينساها بعد دقائق.
مصر: غياب الأداة وحضور التأثير//
أما في مصر، فالمشهد معكوس تمامًا،فالإمكانيات ضعيفة، والموارد محدودة، والاعتماد في الغالب على اجتهاد فردي أو محتوى شعبي بسيط. لكن المفارقة أن هذا النمط الشعبي هو ما يصنع الفارق!
📌 مثال :
إعلان “بيبسي – يلا نرجع رمضان زي زمان” هو إعلان بسيط لعب على النوستالجيا واستدعى ذكريات رمضان في الثمانينات والتسعينات دون ميزانيات ضخمة أو تقنيات متقدمة واستطاع الإعلان أن يخلق موجة تفاعل واسعة على مواقع التواصل.
📌 مثال:
حملة “اتصالات حكاية”استخدمت شخصية “أبو حفيظة” الساخرة والتي تحظى بشعبية كبيرة فالحملة جمعت بين الكوميديا والمحتوى الشعبي، وخلقت صدى واسع، ليس فقط بسبب المحتوى، بل لأن الناس شعروا أن الإعلان “منهم ولهم”.
📌 مثال:
كوميكسات وتحديات السوشيال ميدياشباب مصريون عاديون، عبر فيديوهات أو صور ساخرة بسيطة، نجحوا في الترويج لمنتجات وشركات بشكل يفوق أحيانًا ما تقدمه الوكالات الاحترافية. هذا نابع من ذكاء فطري ومعرفة عميقة بثقافة الجمهور.
*إنها حقا مفارقة تستحق الدراسة/
* في الخليج: احتراف بلا روح.
• في مصر: روح بلا أدوات.
ولعل هذه المفارقة تختصر سرّ العبقرية التسويقية في مصر في القدرة على التأثير رغم كل المعوقات.
الخلاصة: نحن نرنو الي نموذج عربي متكامل مصنوع بقماشة عربية تحمل الهوية وتعكس العادات والثقافات وتتميز بمتانتها وعمقها وثراءها.
فإذا استطاعت المؤسسات الخليجية أن تستفيد من الحس الشعبي المصري وإذا أمكن للمبدعين المصريين أن يحصلوا على أدوات متقدمة وإدارة استراتيجية، يمكن بناء نموذج تسويقي عربي فريد. نموذج يمتلك ويؤثر،ويحقق طفرات عبقرية في مجال التسويق والعلاقات العامة وهو ما سيفتح الطريق لشركات متنوعة ومتعددة في مجالات أخري.