مسقط – خاص لـ الوطن المصرى- وفاء الشابورى
يمثل مشروع “طرق الحرير الجديد” نقلة نوعية على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية والتجارة العالمية دفعت الرئيس الصيني لوصفه بمشروع القرن، لما له من تأثيرات اقتصادية وتنموية ليس فقط على الصين بل على كل الدول التي يمر بها الطريق وتزيد عن 65 دولة، وفى القلب منها سلطنة عمان التي تشهد نهضة تنموية شاملة تستهدف بالأساس الإنسان العماني والارتقاء به في جميع نواحي حياته، وترتكز على التخطيط وفقا لاستراتيجية 2020 واستراتيجية التنمية المستدامة 2040 التي تحققها خطط التنمية الخمسية المتتابعة والمتراكمة ومنها خطة التنمية الخمسية التاسعة الحالية، وتسعى إلى تحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الطاقة من النفط والغاز كمصدر للدخل القومي، عبر تعظيم الموارد غير النفطية.
وقد حققت سلطنة عُمان بالفعل طفرات كبيرة اقتصادية على كافة الأصعدة الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية جعلتها تحقق مراكز عالمية متقدمة.
ولذلك فإن تعامل السلطنة مع طريق الحرير، الذي دشنته الصين وقطعت فيه خطوات مهمة، ينطلق من تعظيم المصالح العمانية وتوظيفه لخدمة النهضة التنموية في إطار فلسفة المصالح المتبادلة وفى استغلال كل الفرص والإمكانيات الداخلية والخارجية للمضي قدما في مسيرة النهضة والعمل والتقدم.
ويمكن القول إن سلطنة عُمان تمتلك العديد من المقومات التي تجعل لها دورا واعدا في مشروع طريق الحرير الجديد خاصة في جانبه البري والمعروف بالحزام من خلال امتلاكها العديد من المقومات على مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والجغرافية وتتمثل في:
أولا: المقومات السياسية، وتتمثل في السياسة العمانية الحكيمة القائمة على الاحترام والتعايش السلمي واحترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شئونها والمنافع المتبادلة ودعم السلام والتنمية والتلاقي بين الشعوب والأمم، وهو ما جعلها تحظى بعلاقات طيبة وممتازة مع جميع دول العالم دون استثناء ومكنها من أن تلعب دورا فاعلا في تسوية الكثير من الصراعات والأزمات، من خلال دبلوماسيتها الرشيدة والحيادية، إضافة إلى حالة الاستقرار السياسي والأمني التي تتمتع بها البلاد بما يوفر المناخ الملائم لجذب الاستثمارات الأجنبية في ظل بيئة إقليمية ودولية تموج بالصراعات والحروب وعدم الاستقرار.
ولذلك تقوم القيادة العمانية بتوظيف مكانتها السياسية والدبلوماسية ودورها الإيجابي في العلاقات الدولية وعلاقاتها المتميزة مع كافة قادة العالم للاستفادة من طريق الحرير لخدمة التنمية المحلية عبر جذب الاستثمارات وفتح الأسواق والاستفادة من خلال التجارب التنموية للدول المتقدمة ومنها الصين.
ثانيا: المقومات الاقتصادية الكبيرة التي تحظى بها سلطنة عمان وتجعل منها مركزا واعدا ورئيسا في طريق الحرير ويتمثل في نموذجها وتجربتها النهضوية والاقتصادية الرائدة التي تقوم على أسس علمية وتخطيطية تعكسها الإنجازات الكبيرة التي تتحقق كل عام في المجالات المختلفة حيث زادت معدلات مساهمة القطاع غير النفطي في الدخل القومي، كما انعكست في الاهتمام بالزراعة والسياحة والمشروعات الصغيرة ومشروعات ريادة الأعمال ودور القطاع الخاص المتنامي فيها، إضافة إلى المشروعات الصناعية العملاقة والمناطق الصناعية المختلفة في الدقم وصحار و صلالة والتي وفرت البيئة الملائمة لجذب الاستثمارات المحلية والعالمية وانعكست في تدفق غالبية الشركات العالمية من كافة الدول للاستثمار في عمان، ومنها المنطقة الصناعية الصينية في الدقم باستثمارات تصل لـ 10 مليارات دولار بحلول عام 2020.
كما تحظى عُمان بمناخ استثماري وضريبي واقتصادي مستقر من خلال التشريعات الاقتصادية المختلفة التي تحقق الأمان الاقتصادي للمستثمر الأجنبي ومنها قانون الاستثمار الجديد الذي يقدم كافة التسهيلات المالية والضريبية للمشروعات الجديدة ويضمن حرية انتقال الأموال والأفراد، حيث تتبنى عمان نموذج الاقتصاد الحر ولها دور فاعل في منظمة التجارة العالمية وفي الاقتصاد الدولي الذي تحكمه العولمة وحرية تدفق التجارة.
كما أن موقع عُمان الفريد كنقطة وصل بين طرق التجارة العالمية خاصة بين قارات العالم الثلاث أوروبا وإفريقيا وآسيا، جعلها مركزا لوجستيا عالميا لحركة النقل والتجارة الدولية في ظل البنية التحتية الهائلة التي توجد في البلاد وعلى رأسها الموانئ الضخمة وشبكة الطرق التي تساعد في حركة التصدير والاستيراد.
ثالثا: المقومات الثقافية والاجتماعية التي تمتلكها سلطنة عُمان وتمكنها من التفاعل بإيجابية مع طريق الحرير الذي لا ينطوي على أبعاد اقتصادية فقط بل يشمل أبعادا سياسية وثقافية ويساعد في تعزيز التفاعل بين الثقافات العربية والإسلامية التي تجسدها الثقافة العمانية وبين ثقافات الشعوب الأخرى خاصة الثقافة الآسيوية والصينية ويزيد من التقارب بين الشعوب وتعظيم السلام وتقليل الصراعات والحروب، كما أن الصناعات التقليدية والشعبية التي تعكس الثقافة العمانية وتمزج بين الأصالة والمعاصرة تمثل أحد فرص ومجالات الاستثمار وتعظيمها عبر مشروعات طريق الحرير الجديد.
رابعا: خصوصية العلاقات العُمانية الصينية، التي تساعد في تعظيم الاستفادة العُمانية من مشروعات طريق الحرير، وهي علاقات متجذرة في التاريخ يزيد عمرها عن ألفي عام من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والزيارات المتبادلة والتفاعل بين الثقافتين العمانية والصينية، وتعد عُمان رابع شريك تجاري للصين حاليا وبينهما علاقات اقتصادية وسياسية قوية تمثل أساسا متينا لتفعيل التعاون بين الجانبين في مشروع طريق الحرير، حيث تراهن الصين على سلطنة عمان كأحد المرتكزات الأساسية لتفعيل الجانب البحري من طريق الحرير وإحياء الطريق القديم الذي كان يمر بعُمان بسبب موقعها الجغرافي المتميز.
وبالتالي فإن مقومات ومؤهلات سلطنة عمان الاقتصادية والسياسية والثقافية تمكنها من جعلها مركزا واعدا لوجستيا وبحريا في مشروع طريق الحرير ويساهم في تعظيم الاستفادة العمانية من الفرص والمشروعات التي سوف تنتج عن هذا المشروعات عبر جذب الاستثمارات الصينية والعالمية لعمان وإقامة مشروعات البنية التحتية والمشروعات الصناعية المختلفة.