بقلم – وفاء الجندي
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلّت البشرية تتأرجح بين حلم السلام وشبح الصراع ،لكن السنوات الأخيرة أثبتت أن العالم يعود بخطى متسارعة إلى سباق تسلّح يذكّر بظلال الحرب الباردة هناك الولايات المتحدة، أوروبا، وخصومهم في الشرق؛ جميعهم يستعدون لزمن قادم يبدو أكثر قتامة من أي وقت مضى. أمريكا: عودة من بوابة السلاح// في واشنطن، تغيّرت اللهجة. فالحكومة الأمريكية الجديدة أعلنت بشكل واضح أن أولوية الأمن القومي تتقدّم على كل الملفات فالمساعدات الخارجية جرى تقليصها، فيما ضُخّت المليارات في برامج التسلّح والرؤوس النووية تُحدَّث، والمصانع العسكرية تُعاد تشغيلها بطاقة قصوى، والجيش الأمريكي يستعد لمواجهة طويلة الأمد والرسالة الأمريكية صارخة: “القيادة لا تُنتزع بالكلمات، بل بالقوة”. بريطانيا: جزيرة تتحوّل إلى رأس حرب// الأنظار انتقلت إلى لندن، المدينة التي ارتبطت بالديمقراطية والبرلمان العريق، صارت اليوم تعلن صراحة أنها تستعد للقتال فالحكومة خفّضت ميزانية المساعدات الخارجية وحوّلت الأموال إلى الدفاع، لترتفع نسبة الإنفاق العسكري من 2.3% إلى 2.5% من الناتج المحلي. ورغم أن الرقم يبدو صغيرًا، إلا أنه في اقتصاد ضخم مثل بريطانيا يعني مليارات إضافية…15 مليار جنيه استرليني خُصصت لتطوير الرؤوس النووية، منها 6 مليارات لتكديس الذخيرة، ومليار ونصف لإنشاء مصانع دائمة تنتج السلاح ليلًا ونهارًا وبرنامج الدفاع الاستراتيجي لعام 2025 قالها بوضوح: بريطانيا تريد أن تبقى قوة ضاربة، قادرة على الردع لعقود قادمة. وفي البرلمان، أكّد رئيس الوزراء كير ستارمر أن “الاستعداد ليس خيارًا بل واجب”. وبينما تساءلت المعارضة عن جدوى الأرقام، كان الشارع البريطاني ينقسم بين من يتذكّر رعب الملاجئ وصفارات الإنذار، ومن يرى أن السلاح النووي هو الضمان الأخير للسلام. أوروبا: القارة تعود إلى ذاكرة الحرب// المشهد لا يتوقف عند بريطانيا هناك أوروبا بأكملها تدخل سباق التسلّح فالمفوضية الأوروبية أعلنت خطة تاريخية بحجم 800 مليار يورو لتقوية الصناعات الدفاعية، في سابقة لم يعرفها الاتحاد الأوروبي من قبل. ولا ننسي بالذكر بولندا التي تتصدر المشهد، إذ تنفق 4.7% من ناتجها المحلي على الجيش، متفوّقة على جميع جيرانها. دبابات أمريكية، مدرعات كورية جنوبية، وطائرات مقاتلة حديثة تُغذّي جيشها الذي صار “جدار أوروبا الشرقي”. الدنمارك رفعت إنفاقها إلى 3%، السويد تخلّت عن حيادها وانضمت للناتو بميزانية دفاع 2.4%. حتى إسبانيا البعيدة عن الجبهة وضعت خطة لجيش ضخم بحلول 2029، وبلجيكا الصغيرة بدأت تبني قدراتها العسكرية من جديد. فالقارة التي بُشرت يومًا بمشروع الوحدة والسلام، تعود اليوم إلى أجواء الحرب الباردة، حيث المصانع تعمل بلا توقف، والشركات العسكرية تزدهر، والذخيرة تُكدّس تحسّبًا لساعة الصفر. الشرق: صعود تحالف النظام الجديد// لكن الغرب ليس وحده. في الشرق يتشكّل تحالف جديد، يرفع شعار “النظام متعدد الأقطاب”.
•الصين: قوة اقتصادية هائلة، تسابق الزمن عسكريًا.،وأسطولها البحري يتمدد من بحر الصين إلى المحيط الهندي، وصواريخها تُختبر بوتيرة متسارعة، وبرامجها الفضائية تحمل أبعادًا عسكرية واضحة. •روسيا: رغم حرب أوكرانيا والعقوبات، لم تنهَرم والجيش أعاد ترتيب صفوفه، وبوتين يقف بثقة إلى جانب قادة الصين والهند مؤكدًا أن “الحرب جعلتنا أقوى”.
•الهند: الدولة السكانية الكبرى لم تعد متفرجًا،رئيس وزرائها مودي يظهر بجانب بوتين وشي، مرسخًا شراكة استراتيجية تضع نيودلهي في قلب النظام الجديد. ٠كوريا الشمالية: تدخل المعادلة بتجارب صاروخية شبه أسبوعية، وتلويح دائم بالرؤوس النووية، لتعلن ولاءها الكامل للمعسكر الشرقي. هكذا يتكوّن مشهد دولي جديد: نصف سكان العالم تقريبًا تحت مظلة هذا المعسكر، وقوة عسكرية واقتصادية تتحد لمواجهة الغرب. العالم على الحافة// بين واشنطن ولندن، بين وارسو وبكين، تتسارع الأحداث. مصانع السلاح لا تهدأ، التحالفات تتشكل، والخطابات السياسية تزداد صلابة،،،العالم يعيش مقدمات صراع كوني جديد؛ البعض يتمنى ألا يقع، والبعض الآخر يكاد يجزم أنه بات حتميًا. والسؤال الذي يخصنا – أين سنكون من هذه الحرب التي باتت وشيكة الحدوث لا محالة؟! هل سيكون مصيرنا التشرذم والذهاب الي مهب الريح ؟! أم سيظهر من بيننا من يوحد صفوفنا ويلم شملنا؟ إن الأمر جد خطير ويحتم علينا الاستعداد