حوار : أحمد عبدالحميد
تصوير : شمس الدين مرتضى
سعيد عطية : ترجمنا “خطب الجمعة” لـ 17 لغة لتصحيح المفاهيم عن الإسلام.
هيكل سليمان لم يكن أبدًا موجودًا..والحضارة الإسرائيلية مسروقة من الثقافات الأجنبية.
التوراة تم تدوينها بعد 1000 عام من وفاة النبى موسى وتم تحريفها على يد أحبار اليهود.
قال الدكتور سعيد مطاوع عميد كلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، ورئيس لجنة اللغات بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية وأستاذ الدراسات العبرية فى حوار مع وكالة ONA للأنباء، أن معايير الاجتهاد غائبة عن المشككين في عروبة القدس . وأضاف أنه من الواجب علينا غزو إسرائيل ثقافيًا وهو ليس تطبيعًا حتى نعرف عدونا من يكون .
وأكد أن الأعلى للشئون الإسلام ترجم مؤخرًا مقالات عن المفاهيم الإسلامية لـ 17 لغة ، ورد في حواره مع ONA على مزاعم وجود هيكل سليمان وكيف تم تحريف التوراة .. وإلى نص الحوار :
ما الدور الذى تلعبه لجنة اللغات فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ؟
وزير الأوقاف شكل العام الماضي لجنة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية وأُطلق عليها لجنة اللغات والترجمة، وتم انتخابى رئيسًا لها ، ومهمتها تنفيذ رؤية ورسالة وزارة الأوقاف فى نشر الدين الصحيح والإسلام الوسطى بلغات مختلفة لجميع بلدان العالم، فكانت أول خطوة قمنا بها هى ترجمة كتاب (مفاهيم يجب أن تُصحح) وتم ترجمة خطبة الجمعة إلى 17 لغة، كما يتم الاستعانة بأساتذة كلية الألسن فى حالة الترجمة للغات لا تُدرس لدينا مثل اللغة الكورية، كما تم إنشاء لجنة آخرى تحت اسم الإسلام والغرب، أعضائها من أساتذة كليات اللغات الحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراة من الدول الغربية.
هل تقوم لجنة اللغات بمراجعة الخُطَب المترجمة ومناقشتها قبل الترجمة؟
نحن لا نتدخل فى محتوى الخطبة ولا نقوم بتنقيحها، فهناك من هم منوط بهم ذلك، من رجال كلية أصول الدين والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لكنهم يقدمون لنا أفكار عن ماذا نقدم للغرب ؟ ، ونكتفى بدور الترجمة فقط، أما لجنة الإسلام والغرب فتناقش الرؤية التى على أساسها يتم الترجمة، ومن يقوم بالترجمة هو مطلع على ثقافة من يقوم بالترجمة لهم، فإذا وجد تعارض أو إمكانية عدم الفهم فإنه يقوم بالتبليغ بذلك حتى تتم المراجعة.
لماذا خصصت في كتابك الأخير “القصاص فى اليهودية والإسلام” الحديث عن هاتين الديانتين فقط؟
لأنه لا يوجد تشريع فى الديانة المسيحية، وإنما يتم الاعتماد على التشريع فى اليهودية، والكتاب مقارنة لعمليات القصاص فى الديانتين وفى الحضارات القديمة، ففى الجاهلية كان العرب يقولون “القتل أنفى للقتل” ، فجاء الإسلام بقرآن يقول “ولكم فى القصاص حياة”، ولما قُتل عم النبى حمزة بن عبد المطلب، قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الانتقام بقتل 70 رجلًا من مشركى قريش، فنزلت الآيه الكريم : “وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به”، كما شمل التشريع الإسلامى “العفو” ، ودفع “الدية”، فالقرآن الكريم نص متجدد يعطى مساحة من حرية الفكر والاجتهاد حتى يوم الدين، أما التوراة فهى نص ثابت عينى محدد لا يمكن تغييره أو الخروج عن إطاره.
بمناسبة حديثك عن هذا الأمر ما رأيك فى إلغاء عقوبة الإعدام التى تنادى بها منظمات حقوق الإنسان؟
التشريع الإسلامى يخاطب كل عصر، لذا فالقصاص مناسب لكل الأوقات ولكل المجتمعات، لأنه يمنع القتل ويمنع الانتقام، فلو طبق مرة واحدة فسوف يتوقف القتل، لذا فنحن نجد أن عمليات الثأر فى صعيد مصر مازالت مستمرة مهما بلغت درجة التعليم، لأن القصاص غائب، وأساسًا الحدود فى الإسلام نزلت كى لا تُطبق لكن للتحذير فيخشى الناس ويكن لهم رادعًا.
باعتبارك مختصصًا فيها .. كيف ترى مستقبل اللغة العبرية فى مصر؟ وهل هناك تضييق على دارسى هذه اللغة ؟
هناك حرية كاملة لمن يريد اختيار هذا اللغة، وهناك 500 طالب فى جامعة القاهرة، ونحو 600 طالب فى جامعة عين شمس من دارسى اللغة العبرية، وهذه ليست مشكلة، لكن العقبة الحقيقة هى مدى الحاجة لهؤلاء الطلاب، فمن يجيد اللغة بشكل جيد سوف يجد عملًا ، لذلك نحن مقصرون فى توظيف هؤلاء الخريجين، فبداية تعلم اللغة العبرية جاءت بناء على وجود عدو مجاور يتحدث بهذا اللغة فكان لابد من التعرف عليها من باب اعرف عدوك، ولكن كيف تعرفه وأنت لا تترجم كتبه ولا ثقافته ولا عاداته.
ما الذى يتم تدريسه للطلاب داخل قسم دراسات اللغة العبرية؟
الديانة اليهودية من وجه نظر الإسلام ووجه نظر اليهودية نفسها، بالإضافة إلى تاريخ بنى إسرائيل، والأدب العبرى الحديث والمعاصر، والحركة الصهيونية ، وهذا أمر غاية فى الأهمية، وللأسف نحن نجهل الكثير عنهم، نجهل كيف يفكرون وكيف يكتبون و ما الجنسيات الموجودة هناك وما التكنولوجيا التى لديهم، وكيف يمكن استغلال ذلك .
لكن ما الذى يمكن أن يؤدى إليه الانفتاح الثقافى على إسرائيل؟
أنت تقول انفتاح، ولكن لماذا لا نسميه الغزو الثقافى، إن الدعوة للحوار ليست تطبيعًا، فنحن لسنا قاصرون، ولدينا فى مصر هنا الثقافة والأفلام الأمريكية، ولماذا لا يخشى الإسرائيليون أنفسهم ترجمة الأدب المصرى، فكانت أول لغة أجنبية تترجم بها رواية الأيام لطه حسين هى اللغة العبرية، وفى فلسطين تأسست الجامعة العبرية فى القدس فى العام 1926 قبل قيام دولة إسرائيل، فهم يبحثون عن العلم قبل قيام الدولة، وتم دعوة أحمد لطفى السيد ولفيف من رجال السياسة والعلم المصريين أيضًا لحضور الافتتاح، ولعلمك هناك 50 ألف مصرى يعيشون فى إسرائيل حاليًا .
ما حقيقة تدريس كتب الفكر الوهابى المتشدد فى كلية اللغات بجامعة الأزهر ؟
فى وقت سابق كان هناك بالفعل مجموعة من الكتب المترجمة عن أئمة ينتمون للفكر الوهابى تُدرس فى الأقسام لدينا ولكن مؤخرًا تم حصرها ووقف تدريسها واستبعادها، ولا يتم تدريس سوى الفكر الوسطى المعتدل تمامًا.
أُثيرت في الفترة الأخيرة روايات عن أن المسجد الأقصى لم يكن موجودًا في عصر النبي محمد .. باعتبارك أستاذًا في الدراسات العبرية ما رأيك في مثل هذه الروايات ؟
عندما أُسرى بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصى وعاد، صدقه أبو بكر الصديق ولم يناقشه، والله سبحانه وتعالى بدأ سورة الإسراء بكلمة (سبحان) وهى كلمة لا تُقال إلا لله عز وجل، وهى تأتى لتهيئة القارئ بأن هناك حدث جلل وغير متوقع ولا يدركه العقل سوف يحدث، وكانت ليلًا حتى لا يراها الناس فيصعقوا من هول الصدمة، فالرحلة كانت معجزة بكافة الصور، ومن لديه أدنى علم باللغة العربية سوف يدرك ذلك.
كما لو نظرنا للمسجد الحرام بشكل أولي فسوف نجد أنه عبارة عن الكعبة بأبعادها المعروفة تحيط بها ساحة فقط، ومن الخطأ ربط كلمة المسجد بالبناء الشاهق ذو المآذن العالية والقباب الضخمة، فالمسجد هو مكان السجود، والأمويين بنوا المسجد ذو الشكل المعروف فى تلك البقعة لأنها كانت مسرى النبى محمد. ودعني أقول لك هذه روايات قديمة والإسلام يُحارب منذ القدم، وفكرة محاولة التشكيك فى المفاهيم الإسلامية قديمة، كمن يأتى ويقول لا يوجد ما يُسمى بـ”علم الحديث”، هو لم يأت بجديد، كمن يقول أن سورة الإسراء سابقة قبل سورة النجم ، فكيف حدث المعراج قبل الإسراء، فقد تم الرد على هذا الكلام عدة مرات وموجود فى الكتب ولكن للأسف الشديد نحن لا نقرأ، وهناك معايير يجب أن تتواجد فى الشخص المجتهد، لكن هذه المعايير للأسف غائبة عن المشككين في عروبة القدس . لأنه لا يجوز اقتباس نصوص محرفة من التوارة لكي تكون دليلاً ضدنا .
بمناسبة ذلك ، كيف تم تحريف التوراة؟
التوراة ظلت متواترة شفاهة بعد موسى عليه السلام، ثم تم تدوينها بعد 1000 عام، وكان كُتاب التوراة لا يكتبون مما يتم تداوله شفاهة، لذلك هناك فجوات فى الأحداث …فكانوا ينزلون إلى الأقوام الذين عاشوا بينهم ويقتبسون منهم، فمثلا مزامير داود تنسب إليه، وعند مقارنتها بنشيد إخناتون الذى يُمجد فيه قرص الشمس، نجد أنهما طبق الأصل وهذا أمر أثبته الغرب قبلنا منذ سنوات عديدة ، ومثال آخر أن الإسكندر المقدونى بنى هيكل عبارة عن نحت فى أحد الجبال فى البتراء بالأردن، نجد أن مقاييسه هى نفس مقاييس هيكل سليمان المزعوم فى التوراة، فما حدث هو إسقاط لهذا البناء على الأحداث الحقيقية .
كما أنهم يذكرون –بنص صريح- أن داوود قُتل، وهو الأمر نفسه الذى حدث للملك فيليب المقدونى والد الإسكندر الأكبر المقدونى ، ويذكرون فى توراتهم أن سليمان قتل أخاه غير الشرعى ليرث عرش أباه ويصبح هو الملك، وهو أمر لم يحدث، ولم يذكر فى القرآن لأنه مأخوذ من حياة الإسكندر الأكبر.
مثال آخر..يوم السبت أو “شابتو” هو يوم عند البابليين فى العراق القديم ، فتم نقله ، ولا يوجد ما يُسمى بحضارة بنى إسرائيل أو الحضارة اليهودية، فكل الوقائع مقتبسة ومسروقة من الثقافات والحضارات الآخرى المجاورة من مصريين وبابليين وإغريق.
وما حقيقة هدم هيكل سليمان المزعوم ؟
كلمة هيكل كلمة أكادية معناها “أوجال” – أى البيت العظيم – ولو تفحصنا سفر الملوك وسفر صموئيل فى التوراة واللذان تحدثا عن سليمان عليه السلام، فنجد أنهما يُعرفانه بأنه ملك وليس نبى من عند الله، وعند المقارنة بين شخصيته – عليه السلام – فى القرآن وفى التوراة “العهد القديم”، نجد أن هناك فرق شاسع بين الاثنين، ولا يصح أن نفسر القرآن بتفسير التوراة، لأن القرآن نص مُطلق حر، أما التوراة فنصها عينى ثابت. وهذا ما حدث مؤخرًا من البعض حينما تحدثوا عن الهيكل وأرض القدس والمسجد الأقصى والتدليل على نسبهم لليهود وليس للمسلمين .
وقد ادعى اليهود أن الملك البابلى “بختنصر” أو “نبوخذ نصر الثانى ” قد دمر القدس وهدم الهيكل غير الموجود من الأساس قبل 500 عام قبل الميلاد ، ثم جاء بعد ذلك الملك قورش الفارسى الذى أعادهم إلى القدس وقال لهم ابنوا الهيكل ، وبحسب ادعاءاتهم جاء بعد ذلك الملك تيتوس الإغريقي ، الذى هدم الهيكل مرة آخرى ، وهو أمر يناقض الواقع لأن الإغريق معروف عنهم أنهم لا يدمرون أى حضارات ولا يقومون بالسبى ، فهذه إدعاءات وأساطير أحبارهم، فالتوراة نص انتهى لا يجوز الرجوع إليه، فنزل لوقت معين وقوم معين أما القرآن فمهيمن على الكتب السماوية، ولو أن نبى الله سليمان أراد بناء “هيكل” فلن يستعين إلا بالجن، فلهم قدرات خارقة ومنهم ما هو بناء وغواص، ولكن هناك افتراضية أن ما يبنيه الجن بعد فترة يتلاشى ، وكل ما بناه الجن كان حصرًا لسليمان عليه السلام.. فى عهده وحياته فقط، فلن يبقى شئ بعد ذلك ، وهذه نظرية لا يمكن الاستخفاف بها.
كيف نرد على المشككين فى عروبة القدس؟
القدس كانت تُسمى أورسالم، ذكرت فى التوراة هكذا أكثر من 600 مرة، وكان أهلها “يبوسيون” نسبة إلى يبوس، وكانت أرض كنعان أرض مفتوحة وليست دولة بالمعنى المعروف، وبعد تدمير القدس أول مرة غيّر بنو إسرائيل اسمها للمُثنى؛ لتصبح “أورسالايم” أو “أورشليم” أى مدينة فى الأرض دُمرت، ومدينة فى السماء باقية، وتم تداول الاسم الجديد 6 مرات فقط فى التوراة وهو أمر لا يمكن إنكاره، أما مصر فهى أول دولة فى العالم..اسمها يعنى القطر..كان لها حدود ودواوين وكانت تنطق فى التوراة بالمثنى (مصرايم) لأن الملك مينا نعرمر، وحد قطرين الشمال والجنوب.
ما رأيك فيما أثير مؤخرًا من البعض حول تهنئة غير المسلمين بأعيادهم؟
من يقرأ جيدًا فى الفقه ويتمعن فى القرآن، يجد أنه الله يقول فى كتابه العزيز :” لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة”، فأراد هنا المولى عز وجل أن ينفى الإنسانية عن الإله، ولم يذكر صراحة أن المسيحيين أنفسهم كُفار به، فالله سبحانه وتعالى هو فقط من يمتلك حق تكفير الناس، وأضعف الإيمان إذا كان الله قد أحل لرجال المسلمين الزواج بأهل الكتاب فليس من الذوق عندما تأتى أعيادهن لا يهنئ الرجل زوجته الكتابية بعيدها.