بقلم / لواء بهاء البجاوي
إن ما نراه من ظاهرة غريبة تتمثل فى قلة وعى الشعب فى التعامل مع أزمة انتشار كورونا مقارنة بشعوب أخرى كثيرة ومنها شعوب عربية.. قد تبدو غريبة للوهلة الأولى..
= ولكن عندما نهدأ ونأخذ نفس طويل ونعود بالذاكرة للوراء عقود مضت ونسترجع كيفية تعامل الحكومات المُتعاقبة بكل أجهزتها مع كل ما هو مرتبط بتشكيل وعى المواطن.. والإسلوب الذى كان متبع والذى كان يتعمد تسطيح الفكر وعدم غرس المفاهيم التى ترفع من مستوى الوعى للمواطن فيما يخص الشأن العام وكيفية التعامل مع الأزمات بالمفهوم الواسع.. وذلك من خلال عدة محاور وسنذكر منها على سبيل المثال إثنان:-
أولاً : ويعتبر من أهم المحاور وهو الفنون بجميع أشكالها وخاصة الدراما السينمائية والتليفزيونية والأغانى القصيرة المصورة ( الفيديو كليب) إلى جانب برامج التوك شو .. والتى تستخدمها جميع دول العالم فى رفع مستوى الوعى للشعوب لما لها من تأثير مباشر فى ذلك
فبدلاً من إستخدامها لرفع مستوى هذا الوعى.. فقد كان (( وللحق نقول أنه مازال..)) يتم استخدامها لتسطيح هذا الوعى الذى يصل لمرحلة التغييب وذلك بالتركيز إما على الأعمال الفنية التى تدعو إلى زنا المحارم والبلطجة وتعاطى المخدرات وعقوق الوالدين… إلخ والتى فى النهاية تُبعد المشاهد تماماً عن فكرة الاهتمام بمشاكل وأزمات الوطن وتهدم ما لديه من مفهوم الوعى بالشأن العام والتفاعل معه..
ولن نجد أقرب من مسلسلات وبرامج رمضان وأغانى المهرجانات لتكون خير دليل على ذلك..
باستثناء مسلسل الاختيار ومن قبله كان فيلم الممر اللذان شكلا حالة من قفزة فى الوعى لدى المواطن.. وبذلك فهما يؤكدان أيضاً على الرسالة المقصود من هذا المقال وهو أنه يمكن للأعمال الفنية رفع أو خفض الوعى لدى المواطن..
ولكن للأسف لقد افتقدنا ما كنا نتباهى به فى الماضى من أنه يوجد لدينا ما يطلق عليه ( القوة الناعمة ) والتى طالما لعبت أدوار هامة فى ظروف صعبة مرت بالوطن وكانت كالقاطرة التى تقود وعى الشعب.. ولعلنا نتذكر أغانى أم كلثوم وعبدالحليم وما فعلته من رفع للوعى وإشعال لهيب وغيرة وحرص الشعب على الوطن بعد نكسة ٦٧ وحتى نصر ٧٣..
ثانياً :- ولا يقل أهمية.. وهو غياب تام لدور المؤسسات المسئولة عن معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية وإيجاد حلول واقعية لمعالجتها والتى ترتبط ارتباط وثيق بمستوى الوعى للمواطن.. وما أكثرها لدينا من مراكز البحوث الاجتماعية بمختلف مسمياتها .. وبما تضمه من المئات من أساتذة فى علم الإجتماع..!!
لذلك.. وفى العقود الأخيرة.. ومع مرور الأيام أصبحت السطحية وقلة الوعى هى من أهم سمات غالبية الشعب بجميع طوائفه، ولا فرق بين المتعلم والجاهل والغنى والفقير فى هذه الظاهرة.. فمستوى الوعى هنا لا علاقة له بمستوى التعليم ولا يرتبط به.. وربما فى بعض الأحيان تكون العلاقة عكسية.. ونجد الفلاح البسيط لديه وعى أعلى بكثير من ساكنى الكمباوندات الشهيرة ( الناس إللى شبه بعض…)..
فعندما ظهرت أزمة كورونا.. ولجأت جميع الدول والحكومات للإعتماد فى خطط مواجهة الوباء والوقاية منه فى الأساس على ما لديها من رصيد قد يكون أهم من الإحتياطى النقدى ألا وهو مستوى الوعى لدى الشعب معتمده على ما قامت بإدخارهُ وزرعه فى المواطن فى السابق..
فقد وجدت الحكومة المصرية الحالية نفسها فى مأزق حاد وهو شبه انهيار لمستوى الوعى لدى الشعب والذى أصبح يشكل أكبر عائق فى خطة الدولة لمواجهة هذا الفيروس والتى شهد لها الجميع فى الداخل والخارج بالنجاح فى بداية الأزمة وقبل أن تصطدم بإنعدام الوعى للمواطن ..
وأصبحت الحكومة مسئولة عن تحمُّل أخطاء الحكومات السابقة فى هذا الشأن ..
= وبكل الإنصاف نجد أنه بذلك ومن هذا المُنطلق يصبح المواطن مجنى عليه ولا نستطيع أن نوجه له مجرد اللوم على الإهمال وقلة الوعى فى عدم الإلتزام بطرق الوقاية من الفيروس..
وعلى الجانب الآخر نجد الحكومة وكأنها فى (( موسم حصاد وجنّى تغييب الوعى))..
ويبقى السؤال الأهم حالياً ..
هل سوف نستوعب الدرس ونعلم أنه من مصلحة الحكومات العمل دائما على رفع مستوى الوعى للمواطن باعتباره خط الدفاع الأول التى تستعين به الدولة فى مواجهة الأزمات..؟
هذا هو الجزء الذى يتعلق بمسئولية الحكومة فى تغييب الوعى..
والمقال القادم سنتناول بإذن الله مسئولية الشعب فى تغييب الوعى