في خضم تحولات إقليمية حادة وتحديات داخلية متراكمة، بات الإعلام المصري في حاجة ماسّة إلى إعادة تعريف دوره، لا كمنصة للعرض فقط، بل كفاعل مركزي في بناء الوعي الجمعي وتطوير الشخصية المصرية التي عُرفت على مرّ العصور بريادتها وابتكارها وقدرتها على التأثير
✳️من إعلام الاستقبال إلى إعلام الفعل
لفترة ليست بالقصيرة، اتسمت العلاقة بين المواطن والإعلام المصري بنمط أحادي الاتجاه؛ المشاهد يتلقى، والإعلام يبث. هذا النمط عزز سلوكيات سلبية كالسلبية، والتلقي غير الواعي، والانفصال عن الفعل العام.
لكن، مع ما تواجهه مصر من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية، أصبح من الضروري تحويل الإعلام من ناقل إلى محفّز، ومن “وسيلة اتصال” إلى “أداة تشكيل وإنتاج وعي جماعي مسؤول”.
✳️الإعلام كأداة لصياغة الإنسان المصري الجديد
من هنا يجب أن يتحول الخطاب الإعلامي إلى ما يلي:
- إبراز نماذج مصرية ملهمة من الواقع لا من الخيال — روّاد علم، صُنّاع، فلاحون ناجحون، سيدات مكافحات.
- إحياء مفاهيم الهوية المصرية الجامعة: مصر التي تحتضن الدين والعلم، العراقة والتحديث، التسامح والكرامة.
- تفكيك الخطابات السلبية التي تُشعر المواطن بالخذلان أو انعدام القيمة.
- خلق مساحة حوار مجتمعي حقيقي في البرامج التليفزيونية والسوشيال ميديا حول: ماذا تعني “الشخصية المصرية” اليوم؟ وما موقع المواطن المصري في مشروع الدولة؟
✳️الدراما الوطنية: ذاكرة وهوية وأمل
لطالما كانت الدراما المصرية مرآة الوعي الشعبي، بل وفي أحيان كثيرة كانت محركًا للضمير الجمعي. ومع ذلك، تراجعت خلال السنوات الماضية لصالح أعمال سطحية، تجارية، أحيانًا ممسوخة الهوية.
لكن الفرصة الآن مواتية لاستعادة الدور الحضاري للدراما من خلال:
- إنتاج أعمال ملحمية تحاكي التاريخ الحقيقي لمصر: حضارة، جيش، مقاومة، علم، زعامة.
- قصص حقيقية من الواقع المعاصر لشباب ناجحين رغم الظروف، لنساء قياديات، لعائلات صمدت وتحولت.
- دراما تربط المصري ببلده وزمانه، تعيد إحياء الفخر والإنتماء والانتماء دون شعارات جوفاء.
- دعم الدولة للإنتاج الوطني الجاد الذي يجمع بين الفن والرسالة، ويكسر احتكار رأس المال الخاص للمحتوى.
✳️الأثر المتوقع: من جمهور مستهلك إلى شعب فاعل
حين يصبح الإعلام أداة تنوير، وتتحول الدراما إلى حافز وطني، يمكن أن نشهد:
- يقظة في العقل الجمعي المصري، تعيد تعريف النجاح لا كمادة، بل كقيمة وتأثير.
- ارتقاء في الوعي السياسي والاجتماعي، حيث يدرك المواطن دوره في الإصلاح، لا كمجرد مشاهد، بل كصانع للتغيير.
- استعادة الثقة بالذات المصرية التي كانت تقود وتبتكر وتُلهِم — لا تكتفي بالاقتداء والاستيراد
الإعلام المصري اليوم أمام فرصة تاريخية:
إما أن يستمر في إعادة تدوير المحتوى لمجرد البقاء، أو أن ينتقل إلى دور أكثر فاعلية في بناء الإنسان المصري الجديد.. وهذا لن يتحقق إلا بإعلام يوقظ، ودراما تحفّز، ورسالة لا تعرف المساومة على الهوية.