السبت, 26 يوليو, 2025 , 8:52 ص
الإعلام المدافع الأول عن الهوية الوطنية

د. وفاء الجندي تكتب: الإعلام خط الدفاع الأول عن الهوية الوطنية -الجزء الثاني-

تمر مصر اليوم بمرحلة فارقة من تاريخها، تتعدد فيها التحديات وتتداخل فيها الأخطار، سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو مجتمعية أو خارجية، مما يجعل من الضروري الوقوف بجدية أمام أدوات التأثير المجتمعي، وعلى رأسها الإعلام، بوصفه قوة ناعمة قادرة على التوجيه والتأثير وصياغة وجدان الأمة.

وفي هذا السياق، لا يمكن إنكار أن الإعلام المصري إذا أحسن استخدامه يمكن أن يشكل وعيًا جمعيًا قادرًا على مقاومة هذه التحديات ومجابهة ما يهدد القيم والثوابت والأخلاق والهوية.

أولاً: الإعلام كحامل للهوية الوطنية والدينية/

لطالما كان الإعلام المرآة التي تنعكس عليها شخصية الأمة، فإن أحسن الانعكاس أضاء الطريق، وإن شوهها أضلّ الجمهور. من هنا، ينبغي أن ينطلق الإعلام المصري من ثوابت الهوية المصرية المتجذرة في الحضارة والتاريخ والدين، ليحافظ على البنية الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع، ويواجه حملات التغريب والتفكيك التي تستهدف تفريغ المواطن من هويته وانتمائه.

ما المطلوب؟

المطلوب هو خطاب إعلامي واعٍ، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، لا يستحي من ثوابته، ولا ينزلق وراء موجات التهوين أو التفاهة أو التشكيك في كل ما هو راسخ. خطاب ينصر القيم، ويدافع عن الأخلاق، ويواجه المحتوى الهابط لا بالتجاهل، بل بالتفنيد والتوعية والتأصيل.

ثانيًا: التحديات الإعلامية في عصر الفوضى المعلوماتية

في زمن تتعدد فيه المنصات، وتتسارع فيه المعلومات، وتختلط الحقيقة بالشائعة، يصبح الإعلام التقليدي والرقمي مسؤولين معًا عن إعادة التوازن، من خلال التحقق، والتدقيق، والاشتباك مع القضايا لا الهروب منها، والتوجيه لا التحريض، والوعي لا التهييج.

فالإعلام المصري، خاصة في المرحلة الحالية، مدعو إلى كسر نمط “الاستقبال السلبي” الذي اعتاد عليه المتلقي، عبر إنتاج محتوى يُحفز على التفكير، والمساءلة، والعمل، لا الاستهلاك فقط. إذ إن الجمهور لم يعد متلقيًا فقط، بل شريكًا في صناعة الرأي، ما يحتم تطوير الخطاب الإعلامي ليواكب هذه التحولات.

ثالثًا: الإعلام والدراما الوطنية.. بوابة التأثير العميق/

تلعب الدراما، باعتبارها أحد أذرع الإعلام، دورًا شديد الخطورة في تشكيل الوعي الجمعي، خصوصًا في مجتمع يعيش جزء كبير منه على الصورة لا على الكلمة. الدراما الوطنية، حين تبتعد عن التكسب والتسويق للفساد، وتقترب من الإنسان المصري وقضاياه، قادرة على غرس مفاهيم الانتماء، والهوية، والمقاومة الأخلاقية، والوعي بالذات.

إن دراما تُمجّد قيم العمل والانضباط، وتُبرز نماذج من الوطنية الحقيقية، وتُعرّف الأجيال بتاريخ بلادهم وأبطالها الحقيقيين، هي أداة نهضة ثقافية. بينما دراما تسطّح الواقع، وتعبث بالقيم، وتستسلم للسطحية، فهي سهم مسموم في قلب الوعي.

رابعًا: استراتيجية العمل الإعلامي المطلوب

لا يمكن مواجهة التحديات عبر جهود فردية مشتتة، بل عبر استراتيجية إعلامية وطنية تتكامل فيها جهود الدولة، والمؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة، والمحتوى الرقمي المستقل، وتتأسس على:

1.توجيه المحتوى ليُعلي من شأن الهوية والثوابت ويعيد الاعتبار للقيم.

2.الرقابة الإيجابية التي لا تُمارس قمعًا، بل تُصحّح المسار دون مصادرة الحريات.

3.إشراك النخبة الواعية من المفكرين والعلماء ورجال الدين والفن والإعلام الحقيقيين.

4.تدريب الكوادر الإعلامية على مهارات التحليل، وتجنب السطحية والانسياق خلف الإثارة.

5.التخطيط الجماعي بحيث لا تتضارب الرسائل ولا تتكرر، بل تتكامل ضمن رؤية واحدة.

6.تشجيع المبادرات الفردية الواعية من خلال منصات التواصل، فالفرد اليوم قد يُحدث تأثيرًا كبيرًا.

خامسًا: الإعلام كجبهة دفاع وطني/

حين يعي الإعلام المصري مسؤوليته في هذه اللحظة الحرجة، فإنه لا يصبح مجرد ناقل للأحداث، بل شريكًا في رسم المصير. الإعلام في هذه المرحلة هو جبهة دفاع متقدمة، لا تقل أهمية عن أي مؤسسة سيادية. مقاومة الشائعات، كشف حملات الهدم، تثبيت روح الانتماء، التحذير من الفتن الطائفية أو الطروحات المشبوهة، هي جزء من معركة الوعي، التي يخوضها الإعلام إن أحسن موقعه.

إن المرحلة الحالية من تاريخ مصر تفرض على الإعلام أن يرتقي لمستوى اللحظة، وأن يكون على وعي بدوره التنويري لا الترفيهي فقط، وأن يتحول من ناقل للأحداث إلى صانع لتيار جمعي يعيد تشكيل الشخصية المصرية على أسس من الأخلاق والدين والعقل والوطنية. فالإعلام إن صلح، صلح وعي الناس، وإن فسد، فسد وجدان الأمة.

وهكذا، يصبح الإعلام المصري، بمختلف أشكاله، حصنًا منيعًا لا ضد الانحراف فقط، بل منارة تبني وعياً جمعياً جديدًا، قادرًا على مقاومة التحديات، وصناعة مستقبل يليق بمصر ومكانتها

 

 

اترك رد

%d