نحن شعب يحب الكلام أكثر من العمل ، ويحب النقاش أكثر من الإبتكار . . إذا تناقشنا نفتقر لأدبيات وأخلاقيات النقاش ، لا نسمع بل فقط نتكلم ، وإذا تكلمنا صرخنا ، وجحظت عيوننا ، وإرتعشت أيادينا ، وتعرقت جباهنا . . النقاش بالنسبة لنا معركة إما منتصر أو مهزوم . . حياة أو موت . . لا نعرف الإعتذار عن رأي خاطئ تبنيناه ، أو عن خطأ إرتكبناه ، وليتنا نذهب لأعمالنا بنفس درجة الحماس التي نتناقش بها ، وفي النهاية فنحن فاشلون في كل شئ . . الكلام والنقاش والعمل .
بعد أن حرمنا من أهم إعلامي وهو الأستاذ ابراهيم عيسى ، لا أجد ما أشاهده سوى برنامج العاشرة مساءاً الذي يقدمه الأستاذ وائل الأبراشي على الأقل حتى يغلبني النعاس ، لكن في معظم الليالي أهرب من هذا البرنامج إلى فيلم أجنبي ، أو موسيقى كلاسيكية ، أو باليه . . وفي الليلتين الماضيتين تابعت البرنامج ، الليلة قبل الماضية كان ضيوف الأبراشي إثنين أحدهما عالم أزهري ، والثاني شاب صغير عضو في مجلس النواب إسمه محمد أبو حامد إشتهر أثناء أيام الإخوان المسلمين بعد أن تلقى علقة ساخنة بأيادي شباب الإخوان ، وجاء إلى ستوديو العاشرة مساءاً منتفخ الوجه ، ومتورم العينين ، فإكتسب تعاطف المشاهدين ، ومرت الأيام ، وإنتخب عضواً في مجلس النواب الحالي عن كتلة دعم مصر الموالية للرئيس السيسي والتي تعد إمتداداً للحزب الوطني ، وقد إنتبه هذا الشاب إلى أن الرئيس السيسي ينادي بتغيير الخطاب الديني ، ويبدو أنه استاء كثيراً من أعضاء مجمع البحوث الاسلامية أو مجلس كبار العلماء عندما رفضوا طلب الرئيس السيسي بألا يقع الطلاق الشفوي ، ولابد من توثيقه تماماً كالزواج ، لعل ذلك يخفف من معدل حالات الطلاق في مصر بعد أن تصدرت دول العالم كله في هذا الشأن ، ولهذا شرع الشاب الصغير محمد أبو حامد في وضع قانون جديد للأزهر ، بدءاً من إختيار الإمام الأكبر ، ووصولاً إلى تكوين مجمع البحوث الاسلامية . . وجلس في برنامج العاشرة مساءاً يناقش علماء الأزهر ، ويجادلهم ، وكرر أكثر من مرة أنه هو الذي وضع القانون الجديد للأزهر ، ولو إختلف معه أحد من العلماء اذا به يصرخ ويهدد ويرتفع صوته وترتعش يداه ولا يترك الحرية لمن يحاوره أن ينهي جملة واحدة ، حتى وائل الأبراشي فشل في السيطرة عليه ، وفشل بسبب هذا الشاب الصغير في إدارة الحوار . . وتساءلت هل تدنى حالنا الى هذا المستوى . . شاب صغير يضع قانوناً للأزهر الشريف ، ويصارع العلماء دفاعاً عن قانونه والذي اقترح فيه أن يكون هناك شباب يختارهم وزير الشباب والرياضة ، ونساء تختارهم المنظمات النسائية ، وإقتصاديون ، ونوعيات أخرى ينضموا لعضوية مجمع البحوث ، وأجزم أن هؤلاء الأعضاء الجدد المقترحين لا يعرفون الفرق بين الفتحة والضمة والكسرة والسكون ، ولا يستطيعون قراءة جملة عربية واحدة بطريقة صحيحة . . تصوروا . . هل تدركون أين وصلنا عندما يضع محمد أبو حامد قانوناً جديداً للأزهر الشريف . . لا أدافع عن الأزهر ، فله رجاله الذين يدافعون عنه ، بالعكس فإن لي إنتقادات كثيرة على علماء الأزهر المتأثرين بالمذهب الوهابي السلفي ، وعلى مناهج الأزهر ، وعلى النفوذ الإخواني الموجود بقوة داخل الأزهر ، كما أنني أوافق الرئيس السيسي في رأيه بضرورة توثيق الطلاق لعل الطرفان يتراجعا ، وهو الرأي الذي أيده العالم الأزهري الكبير دكتور سعد الدين الهلالي ، لكن بالتأكيد ليس النائب الشاب أبو حامد هو من يضع قانوناً للأزهر ، فوالله أنا أعرف أن أحوالنا قد تدهورت جداً بعد نكبة 25 يناير ، لكني لم أتصور أننا قد هبطنا إلى هذا الدرك الأسفل .
وفي الليلة التالية ، تابعت حلقة جديدة من نفس البرنامج الذي ناقش فيه الضيوف الجدد الخلاف أو الخناقة بين دكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب ، ومؤسسة الأهرام العريقة ، ورغم أن محمد أبو حامد تسبب في رفع ضغطي عندما سمعته ، إلا أنني إكتشفت أنه أرحم من ضيوف حلقة اليوم التالي . . أتدرون لماذا ؟ لأن أبو حامد كان يصرخ بصوت عالي من أول حلقته وحتى نهايتها وربما بعد نهايتها ظل يصرخ حتى وهو في طريق عودته لبيته ، فكان من السهل أن أمسك الريموت كونترول وأخفض الصوت حتى أقل مستوى يمكن أن أسمعه ، ذلك كان أمراً يسيراً ، لكن في حلقة اليوم التالي كان هناك ثلاثة نواب من مجلس الشعب وصحفي بالاضافة الى الاستاذ وائل الابرشي ، ولما كان أهل بيتي نائمين في غرف النوم ، فكان لابد أن أخفض صوت التليفزيون كما فعلت مع أبو حامد ، لكن كان هناك فرق كبير بين الليلتين ، ففي ليلة أبو حامد قلت لكم أنه كان يصرخ من أول البرنامج لآخره بوتيرة واحدة فكان من السهل تخفيض مستوى الصوت ، لكن في ليلة النواب الثلاثة والصحفي . . كادوا يصيبونني بالجنون ، فقد بدأ الحوار هادئاً لطيفاً مهذباً ، لكن سرعان ما بدأ الشجار بينهم بصوت عال كاد معه أهل بيتي أن يستيقظوا من نومهم ، فأسرعت بتناول الريموت كونترول وخفضت مستوى الصوت ، ثم عادوا ليتكلموا بهدوء ، فتناولت الريموت كونترول ورفعت مستوى الصوت قليلاً حتى أتمكن من سماعهم . . لكن بعد دقائق معدودة إرتفع صوتهم مرة أخرى وتحول إلى صراخ فيما بينهم ، فأسرعت من جديد إلى الريموت كونترول الذي جن جنونه من كثرة ما أمسكت به يدي ولعبت به أصابعي ، وخفضت الصوت مرة جديدة ، وإستمر الأمر على هذا المنوال عشرات المرات حتى الفجر بين رفع للصوت ثم الاسراع بتخفيض الصوت ، وحاولت أن أسيطر على أعصابي حتى لا أكسر التليفزيون فتذكرت أنني كنت أعاني نفس المعاناة عندما أستمع لسيمفونيات بيتهوفن ، فتجد أنها تبدأ هادئة ، ثم تتحول إلى الصخب ، ثم تعود هادئة ، لكني بالطبع أعتذر للعظيم بيتهوفن على تشبيهه بهؤلاء النواب ، فتلك إهانة كبيرة له . .
وفي نهاية الليلتين دعوت على كل من شارك في الحلقتين أن يصابوا ببرد وإنفلونزا شديدة ، تصيب حناجرهم فتختفي أصواتهم ، ثم يتناولوا حبوباً للمص تحتوي على هرمونات أنثوية تنعم أصواتهم فتصبح أخف على أذناي مثل صوت الحريم ، وبعد ذلك يتناولون حبوباً مصنوعة في مصر من لحوم الحمير ليتحول صوتهم إلى نهيق ، فيذهبوا للطبيب فيحقنهم بإبر تحوي مادة سامة شديدة السمية تقتلهم وتخلصنا منهم ومعهم وائل الأبراشي . . قولوا آمين . . سامحوني ، فشر البلية ما يضحك