السبت, 21 يونيو, 2025 , 11:49 م
أحمد تركي ... خبير الشؤون العربية

سلطنة عُمان وتأمين الملاحة بمضيق هرمز… إشكاليات التهديد بالإغلاق

 

بقلم/أحمد تركي … خبير الشؤون العربية

يقع مضيق هرمز بين عُمان وإيران، ويشكل ممراً بحرياً حيوياً يربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب. ونظراً لكميات النفط الهائلة التي تعبر هذا المضيق، فإنه يتميز بكونه أهم ممر نفطي في العالم.
إذ يمر عبر المضيق نحو خُمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، أي ما يقرب من 20 مليون برميل يومياً من النفط والمكثفات والوقود. ويُلقّب بشريان الحياة للعالم الصناعي، ويُعدّ هرمز، الواقع بين عُمان وإيران، أهم بوابة لشحن النفط في العالم، وتنقل قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كل غازها الطبيعي المسال تقريباً عبر المضيق، وهو ما يمثل نحو ربع استخدام الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
وزادت أهمية المضيق بعد الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022؛ إذ أصبحت منطقة الخليج وجهة الدول الصناعية الكبرى، لتأمين احتياجاتها من نفط الخليج العربي، ويذهب 80 في المائة من النفط المنتَج في دول الخليج عبر المضيق، إلى الدول الآسيوية، فيما ينقل الباقي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
مع تصاعد التوترات في أعقاب الضربات الإسرائيلية على إيران والتي بدات فجر يوم 13 يونيو 2025، عادت المخاوف من أن طهران قد ترد باستهداف مضيق هرمز، أحد أهم شرايين النفط في العالم.
ونظرا لوقوع مضيق هرمز ضمن الحدود البحرية لسلطنة عُمان؛ قامت الإستراتيجية العمانية بتأمين الملاحة في مناطق السيادة والنفوذ، ومن ضمنها الملاحة في مضيق هرمز، والذي هو جزء لا يتجزأ من المياه الاقليمية العُمانية، وباستثناء حق المرور العابر فإن المضيق يخضع كليا لما تخضع له باقي المجالات البحرية العُمانية – نظرا لوقوع الممرات البحرية في المياه الاقليمية العُمانية – بحيث تمارس سلطنة عمان سيادتها على المجالات البحرية العائدة لها وعلى القاع وما تحت القاع وعلى الحيز الجوي الواقع فوق هذه المجالات، دون مساس هذه السيادة بحقوق بقية الدول في المرور العابر، وهو ما قامت به سلطنة عُمان طيلة عقود في هذه البقعة المهمة والحساسة جدا من رقعة الشطرنج الدولية.
وكان للدور العُماني الفضل في استقرار الأمن البحري في هذا المضيق، ولم يقتصر هذا الدور على الجانب الأمني والعسكري بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وهو الدور السياسي والدبلوماسي الذي كان له دور كبير في احلال السلام والامن والاستقرار في هذه المنطقة منذ سبعينيات القرن الماضي، عبر العديد من المبادرات والمقترحات والمشاريع المتعلقة بتأمين الملاحة في مضيق هرمز.
فأما عن الجانب الامني والعسكري فقد لعبت البحرية السلطانية العُمانية والجهات ذات الصلة والاختصاص والتداخل بالأمن البحري ذلك الدور القيادي الايجابي عبر أنشطة ومهام على رأسها: تأمين الأمن والاستقرار في البحر الإقليمي والمياه الاقتصادية الخالصة من خلال تنفيذها لدوريات استطلاع على طول الشريط الساحلي، وكذلك القيام بدوريات مختلفة لرصد أية أنشطة غير مشروعة، وضبط أية أهداف مشبوهة بالمنطقة، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية البحار الاقليمية العمانية والمنطقة الاقتصادية الخالصة والموانئ والمنشآت البحرية.
وكذلك تفتيش السفن عند الاشتباه بها وفقا للقواعد المتعارف عليها دوليا، اضف إلى ذاك مكافحة الهجرة غير المشروعة (التسلل)، الجريمة المنظمة والتجارة غير المشروعة وأنشطة التهريب، القرصنة البحرية، الإرهاب البحري، الصيد غير القانوني/ الصيد الجائر، تلوث البيئة البحرية، الأزمات والنزاعات العسكرية، التغير المناخي، إعاقة طرق الملاحة الدولية، من أجل تأمين حرية الملاحة في البحار الاقليمية العُمانية.
أما فيما يتعلق بالجانب السياسي والدبلوماسي فلم يكن أقل من الدور الأمني والعسكري، بل كان موازياً وداعماً له، فقد لعبت السياسة الخارجية العُمانية دور غاية في الاحتراف والمهنيةفيما يتعلق بالمحافظة على المبادئ الامنية الموجهة للسياسة الخارجية العمانية عبر ترسيخ أسس الرؤية العُمانية لأمن الخليج العربي بوجه عام مضيق هرمز بوجه خاص.
والأهم من هذا؛ المقترحات السياسية والأمنية التي طرحتها عُمان في وقتها بهدف تحقيق أمن الملاحة في منطقة الخليج، وحماية المنطقة من خطر الارهاب والقرصنة.
وقد قامت الرؤية العمانية لأمن الخليج العربي على أسس مهنية بحتة تم فيها مراعاة العمومية وترسيخ أسس الأمن القومي العربي وتحقيق القدرة الدفاعية المتقدمة والتفكير الاستشرافي المستقبلي للدول الخليجية، ومن أبرز تلك الأسس: التنسيق والتعاون من جهة وايجاد أكبر مساحة ممكنة من التفاهم والتعاون والاستقلالية بين دول الخليج من جهة اخرى عبر تلك المبادرات والمقترحات العمانية المطروحة لتحقيق ذلك.
ولعل من أبرز المبادرات والمقترحات الامنية والسياسية التي طرحتها عُمان : في عام 1976 طرحت فكرة إقامة قوة عسكرية خليجية تسهم فيها الدول الخليجية مع حرية كل دولة في اختيار نظامها السياسي والاجتماعي والتعاون فيما بينها.
وفي عام 1979 طرحت مشروع فني لتأمين الملاحة في مضيق هرمز، والذي أطلق عليه بالمشروع التقني العماني، والذي اقترح حينها؛ الحصول على كاسحات ألغام وقوارب خفر ساحلية وطائرات استطلاع ومعدات اكتشاف الكترونية.
كما تقدمت سلطنة عمان بمشروع لمد خط نفط استراتيجي يربط حقول النفط في شمال الخليج ابتداء من حقول نفط الكويت وصولا إلى خليج عُمان عبر الاراضي العُمانية، غير ان هذا المشروع لم ينفذ.
إضافة إلى الرفض العماني كل مقترحات “بريجينيف” بشأن أمن الخليج والتي اعتبرتها بمثابة اعتراف رسمي بوجود قواعد سوفيتية في المنطقة ومحاولة للتدخل في الشؤون الخليجية.
إجمالاً يمكن القول أن عمان لعبت على مدار التاريخ دورها الإيجابي عبر أدواتها الأمنية والسياسية والدبلوماسية في تأمين مضيق هرمز ومن هنا فإن التهديد الإيراني بإغلاقه يتعارض مع معطيات الواقع والتاريخ؛ حتي أنه يتعارض ليس فقط مع المصالح الإقليمية والعالمية لمعظم دول العالم؛ وإنما يتعارض كذلك مع المصلحة الوطنية الإيرانية ذاتها؛ ولذا فإن أمر التهديد بالإغلاق ستكون كوابحه أكثر.
وعلى الرغم من التهديدات المتكررة، لم تُنفذ طهران أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز، لان الجزء الأكبر منه يقع في عُمان، ولا يزال بإمكان السفن سلوك طرق بديلة عبر الإمارات وعُمان.

اترك رد

%d