الأحد, 19 مايو, 2024 , 12:44 ص

د. حسن صابر يكتب عن ضعف القوة وضعف البصيرة

 

ماذا يمنع ترامب من الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ؟ ماذا يمنعه من عدم الإكتراث بالتحفظات الأوروبية ، أو حتى قلق وزارة خارجيته الأمريكية ؟ بل ماذا يمنعه من تجاهل كل الإحتجاجات والإعتراضات التي انطلقت في فلسطين وفي العالم العربي والعالم الاسلامي ؟ وهل لازال هناك عالم عربي أو إسلامي ؟ بل هل لازالت هناك فلسطين ؟

أسئلة تسهل الإجابة عليها بنظرة متفحصة لما يحدث حولنا في العراق وسوريا وليبيا واليمن والخليج العربي وفلسطين . . لا أريد أن أستفيض في الإجابة لأنكم كلكم تعرفونها ، وليس عندي جديد أضيفه لما تعرفونه . . نعم . . الصورة سوداء بعد إعتراف أكبر وأقوى دولة في التاريخ بالقدس عاصمة لإسرائيل . . لكن أليس هناك شعاع من أمل ؟ هل إنتهت أحلامنا في عودة فلسطين ؟ ألا يوجد شعاع من الضوء وسط هذا الظلام ؟ إذا لم نستطع رؤية الضوء فلنشعر بحرارته على الأقل ، ولنحول المحنة إلى مكاسب ، ليس بالبيانات الحماسية ، وليس بالمظاهرات الحاشدة ، وبالتأكيد ليس بمصارعة مستعمر قوي دون توافر عنصر التوازن بين قوته وقوتنا ، وإلا أصبح الأمر إنتحاراً أو ما نسميه إستشهاداً ، الحذر ليس جبناً ، كما ان التهور ليس شجاعةً . . وأقول للإنتحاريين والفدائيين الشجاعة التي نريدها ونُكَافَئُ عليها ليست شجاعة الموت بطريقة مشرفة ، بل شجاعة الحياة برجولة . . لقد جربنا من قبل الحروب ، وجربنا الخطب الحماسية ، والمظاهرات ، والإنتفاضات ، والعمليات الإنتحارية ، فماذا كانت النتيجة ؟ إزددنا ضعفاً وتفككاً ، وإزداد عدونا قوة وتماسكاً . . إبتعدنا كثيراً عن تحقيق آمالنا ، وإقترب عدونا كثيراً من تحقيق آماله . . ما كان متاحاً لنا في السابق أصبح محالاً في الوقت الحالي . . الغبي الذي لا يدرك ضعفه ، سيزداد ضعفاً . . إذن ما هو الحل ؟ ألا يجدر بنا أن نجرب حلولاً جديدة . . فلسطين ضاعت وإستوطنها مستعمر صهيوني . . إذن هذه هى مشكلتنا بالتحديد . . وعلينا أن نتقبل هذا الوضع الذي فرضته علينا موازين القوي العالمية ، ثم بعد ذلك نحاول إصلاح ما يمكننا إصلاحه ، والإصلاح لا يكون بوسائل جربناها سابقاً وفشلت ، بل علينا أن نطرق أبواباً جديدة للحل . . وقبل أن نفكر في هذه الطرق علينا أولاً أن نتلمس شعاعاً من الأمل ، فهل هناك أمل بعدما حدث . . أقول نعم . . طالما أن الله موجودٌ فهناك أمل . .

1- قرار الرئيس الأمريكي هو قرار يخص أمريكا وإسرائيل فقط وليس ملزماً لغيرهما .

2- توحدت غالبية دول العالم مع الحق الفلسطيني سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة .

3- إرادة الدول لا تخضع للتهديدات ، ولا تشترى بالمال .

4- إتفقت كل دول العالم العربي والإسلامي على شئ بعد طول تناحر وخلافات بين بعضها مصر والسعودية والإمارات والبحرين من ناحية مع وتركيا وإيران وقطر من ناحية أخرى . . إتفقت كلها على الوقوف معاً ضد القرار الأمريكي . . لعلها بادرة خير لإنهاء ما بينهم من فرقة وخلاف .

5- موقف الدول القوية في غرب أوروبا كان موقفاً مشرفاً إلى جانب الحق ومتحدياً للإدارة الأمريكية بل يمكن أن يكون متمرداً على الخضوع لأمريكا .

6- موقف روسيا والصين واليابان والهند وباكستان وماليزيا وإندونيسيا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية إزداد صلابة في تأييد الحق العربي والإسلامي .

7- كذلك فإن الدول الهامة في أمريكا اللاتينية – باستثناء الأرجنتين ـ إستمرت في مواقفها التقليدية بعدم الخضوع لأمريكا وإستقلالية قراراتها في نصرة الحق العربي .

8- أهم الدول الأفريقية رفضت القرار الأمريكي بخصوص القدس ، وأيدت القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة .

هذه النقاط كلها تشكل أملاً لنا حتى ولو كان ضعيفاً باهتاً ، فهل نملك شجاعة تحويل المحنة إلى مكاسب . .

كذلك يتوجب علينا أن نتفكر في النقاط الآتية :

1- نفكر بطريقة مختلفة تجاه أمريكا ورئيسها . . علينا أن نتخلى عن التهجم والشتائم ، ونتعامل كقوم محترمين متحضرين . . لابد لنا أن نفهم شخصية الرئيس الأمريكي ترامب وندرك أنه يختلف عمن سبقوه من الرؤساء الأمريكيين . . علينا أن ندرك أن عالم اليوم لا تحكمه سوى المصالح ، ولا مكان فيه للعاطفة أو للأخلاق أو للمبادئ أو للدين ، ولا مكان فيه للتاريخ والجغرافيا . . فقط المصالح . . فهل يظهر بيننا عبقريٌ إقتصادي أو عربيٌ من أثريائنا يدلنا على كيفية إنشاء مصالح مشتركة بيننا وبين أمريكا ودول أوروبا القوية الغنية . . لا يمكن أن تستمر العلاقة بيننا وبين هذه الدول على أساس من الإحترام المتبادل إن كنا نحن الطرف الذي يمد يده دائماً ليتلقى المعونات والهبات ثم بعد ذلك نتكلم عن الكرامة ، ولا يمكن أن نكون نحن فقط الطرف الذي لا يستطيع حماية نفسه ويعتمد على الدول القوية لتقدم له الحماية ، ثم لا نصدر للعالم بعد ذلك سوى الإرهاب .

2- يجدر بنا أن نبحث بهدوء دون عصبية عن الأسباب التي دعت دول أوروبا الشرقية بالإجماع إلى عدم التصويت والامتناع عن الموافقة على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة . . حتى البوسنة والهرسك الدولة الإسلامية إمتنعت عن التصويت . . وكنا نحسب أن هذه الدول تؤيد الحق الفلسطيني قبل أن تسقط الأنظمة الشيوعية التي كانت تحكمها ، لكنها تحولت الآن تحولاً سلبياً .

3- ونفس الموقف بالنسبة للأرجنتين التي لا ننسى الخطب الحماسية لرئيستها في الأمم المتحدة وتأييدها للحق الفلسطيني ، فماذا حدث ؟

4- كما أن المفاجأة الكبرى كانت في موقف توجو الدولة الأفريقية الصديقة التي لم تكتف بعدم التصويت مثل الدول الخمس والثلاثين ، بل إنضمت إلى قائمة التسع دول الرافضة للقرار .

5- ما هى الأسباب التي أدت إلى هذا التغير في المواقف السياسية . . أسئلة يجب ألا نتسرع في الإجابة عليها ، ولابد أن تشكل الدول العربية والإسلامية أو جامعة الدول العربية فريقاً بحثياً يشمل جميع التخصصات الديبلوماسية والإقتصادية والثقافية ، على أن يتولى هذا الفريق الإتصال بالدول الصديقة التي إمتنعت عن التصويت لمعرفة أسباب هذا التحول .

6- علينا ألا يصيبنا الإحباط من موقف جواتيمالا التي قررت نقل سفارتها إلى القدس تشبهاً وتأييداً لموقف أمريكا . . جواتيمالا دولة صغيرة تقع في أمريكا الوسطى بين قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وتحدها المكسيك من الشمال ومن الشمال الغربي . . يبلغ عدد سكانها 15.8 مليون نسمة أي أقل من عدد سكان مدينة القاهرة . . وهى من الدول التسعة التي رفضت قرار الجمعية العامة ، وبالتالي ليست مفاجأة أن تنقل سفارتها إلى القدس ، وعلينا أن نتوقع نفس الموقف من بقية الدول التسعة التي رفضت القرار ومنها توجو وهندوراس .

وأعود لموقف الرئيس الأمريكي ترامب ، فهذا الرجل هو رجل أعمال وإقتصاد ، وبعقلية رجل الأعمال وصل إلى رئاسة أقوى دولة في العالم . . رجل الأعمال لا يحب الخسارة ، ولا يعرف إنتماءاً إلا للمال والمكاسب . . ليس عليه إلتزامات معنوية أو مادية أو أخلاقية تجاه المتنافسين في أمريكا سواء كانوا جمهوريين أو ديموقراطيين رغم أنه ينتمي إلى الحزب الجمهوري وكان مرشح هذا الحزب في إنتخابات الرئاسة الأمريكية ، كذلك ليس له ولاء نحو أي طرف من أطراف الصراعات العالمية ، سواء أكانوا إسرائيليين أم فلسطينيين ، عرب خليجيين أم إيرانيين ، باكستانيين أم هنود ، كوريين جنوبيين ويابانيين أم كوريين شماليين . . قدم آراءاً وتوعّدَ بوعودٍ أثناء حملته الإنتخابية ، وبدأ في تنفيذ آرائه والوفاء بوعوده منذ اليوم الأول لتقلده مهام الرئاسة علي النحو الآتي :

1-قبل ترامب نقلت الشركات الأمريكية مصانعها الى دول ترخص فيها أسعار الأيادي العاملة الماهرة كالصين والهند مما عمق من مشكلة البطالة في أمريكا ، فهددهم ترامب أثناء حملته الإنتخابية بزيادة الضرائب عليهم لتصل إلى 30 % إن لم تعد هذه المصانع إلى أمريكا ، وذلك من شأنه زيادة أسعار منتجات هذه المصانع فيتعثر تسويقها بعد فقدانها للقدرة التنافسية مع منتجات الدول الأخرى ، وكعادته لم يكن يهدد بل نفذ تهديده عندما تسلم مقاليد الرئاسة ، فعادت غالبية المصانع إلى أمريكا ، وتبعاً لذلك إنخفضت مشكلة البطالة .

2- أعلن خلال حملته الإنتخابية أن السعودية ودول الخليج العربي لابد أن تدفع ثمن الحماية الأمريكية لها ، وكان يقارن بين فخامة مطاري دبي والدوحة والحالة المزرية لمطار جون كينيدي بنيويورك ، وتساءل كيف تكون هذه مطارات اكبر واغنى دولة في العالم وهى امريكا بينما المطارات الخليجية تتباهى بأناقتها . . ولم يتأخر كثيراً ففي خلال سنته الأولى بالحكم تمكن من الحصول على ما يقرب من نصف تريليون دولار وهى قيمة صفقات سلاح يعلم الله إن كانت تساوي هذا المبلغ ، وهل تحتاجها فعلاً دول الخليج ، ومتي ستتسلم هذه الأسلحة ، وماذا يترتب عليها من نفقات إضافية لتدريب الخليجيين عليها وصيانتها ، وهل هذه الصفقة هى آخر ما يتوجب على دول الخليج دفعه أم أنها الدفعة الأولى فقط . . وبالطبع كان لابد من إثارة ذعر الدول الخليجية من إيران لتنفيذ هذه الصفقة ، فعمد ترامب إلى استفزاز إيران وهدد أكثر من مرة بإلغاء الإتفاقية النووية معها والتي وقعها ودافع عنها سلفه الرئيس باراك أوباما ، وكالتاجر الشاطر كلما إزدادت تهديداته لإيران ، كلما أعلنت إيران عدم التزامها بالشروط التي فرضت عليها ومنها عدم تخصيب اليورانيوم المشع في الطريق لصنع القنبلة النووية والرؤوس النووية التي تحملها الصواريخ ، وبالتالي يزداد فزع الدول الخليجية فتندفع أكثر طاعة نحو أمريكا طلباً للحماية ، وتنفذ ما يطلب منها . . وأذكر أنني كتبت مقالاً توقعت فيه أن ترامب لن يلغي الاتفاق النووي مع ايران ، لأنه يستخدم التهديدات الإيرانية في إبتزاز دول الخليج .

3- كذلك أعلن خلال حملته الإنتخابية أن اليابان وكوريا الجنوبية يجب أن يدفعا ثمن الحماية الأمريكية ، وانتقد الرؤساء الأمريكيين السابقين له ، والذين لم يبخلوا بحماية هذه الدول مجاناً دون ثمن . . وبالفعل نفذ ما وعد به وخلال السنة الأولى من حكمه . . كيف ؟ اتبع نفس الطريقة التي إتبعها مع الدول الخليجية عندما استفز إيران مصدر الخطر الأول على الخليج ، فقد استفز كوريا الشمالية ليطلق رئيسها تهديدات عنيفة لليابان وكوريا الجنوبية ، واستمر ترامب في اشعال فتيل التهديدات لكوريا الشمالية حتى ظن البعض أنه مجنون أوصل العالم إلى حافة الهاوية ، وأنها مسألة وقت قصير حتى تبدأ الحرب الكونية الثالثة والمدمرة للعالم كله ، فإندفعت كوريا الجنوبية واليابان إلى أمريكا طلباً للحماية من تهديدات كوريا الشمالية ، وإشتريتا المظلة الحديدية من أمريكا والتي يبلغ سعرها حوالي 750 مليون دولار .

هل تصدقون أن إيران وكوريا الشمالية مصدرا خيرٍ لأمريكا ؟ فكيف تضربهما أمريكا ؟ بالتأكيد فإن مخططي السياسة الأمريكية لا ينقصهم الذكاء الذي نحتاجه نحن .

4- وبنفس طريقة ترامب ، فإن بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي طالبوا بوقف المعونة الأمريكية عن مصر والتي تبلغ مليار وثلاثمائة مليون دولار سنوياً ( 1.3 مليار دولار / سنوياً ) وذلك للأسباب الآتية حيث زعموا إخفاق الحكومة المصرية في توفير الحماية لأقباط مصر من الهجمات الإرهابية المتصاعدة ضدهم وضد كنائسهم ، والتي أوقعت بينهم الكثير من الضحايا ، كما شككوا في كفاءة القوات المصرية في التصدي للإرهابيين  ، وأعربوا عن قلقهم لعدم وجود إستراتيجية مصرية واضحة لمحاربة الإرهاب

5- كذلك أعلن الرئيس ترامب أمس أن أمريكا قدمت 33 مليار دولار لباكستان ، ثم تساءل ماذا قدمت باكستان لأمريكا وللعالم سوى الإرهاب والكذب والخداغ ، بل قدمت المأوى لزعماء الإرهاب . . وكانت أمريكا في السنين الماضية تشكل حلفاً مع باكستان ضد تحالف الهند مع روسيا ، إلا أن أمريكا استقطبت الهند التي أصبحت من حلفائها . . ترامب إنقلب على باكستان ، لأنه لا يهمه سوى المال ، ولا يعبأ بما يسمى بضرورة أمن قومي للولايات المتحدة تخسر بسببه المليارات من ثرواتها ، وقد نفت باكستان حصولها على 33 مليار دولار كما إدعى الرئيس ترامب ، وقال زعماؤها أن مجموع المساعدات الأمريكية لها بلغ 13 مليار دولار فقط وليس 33 مليار دولار .

6- هدد ترامب بوقف المساعدات الأمريكية لفلسطين والتي تبلغ 300 مليون دولار سنوياً ، ولوكالة الأونروا ( وكالة غوث اللاجئين ) والتي تبلغ 750 مليون دولار سنوياً ، إذا إستمر الفلسطينيون في رفضهم العودة للمفاوضات مع إسرائيل ، وأعتقد أنه سينفذ ما هدد به ، فهو دائماً ينفذ تهديداته طالما أنه يوفر المال الذي يخرج من خزينة بلاده .

7- إنتقد ترامب الحروب التي خاضتها أمريكا وإرسال الجنود الأمريكيين ليحاربوا ويموتوا على أراضي أجنبية بعيدة عن وطنهم ، وكان إنتقاده على الأخص شديداً للغزو الأمريكي للعراق لأسباب إتضح فيما بعد عدم تواجدها . . ويمكننا أن نستنتج أن ترامب لن يرسل بسهولة جيوشه لتقاتل خارج أمريكا كما فعل أسلافه من الرؤساء الأمريكيين ، وليس ذلك لأسباب أخلاقية بل لأن الحروب ستكلفه أموالاً كثيرة !

8- إنتقد برنامج التأمين الصحي ” أوباما كير ” Obama Care وأعلن أن أول قرار سيتخذه عندما يصبح رئيساً هو أن يلغي هذا البرنامج ، وبالفعل نفذ قراره دون أي تردد .

9- هدد بإنسحاب أمريكا من إتفاقية باريس للمناخ ، ونفذ تهديده بمجرد توليه مهام الرئاسة في أمريكا . . وذكر ترامب أن الاتفاقية ظالمة لأقصى حد ، وأنها تضعف الولايات المتحدة ، وتعطي مزايا اقتصادية لدول أخرى تعد الأكثر إصدارا للتلوث ، معتبرا أن الاتفاقية أعاقت قدرات الولايات المتحدة الاقتصادية ، وكلفتها مليارات الدولارات ، وتزيد التكلفة على الشعب الأمريكي ، وتعهد ترامب بالخروج من أي اتفاقية ” لا تضع أمريكا أولا “.

10- هدد كذلك بإنسحاب أمريكا من إتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي مع حلفاء من بينهم اليابان وماليزيا وأستراليا ونيوزيلاندا وكندا والمكسيك ، وبالفعل نفذ تهديده ، وكانت الرسالة التي أرسلتها واشنطن لحلفائها في آسيا وعلي رأسهم اليابان هي أن امريكا ستعطي الأولوية لأوضاعها الداخلية ومصالحها الوطنية ، حتى لو ترتب على ذلك حدوث خسائر استراتيجية لامريكا والغرب عموما ، فالخاسر الأكبر من انهيار إتفاقية الشراكة عبر الباسفيك هو اليابان ، بينما المستفيد الأول هو الصين التي كانت الإتفاقية موجهة أساسا للحد من نفوذها الإقتصادي والأمني في المنطقة ، وبالتالي فإن انسحاب امريكا من الإتفاقية سيترتب عليه تداعيات ليست فقط تجارية وإقتصادية ، بل أمنية وسياسية أيضاً .

11- إتخذ موقفاً معادياً لدولة الإتحاد الأوروبي وقدم الدعم والتأييد لبريطانيا عندما إنفصلت عن هذا الإتحاد .

12- أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) اعتبارا من ‪31 ‪كانون ‪الثاني/ديسمبر /2017 ، وذلك لمعاداتها لإسرائيل كما جاء في بيان وزارة الخارجية الأمريكية .

13- وصف ترامب حلف شمال الأطلسي «الناتو» بالحلف الذي عفا عليه الزمن ! وبالتأكيد أحدث ذلك حالة من الذعر لدى الحلفاء الأوروبيين وغيرهم !

14- وتعهد ترامب أيضاً بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ليكسب رضاء يهود أمريكا وهم الذين يشكلون النخبة السياسية القوية في أمريكا . . وبالفعل نفذ ما وعد به في نهاية 2017 ، ويبدو أنه كان موعداً تم الاتفاق عليه مع بنيامين نتنياهو أثناء زيارة ترامب لإسرائيل قادماً من السعودية بمناسبة مرور مائة عام على وعد بلفور الذي صدر في نوفمبر عام 1917 .

اذن لم يكن إعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل مفاجئاً لي . . فهذا الرجل يرى العالم من خلال ثقب في ورقة الدولار . . لا يرى سوى المال . . لا يرى سوى مصلحته الشخصية ثم مصلحة أمريكا . . إذا وعد فإنه يفي بوعده . . لا توجد لديه إلتزامات أخلاقية أو دينية أو مذهبية أو عرقية . . إلتزامه الأول والوحيد هو المال . . نحن أمام نوعية جديدة من الرؤساء الأمريكيين ، وعلينا أن نغير طريقة تعاملنا معه ، ونتعامل معه على طريقته . . لقد وعد بحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية ، وطالما وعد فسينفذ وعده كما فعل في وعوده الأخرى التي وَفَّىٰ بها ، ومعاداته ليست في مصلحة الفلسطينيين . . علينا أن نتعامل معه . . ولست مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن حين قال أن أمريكا ستكون خارج لعبة الحل والمفاوضات مع إسرائيل لأنها ما عادت الشريك العادل . . متى كانت أمريكا شريكاً عادلاً بيننا وبين إسرائيل ؟ هل الآن فقط أدرك أبومازن أن أمريكا ليست محايدة ؟

ويبقى ترامب بعد عام من بدء رئاسته شاغلاً للرأي العام في أميركا والعالم ، حيث يجد كثيرون أنفسهم في موقف صعب محاولين تفكيك هذا اللغز المعقد الذي يخالف النمط التقليدي للرؤساء والإدارات الأميركية المتعاقبة ، خاصة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فهل نملك الذكاء لنتعامل مع نوعية هذا الرئيس ؟ أم نظل على نفس الشعارات الغبية التي نمارسها ونتشبث بها رغم الهزائم والخسائر التي حلت بنا منذ زمن طويل ؟!

إذا كان بنا ضعف في القوة ، فلا يجب أن يكون بنا ضعف في البصيرة أيضاً .

 

اترك رد

%d