حوار |إيمان محمود
قبيل الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، ألقي القبض على الناشط السياسي محب دوس، بتهمة الانضمام لحركة تدعى “25 يناير”.
محب دوس، أثارت قضيته الرأي العام، ليس لأنه شابًا ناصريًا، أو لأنه كان عضوًا مؤسسًا بحملة “تمرد” التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي، ولكن أيضًا لإلقاء القبض عليه “ليلة عيده”.
س: كيف تم القبض عليك.. ولماذا؟
ج: ليلة 7 يناير، وعندما وصلت للكتدرائية المرقسية، بناء على دعوة من صديق صحفي في جريدة الفجر، تقدم نحوي أحد أفراد الأمن وقال لي “انت مطلوب، واحنا عايزين نتأكد انت الشخص المطلوب ولا لأ”، وبالفعل عرفت أنه أنا بالتأكيد من يبحثون عنه، وتم القبض علي لسبب لا أعرفه، ولا أعرف إذا تم القبض علي لأنني وجه معروف بالنسبة لهم ولاقتراب ذكرى 25 يناير، أم أنها كانت حملات قبض عشوائي في قضايا وهمية ملفقة.
س: أين تم احتجازك؟
ج: قوات الأمن اصطحبوني إلى قسم الوايلي، والذي مكثت فيه لـ5 أو 6 ساعات، ثم قاموا باصطحابي إلى “مكان مجهول”، وهو كان مجهولًا بالنسبة لي لأنهم عصبوا عيني أثناء الترحيل، ولكن أغلب الظن أن إحدى مقرات الأمن الوطني، ثم إلى نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، في مساء نفس اليوم، وبعد التحقيقات تم ترحيلي إلى قسم النزهة، وبعد 35 يومًا، تم ترحيلي إلى سجن طرة تحقيق، والتي كانت الأوضاع به أفضل.
س: هل قام أحد بإهانتك أثناء التحقيقات أو بعدها؟
ج: لم تحدث لي إهانات خلال التحقيقات، فيما عدا ما حدث في ذلك «المكان المجهول»، وكانت إهانات لفظية أو تهديدية بمعنى أدق، وأنا اعتبر تلك الإهانات انتهاك للكرامة والإنسانية أكثر من الضرب.
س: هل تعرض أحد من زملائك في نفس القضية للتعذيب؟
ج: أغلب الذين كانوا معي في الحبس لم يتعرضوا للتعذيب، ولكن ما يحدث عمومًا من إنتهاكات في السجون يكون بسبب أنه لا توجد لوائح قوية تحكم الوزارات، ولذلك لا توجد لوائح تحكم التعامل بين المواطن وبين أي موظف داخل جهاز إدارة الدولة.
ولكن كان هناك شاب محبوس في نفس القضية، يدعى محمد فياض، وهو مريض بالقرحة، ولا يتناول أي علاج داخل الحبس، وهو لايزال محبوسًا حتى الآن.
س: كيف كان يتعامل معكم مسؤولين الحراسة داخل السجن؟
ج: بسبب اللائحة التي تحدثنا عنها، فالتعامل يكون على حسب “النية”، فكان هناك مسؤولين حراسة يتعاملون معنا بشكل إنساني وآدمي ومنهم من كان يتعامل بعجرفة، ولا يفرق بين الجنائي والسياسي.
وأنا أذكر عندما تم ترحيلي لسجن الزهة، كان معظم المحبوسين معي متهمين بالانتماء لجماعة “الإخوان المسلمين”، فكان أغلب الظباط يعتقدون أنني أنتمي لجماعة “الإخوان المسلمين”، وكنت أوضح لهم أنني قبطي، ومن الـ5 المؤسسين لحملة تمرد، والجماعة المتهم بانتمائي لها هي “25 يناير”، ومستحيل أن تكون جماعة الإخوان.
س: هل تعرض أحد من أفراد أسرتك إلى إهانات أو تهديدات؟
ج: لا، ولكني علمت لاحقًا أن قوات الأمن داهمت منزلي، وقاموا بتفتيشه وتحريز كيسة كمبيوتر وقناعين فانديتا، كنت أحتفظ بهم من أيام الثورة.
س: ما التهم التي وجهتها النيابة لك أثناء التحقيقات؟
ج: في نيابة أمن الدولة العليا، تم توجيه تهمة الانضمام إلى “جماعة 25 يناير”، التي أسست على خلاف القانون وتهدد السلم والامن الاجتماعي، ولقد أنكرت طبعًا تلك التهمة لأنني لم أنتمي لجماعة بهذا الاسم، وإذا كنت أنتمي كنت سأعترف دون خوف، وأنا لا أعرف إذا كانت هناك جماعة أو حركة تسمى “25 يناير” من الأصل.
س: قلت أن الأوضاع في سجن “طرة تحقيق” كانت أفضل .. لماذا؟
ج: نعم، فقد كان معي أغلب الشباب المتهمين في قضايا سياسية، ولقد قابلت الكثير من النماذج التي أحسستني بالأمل والتفاؤل، رغم أنها كانت مأساوية إلى حد كبير، وأنا لاأقصد التعقيب على أحكام القضاء، ولكني حقًا أتعجب!! والأهم أنني قابلت صديقي، بعد غياب أكثر من عامين، أحمد دومة.
س: هل تذكر لنا بعض النماذج التي قابلتها في “طرة تحقيق”؟
ج: قابلت شابين، وهما بالصدفة قبطيين، وكانا بائعين ملابس على رصيف محطة رمسيس، وهم محكوم عليهم بـ6 أشهر، بعد محاكمة عسكرية، وذلك بتهمة بيع زي يشبه زي القوات المسلحة.
وآخر خطيب جمعة في الأقصر، تم اتهامه في إحدى القضايا التي اتهم فيها المعزول محمد مرسي، وقيل أن هذه القضية تم اتهام 129 شخص فيها وتم وضع اسمه في تلك القضية، وعندما علم ذلك بالصدفة، قرر أن يسلم نفسه لثقته أن العدالة ستبرئه، ولكنه فوجئ بالقبض بالتحفظ عليه بعد تسليم نفسه، الأمر الذي سبب الكثير من المشاكل لعائلته التي تقطع المسافة من الأقصر للقاهرة المسافة للاطمئنان عليه.
وطبعًا من أكثر من أتذكره، رغم أن الكثير نسى قضيته، هو محمود محمد، الصبي الذي تم القبض عليه بتهمة ارتداء “تيشيرت وطن بلا تعذيب”، والذي لا يستطيع استكمال دراسته وامتحاناته، والذي أطالب على الأقل بالسماح له باستكمال دراسته لكي لا يضيع مستقبله.
س: هل كان معكم شباب من جماعة الإخوان داخل الزنزانة؟ وكيف كنتم تتعاملون معهم؟
ج: نعم، كان هناك بعض الشباب من الصفوف الثانية والثالثة داخل سجن طرة، وكانوا يتميزون بالعجرفة الزائدة، التي جعلتهم ينكرون جميع جرائمهم وأخطاءهم التي لن نسامحهم عليها، ولكن هذا لم يمنعنا من التعامل معهم بشكل لائق، وبالتلاقي الإنساني.
س: هل انتاب هؤلاء الشباب حالة من اليأس والإحباط؟
ج: لا، ونحن دائمًا كنا متفائلين، وأغلب الأوقات كنا نجلس في الزنزانة، نغني أغاني ثورية للخال عبد الرحمن الأبنودي، والشيخ إمام، وأغاني متعلقة بالثورة والفقراء وفلسطين.
وكنا نتفاءل أيضًا بكل من يتذكرونا خارج السجون، فقد علمنا أن بعض الشباب المصريين في دول أخرى، أقامت تظاهرات تضامنًا مع قضيتنا، وهذا جعلنا نشعر أن الثورة مازالت بخير.
س: هل كنت تتوقع الإفراج عنك بعد 25 يناير؟
ج: نعم كنت أتوقع، لأنني أعرف أن سبب الدخول هو الخوف من جميع المختلفين كليًا وجزئيًا مع النظام الحالي، والذي فقد شرعيته الثورية بسبب ما قام به من أفعال.
س: هل هناك رموز سياسية أو إعلامية معينة دعمت قضيتكم؟
ج: أريد أن أشيد بموقف النائب هيثم الحريري، ابن المناضل أبو العز الحريري، الذي قدم مساءلة لوزير الداخلية على أسباب احتجاز الشباب في هذه القضية.
وبالطبع هناك الكثيرين وقفوا بجانبي، مثل بعض أعضاء حملة تمرد، والناشط والإعلامي، خالد تليمة، والعديد من الكتاب الذين ذكروا قضيتي في مقالاتهم، وأيضًا الحزب الناصري الذي فوجئت بتعليقه صوري بجانب صور جمال عبد الناصر، داخل المقر.