بقلم المفكر الموسوعي العالمي سفير
دكتور محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
حينما كنت طفلاً كانت أمي تدفعني للصلاة حتى أدخل الجنة
وكان أبي رحمه الله يغرس في كل قيم الخير والحق والجمال حتى يرضى عني الله وأدخل الجنة .
الجنة كانت مكافأة لي في كل دعاء وكل رجاء
كنت أطلب من جَدتي أن تقص لي حكاية (( حدوتة )) قبل النوم وكانت الحدوتة عن الجنة .
وأمسى عقلي ينمو كل ليلة ومعه تنمو الجنة وتنمو اشجارها وتتفتح أزهارها ويطيب ثمارها ويكثر سكانها .
الجنة كانت معي في كل خطواتي …ظلي الذي لا يفارقني .
الجنة أصبحت الحب والنور والفكر والسرور والسر المسطور في الستر المستور .
وفي يوم قررت أن أتحدث للجنة التي وُلِدت في خيالي وسكنت في وجداني :
وضعتُ رأسي على وسادتي مستسلماً لنوم أظنه عميق بعد يوم شاق كم يحلو النوم عندما يداعب الجفون قبل العيون , وقبيل الإستسلام لملك النوم دار هذا الحديث بيني وبين نفسي على طريقة ألف ليلة وليلة التي كانت تساعدني على النوم حينما كانت والدتي تبدأ بالكلام وسرعان يطوي النوم يقظتي وينقلني لعالم الآحلام السحري مع شهرزاد والملك شهريار .
سألت نفسي أين تكون جنتي …؟ قالت : جنتك في نيتك .
قلت لها : أفصحي ووضحي .. قالت : نيتك قي نفسك .. تولد معك مثل خلايا الجسم , وانشطرتُ وأصبحتُ جزئين , جزء للخير وأخر للشر .. , نية الخير هي الجنة ونية الشر هي النار.. قالت بصوت كله حكمة .. الجنة والنار فيك وعليك أن تختار , وكلما طالت الحياة طال الصراع بين الخير والشر .
قلت لها : حديث عجاب أكملي نيتي أين مكانك وعرشك وسلطانك ؟
قالت : أنا في دمك ونفسك وناصيتك ..!!
قلت لها : وما علاقة النية بالنفس والناصية ؟
قالت : النية داخل النفس , والنفس داخل الناصية , والناصية هي المسئولة عن التفكير والتدبير , والتحليل والتقدير , والسجود في الصلاة لله الواحد القدير .
قلت لها: ما أحلى حديثك .. له حلاوة وعليه طلاوه ومنك نستفيد بكل علم جديد .
قالت : الناصية في مقدمة رأس الإنسان , إما تعلن الإيمان أو الكفر والعصيان , وأنا والحمد لله كبرت معك على الإيمان والطاعة والرضا والقناعة , حتى كنت لك مصدر كل خير , ودفعاً لكل شر .
قلت لها : أكملي يا نيتي وأميرتي .. قالت :حُبّاً وكرامة مولاي .
قالت :هكذا كل إنسان يولد ومعه جنته وناره وهو المسئول عن قراره وإختياره .
سألتها عن علاقة النفس بالجسد ..!!
قالت : الجسد هو المذكرة التفسيرية للنفس والنية , فإن صحت نفسك , وطابت نيتك , لم يعرف جسد العلة ولا الذلة .
قلت لها : كلام فخيم وفكر مستقيم ومنهج قويم سبحان رب العرش العظيم .
قلت لها : صفي لي جنتي يا نيتي ..قالت : جنتك أرض خضراء مد البصر , مسيرة أعوام وربما قرون منحة ورحمة من العلي المقتدر, فيها من الجبال والهضاب والسهول والوديان والأنهار والشلالات والجندال مايمتع الروح والسمع و البصر .
فيها من أحواض من الزهور والورود والزنابق والأقاحي والياسمين والفل ومثلثات ومربعات ومخمسات ودوائر وكل أشكال الهندسة , للجمال والروعة مدرسة وأي مدرسة….!!
قلت لها : زيدني يا نيتي عن جنتي .. قالت : فيها أنهار تجري من تحت الأقدام , مرآة فيها من العظمة والبرهان ما تعجز عنه الفصاحة والبيان
قلت لها : زيدني .. قالت : فيها من كل صنوف الفاكهة ..أشكال وطعوم وألوان ..تمد أعنافها إليك ..متى أشتهيت ومتى أردت .
اللغة في الجنة فقط النية , لغة عصرية لا تحتاج إلى كلام ولا حوار ولا خصام .
قلت لها : نعم نيتي ..تمام التمام .
سكتت ثم قالت : فيها طرق أرضها مسك وعنبر وأحجار كريمة فخيمة .. فيها قصور سبحان الخالق المبدع الصبور
قلت لها : يا نيتي أين أميرتي ؟
قالت : أنا أميرتك بقدر صفاء النية تكون الأميرة هدية , أجمل من حوراء الجنة , بل أجمل ما في الجنة!!
قلت لها : الله الله ما أعظم عطاياه .. قالت : سكان الجنة من لؤلؤ منير كالبدر المستدير .. كلامهم ذكر وشكر لله الواحد القادر القدير .
صمتت ثم قالت : ليس فيها برد وحر ولا جوع ولا عطش ولا مرض ولا عرض
قلوب أهل الجنة تسبح وتقدس مع الملائكة لله الواحد الأحد الفرد الصمد .
أضافت وقالت : كل ليلة أطل على قلبك وإدراكك ووجدانك وعقلك , وتفكيرك وتدبيرك , وصلاتك وعبادتك
فإن كنت على صواب دعوت لك زيادة الخير من الواحد الوهاب ، وإن كنت خلاف ذلك تحدثت معك وراجعتك خوفاً من الذنب والعقاب , وأستغفرنا الله الواحد التواب .
قلت لها : صفي نفسك ورسمك ووسمك .. قالت : في صوت يعانقه الخجل .. لا تكن على عجل
أتركها حينما يكون اللقاء بالرحيل من دنيا الفناء إلى ملكوت الخلود والبقاء .
قلت لها : ماذا نسمع في الجنة ؟ .. قالت التسبيح والتقديس من كل طائر في الهواء أو حوت وسمك في الماء , أو من ملك قائم او راكع أو ساجد , تسمع تسبيح وتقديس الخلائق من نبات وطيور وحجر وماء وبشر لله الواحد الخالق .
قلت لها : أشتاق إلى تلك الساعة .. حيث لا زمان ولا مكان إلا السجود سوياً , سجود الإخلاص تحت عرش الرحمن .. تلك هي الأمنية التي تقود النية
قالت : نعم هي غاية الغايات وكرامة الكرامات لعباد الرحمن من الإنس والجان من كل زمان ومكان
قالت : نضّر الله وجهك وبيّض الله قلبك وحفظ نيتك ونقاء سريرتك
ثم قرأت تلك الأيات من سورة القيامة 22 , 23 { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }
ختمت حديثها معي بقولها هذه جنتنا نعيش فيها بخيالنا فما بالك بجنة الله والتي فيه إن شاء الله خلدنا…؟ فتذكرت حديث رسول الله
((حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله تعالى قال : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ))
قلت لها : كيف أحافظ على جنتي …؟
قالت : بالتسبيح والتقديس وبالحب والإيثار والتسامح والعفو عند المقدرة وحُسن الظن بالله والدعاء بالخير لجميع خلق الله من حجر ونبات وحيوان وجان وبشر , الدعاء للقاصي والداني بالهداية وعلى الله تحقيق الغاية , الدعاء للكون كله للذرة والمجرة , ثم الدعاء للنفس في المؤخرة ربما يجمعك الله مع من تحب ومعهم يكون كتابك !!
الملائكة تسمع الدعاء وتؤمن عليه وترفعه إلى السماوات وتدعو لك وتقول ولك مثله , فإن تحقق الدعاء كسبتَ هداية من دعوت لهم , وإن لم يتحقق الدعاء كسبت أجر حُسن النية …!!
ثم رحت في نوم عميق وكأني أرى رؤية العين هذا الحديث من أحاديث النفس والنية الثرية الصبية الندية
قلت إذا كان هذا الحديث عن الجنة فما بالك بخالقها …؟
في تلك اللحظة لم أعبأْ بالجنة لأني كنت عاشقاً لخالقها ولما لا والله يقول :
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }
سورة القيامة الأيات 22 و23
هنا أترككم اعزائي القراء تعيشون روعة اللقاء من الألف إلى الياء
هكذا عرفت طريق الجنة ….هل عرفتم طريق الجنة ؟