الأربعاء, 3 يوليو, 2024 , 3:35 م

د. حسن صابر يكتب عن حكاية الفتاة ذات القرط اللؤلؤي

15357022_10207647469808761_590198951_n

تقديم دكتور/ حسن صابر

حققت الروائية الأميركية تريسي شيفالييه شهرتها العالمية ومكانتها الأدبية من خلال روايتها «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي» التي نشرتها عام 1999 ، ويرتبط اسم روايتها بلوحة تحمل الاسم ذاته للفنان الهولندي العالمي جوهانس فيرميير التي بدأ برسمها عام 1665 
استلهمت شيفالييه من غموض تلك اللوحة التي سميت بموناليزا الشمال موضوع روايتها ، وتقول أن التعبير الغامض لوجه الفتاة أوحى لها بالعديد من الإحتمالات ، وبصلة أعمق بين الرسام وصاحبة الصورة ، وحينما لم تجد في التاريخ أي مرجع أو ذكر لصاحبة الصورة ، كان عليها كتابة تاريخ وقصة الفتاة ذات الوجه الغامض ، وقد حول المخرج البريطاني بيتر ويبر روايتها إلى فيلم سينمائي حمل الاسم ذاته ، وحقق الفيلم لدى عرضه عام 2003 نجاحاً كبيراً واعتبر من الأفلام الكلاسيكية الرائدة .
تدور أحداث روايتها «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي» في القرن السابع عشر في هولندا ، حيث يتجلى الفن الباروكي المستلهم من الديانة المسيحية ، حول فتاة ريفية فقيرة ، تجبرها الظروف بعد مرض والدها على العمل كخادمة لدى إحدى العائلات من الطبقة المتوسطة ، وكانت أوروبا آنذاك تواجه الكثير من الاضطرابات والحروب الأهلية بسبب النزاعات الطائفية بين الكاثوليك والبروتستانت . . تلتحق الفتاة الفقيرة غريت بطلة الرواية بالخدمة في بيت العائلة فيرميير المتوسطة الحال ، وبالتدريج تتحول من شيء لا مرئي إلى موضوع مستقل ثم كائن له خصوصيته . . ويتجلى ذلك من خلال سرد البطلة لأحداث الرواية التي تذكر أن وجودها في البداية انحصر في أعمال الخدمة المنزلية ، إلا أن دقتها وإتقانها لعملها أتاحت لها الفرصة لدخول أستوديو أو مرسم رب العائلة الفنان جوهانس فيرميير الذي كان ممنوعا على الجميع حتى على زوجته ، ومن الطبيعي أن هذا الاستثناء أثار حفيظة العائلة تجاه تلك الخادمة الشابة الجميلة ، لاسيما من قبل كاثرينا زوجة جوهانس .
لم يكن فيرميير باستطاعته الرسم منذ مدة على الرغم من أن فنه يشكل المورد الوحيد للعائلة ، وكان الجميع يعيش حالة من القلق والتوتر ، وفي أحد الأيام استوقف فيرميير لدى دخوله الصالة ، مشهد انعكاس أشعة الشمس على وجه غريت التي كانت تقوم بعملها المنزلي قرب النافذة . . ساهم هذا المشهد في استعادة الفنان لإلهامه وحماسه وعودته لفنه ،
وسرعان ما تبين لفيرميير أن غريت تملك موهبة الرسم ، ولم يتردد في تسليمها بعض المهام مثل طحن الألوان وتركيبها وشرائها إلى إعداد وتلوين خلفيات بعض اللوحات ، وقد أثار هذا التحول غيرة العائلة ، وإن التزمت والدة كاثرينيا التي يعيشون في بيتها بالموضوعية وتفهمت مشاعر زوج إبنتها .
وتسرد غريت مراحل تحول حياتها من كائن لا مرئي إلى إنسان له وجوده ، وكيف أحبت حياتها الجديدة وإعجابها بسيدها الفنان الذي كان يهيمن حضوره عليها ، وإن لم يتجاوز التواصل بينهما تلك الحدود التي تفرضها الفروقات الطبقية على كلا الطرفين ، وكانت تتغاضى عن إساءة معاملة السيدة لها التي كانت حاملاً بالطفل الخامس أو السادس وكذلك الابنة الكبرى كورنيليا التي كانت غريت هاجسها الدائم .
تصل الأحداث إلى الذروة حينما يُكَلَّف فيرميير من وكيل أعماله برسم لوحة بورتريه له وأخرى للخادمة غريت التي أعجب بملامحها وهدوئها ، وهكذا تبدأ غريت بالجلوس أمام سيدها لساعات طويله وبصورة سرية ، وإن كانت الجدة تعلم بالأمر ولا تعارض لكونه تكليف من صاحب المال . . تصف غريت مشاعرها في تلك الساعات والسعادة التي كانت تعيشها ، والمواقف المربكة بينهما ، إذ طلب منها أن تظهر بعضا من شعرها ، فكان رفضها قاطعاً نظراً لكون شعرها يمثل خصوصيتها ، وكيف شعرت بالعار حينما تمكن من لمحه خلال تبديلها للمنديل الذي كانت تضعه ، وحيرتها وخجلها حينما كان يطلب منها أن تدع فمها مفتوحاً قليلاً .
وبعد جلسات عديدة سرعان ما أدركت أن لوحته غير مكتملة وبحاجة لما يخرجها من جمودها ، ولم يخف هذا الأمر على جوهانس فيرميير الذي أدرك أن قرط اللؤلؤ الخاص بزوجته كفيل وحده بمد اللوحة بالحياة ، وقد ساعدت الجدة جوهانس في الحصول على القرط سراً أيضاً ، كما وافقت غريت على ثقب أذنها قبل زواجها وتحمل الألم لإنجاز اللوحة كما تراها في مخيلتها ، ووافقت على طلبه الأخير ذاك ، وهي تدرك أن في هذا الأمر نهايتها المتمثلة بطردها من قبل سيدة المنزل ، وسرعان ما اكتشفت الزوجة الأمر وأصيبت بهستيريا من غيرتها وكانت تلوم زوجها على رسمه خادمة بدلا من رسم زوجته 
ينجز فيرميير اللوحة وترحل غريت لتتزوج ابن اللحام الذي أحبها منذ البداية ، وكان من الواضح أن قلبها بقي مع جوهانس واللوحة ، وبعد مضي عشر سنوات تطلب زوجته رؤية غريت وتعطيها قرط اللؤلؤ تبعاً لوصية جوهانس الذي توفي .
الكتاب : الفتاة ذات القرط اللؤلؤي
تأليف: تريسي شيفالييه
اللوحة محفوظة حاليًّا في متحف ماورتشوس بلاهاي في هولندا

اترك رد

%d