كيف لقن الصائمون العدو درسا في فنون القتال في صيف اكتوبر الملتهب
المؤرخون : العاشر من رمضان أول انتصار عسكري للمسلمين والعرب علي اسرائيل في العصر الحديث
تقرير – خالدعبدالحميد
لم تكن حرب العاشر من رمضان ، السادس من أكتوبر 1973 حربا عادية كبقية الحروب المتعارف عليها ، ولكنها معركة فريدة من نوعها في التخطيط لها وتوقيتها ، أو الخدع التي استخدمتها القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية لإيهام العدو بأن مصر لن تحارب
دروس مستفادة كثيرة خرج بها العالم من حرب العاشر من رمضان والتي جعلت كبريات المعاهد العسكرية الدولية لا زالت تدرس لطلابها وضباطها كيف أدارت العسكرية المصرية حربا خاطفة شنتها علي إسرائيل باستخدام خطط الخداع الإستيراتيجي .
وعلي الرغم من مرور عشرات السنين علي حرب التحرير والإرادة ، وعلي الرغم من آلاف الكتب والصفحات التي نشرت حرب العاشر من رمضان بمختلف تفاصيلها ، الا أن مصر تحتفل كل عام بهذا الإنتصار المجيد حتي تعلم الاجيال الجديدة من المصريين ما قام به آبائهم واجدادهم من ابناء القوات المسلحة لتحرير ارضهم من الغاصب المحتل والدماء الذكية التي روت أرض سيناء وهي شاهدة علي تضحيات هذا الجيش الذي أثبت علي مر العصور وسيثبت حتي قيام الساعة أنه حامي الأرض والعرض ، ونذكر في هذا المقام قول الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية القائد الأعلي للقوات المسلحة بمناسبة الإرهاب الذي كان يستهدف أبناء الشعب المصري: ” صدورنا بدلا من صدوركم ” في إشارة من الرئيس الي أن القوات المسلحة ستتلقي الضربة عن المصريين وهي تواجه الإرهاب ، وقد شاهدنا المئات من جنودنا وضباطنا يستشهدون في سيناء وعلي الحدود وهم يدافعون عن الوطن بأرواحهم .
ستظل حرب العاشر من رمضان شاهدة علي قوة وبسالة وتضحية الجندي المصرى وأنه اذا اتيحت له الفرصة في أي حرب يخوضها حتما سيخرج منتصرا لأنه يدافع عن الحق ولم يكن يوما جيشا معتديا علي أحد رغم أنه كان ولا يزال باستطاعته محو دول بأكملها ولكنه لم يفعلها لأنه وكما ذكرنا هو جيش دفاعي .. يدافع عن أرضه وعرضه وشعبه وعروبته اذا ما فكر أي غاصب في تهديد أي دولة عربية ، وتلك ايضا أكد عليها الرئيس السيسي عندما قال موجها حديثه للأشقاء في دول الخليج ” مسافة السكة ” .
تلك هي عقيدة القوات المسلحة المصرية التي كانت ولا زالت تحظى بإحترام وتقدير كل دول العالم العدو قبل الصديق .
وأعظم ما في حرب العاشر من رمضان ان المصريين خاضوها وهم صائمون ورغم أن هناك رخصة شرعية لهم بالإفطار الا أنهم رفضوا وتمسكوا بصيامهم ، بل واستمدوا منه قوة فوق قوتهم كانت كفيلة بتحقيق النصر المبين .
لقد ارتبطت انتصارات المصريين والعرب والمسلمين بشهر رمضان .. شهر البركة والخير والرحمة ..
وفي تاريخ مصر أيام لا تنسي ، منها العاشر من رمضان عام (1393هـ) الموافق السادس من أكتوبر (1973م)، والذي تمكنت فيه القوات المصرية من عبور قناة السويس ـ التي كانت توصف بأنها أصعب مانع مائي في العالم ـ وتحطيم أكبر ساتر ترابي ألا وهو خط بارليف الذي كان جبلا من الرمال والأتربة، ويمتد بطول قناة السويس في نحو (160) كيلو متر من بورسعيد شمالاً وحتى السويس جنوباً، ويتركز على الضفة الشرقية للقناة، وهذا الجبل الترابي الذي كانت تفتخر به القيادة الإسرائيلية لمناعته وشدته كان من اكبر العقبات التي واجهت القوات الحربية المصرية في عملية العبور والانتصار. وقد اعتبر المؤرخون المعاصرون هذا الحدث أول انتصار عسكري للمسلمين والعرب في العصر الحديث على اليهود ـ إسرائيل ـ الذي شفى الله به صدور قوم مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم.
لقد خاض الجيش المصري البطل تلك المعركة وهو يعلم أنها معركة مصير ، لأن هزيمة الجيش المصري فيها لو حدثت فإنه يعني سيادة إسرائيل على المنطقة كلها ، وذلك لأن مصر كانت قد خسرت قبلها بست سنوات معركة لم يختبر فيها الجندي المصرى وهي 5 يونيه 67، التي أتاحت للعدو الصهيوني أن يقدم نفسه للعالم – زورا وبهتانا – كسيد وحيد، وأن جيشه هو الجيش الذي لا يُقهر ، وظل بالفعل يعربد في أجواء مصر طوال سنوات ما عُرِفَ بحرب الاستنزاف.
وقد أنهت حرب العاشر من رمضان أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وكانت بداية الانكسار للعسكرية الإسرائيلية، ومن ثم سيظل هذا اليوم العظيم ـ العاشر من رمضان (1393هـ) السادس من أكتوبر (1973م) ـ مصدر مجد وفخر يحيط بقامة العسكرية المصرية على مر التاريخ، ويظل وساما على صدر كل مسلم وعربي، ونحتسب من قتلوا من المصريين في حرب العاشر من رمضان شهداء أحياء عند ربهم يرزقون وهم الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم لله تعالى، من أجل أن تعيش أمتنا تنعم بالعزة والكرامة، قال الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران:169).
( الشعب والجيش إيد واحدة )
لم يكن شعار ” الشعب والجيش إيد واحدة ” وليد اليوم ولا في ثورتي 25 يناير أو 30 يونيه ولكنه شعار قديم رفعه المصريون في حرب العاشر من رمضان ، عندما وقفت المقاومة الشعبية جنبا الي جنب مع جيشه تدافع عن أرضها ، وقد رصد هذه الملحمة الوطنية الرائعة كتاب لأحد قادة المقاومة الشعبية بالسويس والذي كان بمثابة وثيقة هامة للتعاون والتلاحم الذي تم بين المقاومة الشعبية والقوات المسلحة أثناء ملحمة السويس في حرب العاشر من رمضان في الدفاع عن المدينة الباسلة ( السويس ) ضد محاولات إسرائيل احتلالها في 23 و24 من أكتوبر 1973م . وضح المؤلف في هذا الكتاب عوامل النصر الذي تحقق بفضل الله ثم بجهود القوى العربية و الاسلاميه و المصرية في حرب رمضان المعظم ، فكان السبب الرئيسي للنصر في حرب العاشر من رمضان في تقديره بعد الإعداد الجيد للمعركة أن النصر من عند الله حيث الإرادة القوية للمقاتل المصرى المصممة على التضحية في سبيل الله فالمقاتل يكون أهلا لنصر الله أو الشهادة في سبيل الله وبين هاتين المنزلتين لمن يريد رضوان الله في هذه الحياة مصداقاً لقوله تعالى (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيما )سوره النساء الآية 74 .
ويحكى الكتاب عن بطولات رائعة لمقاتلين مصريين منذ اليوم الأول للمعركة بعد العبور العظيم الذى يعيد إلى الأذهان موقف السلف العظيم في مقدمتهم أصحاب الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم في الجهاد والثبات في المعركة بقوة الإيمان بنصر الله عز وجل . ووضح الفريق سعد الدين الشاذلي في تقديمه لهذا الكتاب أهمية معركة السويس بين مصر وإسرائيل والتي أوضحت مدى الترابط بين الشعب المصري وقواته المسلحة في الدفاع عن أرضه وشرفه العسكري .
ففي أعقاب نكسة 1967م كانت القوات الإسرائيلية تتمركز شرق القناة حيث كانت المدن المصرية غرب القناة تقع في مرمى مدفعيتهم ورغم أن القوانين الدولية تحرم قصف الأهداف المدنية إلا أن إسرائيل كانت تلجأ إلى قصف تلك الأهداف وكانت مدن القناة ومنها مدينة السويس تتحمل خسائر بشرية كبيرة نتيجة هذا القصف .
وكان هدف إسرائيل من ذلك هو قهر إرادة القتال لدى الشعب المصري وإرغامه على قبول السلام مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية ولكن إصرار مصر على مواصلة القتال إلى أن يتم تحرير جميع الاراضى المصرية من العدو المغتصب مما دفع القيادة السياسية إلى تهجير سكان تلك المدن والقرى لكي تسحب من إسرائيل تلك الورقة التي تضغط بها على مصر وهكذا تم تهجير سكان السويس وكان عددهم حوالي ربع مليون نسمة الي أن تحقق النصر لمصر في ملحمة وطنية رائعة .
وعن بركات شهر رمضان يحكى البطل محمد العباسي أول من رفع العلم المصري على أول نقطة تم تحريرها وهى مدينة القنطرة شرق يوم الجمعة 5 رمضان 1393 هجريا الموافق 9 أكتوبر 1973 قائلا : كنت مجندا وتم تجمعينا وصلينا الجمعة في المسجد ودارت الخطبة حول المعارك التي خاضها الجيش الإسلامي خلال شهر رمضان ومكانة الشهيد في الإسلام وبعد الخطبة صلينا على علم مصر .
وفي يوم التالي 10 رمضان ، 6 أكتوبر جاءت الأوامر بعبور قناة السويس واقتحام قناة السويس لتحرير سيناء الحبيبة التي أحتلتها إسرائيل عام 1967 وكنت في طليعة الجنود وأثناء العبور كنت أشعر بان هناك قوة خفية تدفع القارب المطاطي للأمام وعندما نظرت إلى الطائرات المصرية وهى عائدة بعد تنفيذ مهامها بنجاح شعرت بالسعادة والحماسة ثم نظرت إلى السماء فوجدت الله أكبر مكتوبة في السماء بخطوط السحب فقلنا الله أكبر .
وأضاف البطل محمد العباسي : بمجرد وصولى إلى أرض سيناء سجدت لله شكرا وتواصل التمهيد النيراني وبدأنا في اقتحام دفاعات القوات الإسرائيلية في القطاع من شمال جزيرة البلاح حتي الكاب واقتحام نقطة حصينة لمعاونة أعمال قتال قطاع بور سعيد وزحفت أرضا ولم أهتم بالأسلاك الشائكة أو الألغام .
عندما وصلت إلى الدشمة الإسرائيلية صعدت فوقها ومزقت العلم الإسرائيلي ورفعت العلم الإسرائيلي مكانه بعد 10 دقائق من العبور وتم الاستيلاء على أول نقطة حصينة علي مستوى الجبهة وهى القنطرة واحد وكان ذلك إيذانا بالتحرير وبعد 50 دقيقة من العبور تم الاستيلاء على 6 نقاط وبقيت النقطة الحصينة القنطرة 3 ( بلدية القنطرة ) محاصرة حتى يوم 7 أكتوبر 1973 ليتم الاستيلاء عليها قبل أخر ضوء يوم 7 أكتوبر وبنهاية اليوم الأول للقتال تم الاستيلاء على جميع النقاط الحصينة وإحكام الحصار حول مدينة القنطرة والاستيلاء علي رأس كوبري بعمق حتى 6 كيلو متر وصد اختراق القوات الإسرائيلية وتدمير 37 دبابة إسرائيلية وتوسيع رأس كوبري الفرقة 18 مشاة ميكانيكي بقيادة البطل فؤاد عزيز غالي بعمق 9 كيلو متر وتدمير القوات الإسرائيلية في النقطة الحصينة القنطرة 3 وتحرير مدينة القنطرة شرق.