بقلم الكاتب الإماراتى / أحمد إبراهيم
لا أدري كم عربيّ غرّدها للصينيين أنشودة (الصّين لنا ) وكم صينيّ أعادها للعرب بتغريدة (العربُ لنا ) ؟ .. أنا لا أعرف الأعداد، فلن أجزمها بأرقام وإحصاءات .. إلا، أنّ أرقاماً تفرض نفسها منذ الأزل على الشعبين العربي والصيني في المحيطين، حيث الجزيرة العربية مدويّةُ من الجانب العربي منذ 1400عام بصوت يأمر بإلغاء المساحات، بتلك الرسالة الأولى (أطلبوا العلم ولو في الصين) .. وما هى الإ دعوةٌ للتقارب من الجانب العربي بالتسامح والتعاون مع الجوانب كلها.
في حين ما نسمعه هذه الأيام من الأصوات بالجانب الصيني بما يسمى (طريق الحرير)، ما هى إلا صدى لصوت مدون في تلك السجلات التاريخية القديمة، تعود جذورها إلى الخطوط الأولى لطريق الحرير السالك على الجانبين منذ أكثر من 2000عام بالتواصل الإجتماعي والتبادل التجاري وتوطيد الصداقات والعلاقات بين الشعبين، وعلى الرغم من بُعد الصين عنا ما يقارب من 6000 كيلومتر، إلا أن المسافات لم تكن عائقا أمام من يتخطّى الخُطى بالرأي والرُؤى من جيل إلى جيل.
وفي السياق والسباق، ونحن نغرّد بالأرقام والتواريخ، لنا وقفة تأمل على رقم 100، رقمُ محطّة التوقف والإنطلاق، إذ أنعم الله على المنطقة قبل مئة عام بولادة زايد بن سلطان آل نهيّان، رجل المحبّة والسلام، رجل التسامح والتآزر والوئام، فكان يخطط في صولاته وجولاته الداخلية بين السواحل والبرور ولو من على ظهر النوق والجمال وهو يتلمّس مياه الفلج والشواطئ باليدين، ويفكر فيما وراء البحار متسائلا:” ياترى ماذا يوجد في الخارج فنجلب للداخل ما ينقصنا .. وما ينقصهم في الخارج فنمنحهم ما يحتاجونه بجود وسخاء بما أكرمه الله علينا، وتلك كانت الرؤية والرُؤى لدولة فتيّة صغيرة المساحات قويّة الطموحات”
الرؤية الإماراتية للصين ليست وليدة اليوم، ولا الزيارة الرابعة لمحمد بن زايد للصين ستكون هى الأخيرة وإنما، هى تأكيد على الإستمرار الممنهج منذ 35 عاماً عندما وضع زايد بن سلطان اللبنة الإماراتية الأولى خلف جدار الصين وفي البرّ الصيني برفع عَلَم الإمارات خفّاقا يرفرف فوق مباني السفارات والقنصليات في المدن والمحافظات الصينية ليست على إمتداد البرّ الصيني من شنغهاي وبكين وقوانزو وغيرها فحسب، وإنما أيضا على إمتداد سواحلها البحرية الممتدة إلى جزيرة هونغ كونغ..!
ما يريده محمد بن زايد الإبن اليوم هو ما أراده زايد بن سلطان بالأب والمؤسس بالأمس، فبالأمس أرادها زايد بتوسيع الرقعة العامرة الخضراء من الداخل من إمارة واحدة الى إمارات سبع .. وأرادها بتقريب المسافات مع الخارج، إذ بدأت العلاقات الدبلوماسية مع الصين عام 1984، فكان إفتتاح سفارة الإمارات في بكين 19 مارس 1987، والقنصلية العامة في شنغهاي فى 6 يونيو 2009، وقنصلية أخرى في قوانجو فى 13 يونيو 2016.
وبالمقابل ردت الصين على التحية الإماراتية بالتي هى أحسن، وافتتحت سفارة جمهورية الصين الشعبية بأبوظبي في أبريل 1985 وقنصليتها العامة بدبي في نوفمبر 1988، فقام الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه بتتويج نموّ هذا النسيج الإماراتي الصيني، بزيارته التاريخية لجمهورية الصين الشعبية عام 1990
محمد بن زايد يبحث اليوم عن أصدقاء العرب لا عن أعداء العرب، فما أكثر هؤلاء الأعداء بيننا وما أقربهم منا، إلاّ أنه في زيارته للصين يريد الحرص والتأكيد على تقريب المساحات بين الأقاليم والقارات، ويريد التأكيد على أن الأمن والإرهاب عنصران لايلتقيان، نقيضان لايجتمعان، نحن مع الصين في البناء والتعمير، ومع الصين ضد العنف والإرهاب، ومتأكدون أن بكين وباريس ولندن وغيرهم معنا في حرية الملاحة وسلامة النقل البري والبحري والجوي في كل الأقاليم والقارات.
محمد بن زايد لايقوم بجميل قدرما يقوم بردّ الجميل، الكل يعلم أن الرئيس الصيني الحالي (شي جين بينغ) هو الرئيس السابع لجمهورية الصين، وقد تم انتخابه رئيسً مدى الحياة، فأختار هو الآخر دولة الإمارات وجهته الخارجية في جولته الأولى خارج الصين قبل عام، وبين أبوظبي ودبي كانت له جولات مكوكية قصيرة خرج منهما بقرارات “السمة المشتركة الصينية الإماراتية” إستراتيجيا لوجستيا سياسيا وإقتصاديا
ومن أبرز تلك القرارات ما نشره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حفظه الله في تغريدته قبل أيام بأن الصين ستتخذ الموانئ الإماراتية محطة إنطلاق وإعادة التصدير لما يقارب 80% من صادراتها عبر الطريق الحرير لمدة 100 عام.