بعد شهور من واقعة التحرش الجماعي في كولونيا، والتي هزت الرأي العام الألماني ومازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن؛ شهدت كولونيا اعتداء جماعيا من نوع آخر عندما تحول حفل في مدرسة ثانوية إلى أعمال عنف أسفرت عن إصابات بليغة.
عاد الحديث عن العنف في مدينة كولونيا ليتصدر عناوين الصحف الألمانية مجددا، بعدما أصيب طالبان على الأقل بجراح خطيرة في أعمال شغب جماعية وقعت في حفلة ما قبل امتحانات التخرج من الثانوية العامة (الباكالوريا) بإحدى المدارس في المدينة، شارك فيها مئات من الطلاب المقبلين على التخرج، كما جرت عليه العادة في ألمانيا.
فمنذ سنوات دأب الطلاب المقبلون على التخرج من الثانوية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل ترتيب "هجمات" على مدراس منافسة لمدارسهم، في إطار من المزاح والتسلية. وبالمقابل يلعب طلاب المدارس المستهدفة دور المدافعين عن أنفسهم ويردون على الهجمات باستخدام مسدسات مائية وبالونات الألوان. لكن خلال السنوات الأخيرة بدأت هذه المواجهات تتخذ بعدا عنيفا وسط مطالب أساتذة المدارس والشرطة للطلاب بضبط النفس وعدم تحويل هذه الاحتفالات إلى أمور أخرى.
"مفرقعات وحجارة في حفل مدرسي"
رغم ذلك تحولت إحدى هذه الاحتفالات إلى مأساة عندما تعرض طالبان لجراح خطيرة ليلة الإثنين- الثلاثاء، بعدما حاولت مجموعة كبيرة من الطلاب اقتحام مدرسة "هومبولت" الثانوية في كولونيا. وحسب شرطة المدينة، اتضح من جراح الطالبين أنه تم استعمال مفرقعات وزجاجات. أحد الضحيتين تعرض لكسر بينما أصيب الآخر بجرح على وجهه وكلاهما يبلغ من العمر 18 عاما.
وبناء على معلومات الشرطة فإن حوالي 200 طالب من مدارس أخرى تورطوا في هذا الاشتباك. وقد استنكرت مجموعة من طلاب ثانوية "هومبولت" على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأحداث وتبرأت منها، وكتب أحد الطلاب:"لقد تطورت الأمور، وذهبت بعيدا جدا عما كان يفترض، إذ تم قذفنا بقوارير زجاجية ومفرقعات وبيض وحجارة."
وكانت الشرطة قد ضبطت مضارب "بيسبول" وكميات من المخدرات يعتقد أن بعض الطلاب استخدموها في الأيام السابقة كما تقول الشرطة. وفي محاولة منها للحد من هذه الاعتداءات، قررت سلطات مدينة كولونيا تعزيز حضور عناصر الشرطة قرب المدارس.
أحداث التحرش مازالت حاضرة
أحداث ثانوية "هومبولت" طرحت نقاشا حول أسباب انتشار العنف بشكل كبير في صفوف الشباب في كولونيا. علما بأن هذا النوع من الاعتداءات ليس جديدا على كولونيا. حيث وقع تصعيد أيضا أثناء احتفالات مشابهة في عام 2013 خلف أضرارا كبيرة قبل أن تتدخل الشرطة. لكن أحداث التحرش والسرقة الجماعية التي تعرضت لها نساء في ليلة رأس السنة في محيط محطة القطارات الرئيسية في المدينة، فتح النقاش بشكل أكبر حول ظاهرة انتشار العنف في أوساط الشباب.
ومازالت تداعيات تلك الأحداث مستمرة في ألمانيا، خاصة في ظل قيام وسائل إعلام بربطها بشكل رئيسي بأزمة اللاجئين، التي هي أيضا موضوع يثير الجدل في ألمانيا. وكانت الشرطة قد نشرت معلومات تفيد بأن المتورطين في هجمات رأس السنة ينتمون إلى بلدان من شمال إفريقيا بالإضافة إلى سوريين وعراقيين ومهاجرين من جنسيات أخرى. وقد تم استخدام تلك الأحداث من قبل جهات معينة لمهاجمة سياسة اللجوء (الباب المفتوح) التي تنتهجها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
واعتبر حادث التحرش الجماعي في رأس السنة سابقة في ألمانيا، إذ لأول مرة تتعرض نساء في مكان عام للتحرش والسرقة من قبل أعداد كبيرة من المعتدين. ووصلت حدة الانتقادات والضغوط، التي خلفتها هذه الأحداث إلى حد سن قانون يشدد إجراءات اللجوء ويسهل طرد اللاجئين، الذين يثبت تورطهم في جرائم جنائية.
وفي أحدث التطورات المرتبطة بهذا الموضوع صادق مجلس الوزراء الألماني الأربعاء (16 آذار/ مارس 2016) على مشروع قانون يشدد عقوبة الاعتداءات الجنسية ويسهل إدانة الجاني. ليشمل أيضا الحالات التي لا تلجأ فيها الضحية إلى القوة لصد الاعتداء الجنسي. وفي هذا السياق قال وزير العدل الألماني هايكو ماس "إن أحداث احتفالات رأس السنة في كولونيا بينت للكثير من المرتابين مدى أهمية حماية الإرادة الجنسية."