الخميس, 21 نوفمبر, 2024 , 8:17 م

اجازه طبيب مغترب فى مصر

 ايهاب ابو رحمة

بقلم – د. إيهاب أبورحمه

لا شك أن المصرى من أكثر شعوب الأرض ارتباطاً بأرضه و بلده ولا شك أنه من أكثرهم حباَ لها ,ترى الكثيرين و الكثيرين جداً من شعوب الدول العربية الأخرى لا يسافرون إلى بلدانهم كثيراَ وتراهم يتخذون من موطن غربتهم سكناَ ووطناَ دائماَ و كأنهم استقروا فى هذا المكان إلى الأبد إلا المصرى فهو دائم الحلم بالعودة إلى الديار و إن كانت أوضاعه و طريقة حياته أفضل مئات المرات من معيشته فى بلاده ,نعم قد يكون فى حياة ترفه مئات المرات بالمقارنة بها فى وطنه و لكنه الإرتباط بالوطن الذى ندر ما تجده فى الجنسيات الأخرى , لهذا السبب تجد المصرى دائم المقارنة بين بلده مصر وبين بلد غربته أملاً فى أن تتحسن فيها الأوضاع و أملاً فى الاستقرار المستقبلى له ولأسرته  .

أما عنا نحن فئة الأطباء و التى بلغ من خرج منها خارج الوطن فى احصائيات عديدة ما يقارب الـ 70 % من عدد أطباء مصر كافة ,فخرجنا و تغربنا لما تعانيه المنظومة الصحية فى مصر من تدهور على جميع المستويات بدايةَ من رواتب الأطباء المتدنية والتى لا تقارن بالمهن الأخرى الأقل جهداً والتى لا تتعامل مع أرواح و صحة المواطنين والتى لا تلاقى نفس الكم من التعب و الإجهاد الذى يلاقيه الأطباء ,مروراَبكيفية تعينهم بالمقارنه بالمهن الأخرى فهم من الفئات القليله التى وصلت بمجهودها إلى مكانتها فقديما لم يصل الطبيب إلى و ظيفته إلا بالجد و الإجتهاد , وصولاَ إلى أوضاع المرضى فى مصر و إهمال وزارة الصحة و القائمين على المستشفيات الحكومية لهم و تركهم فريسة للمستشفيات الخاصة و مافيا الطب الخاص  .

كانت اجازه ليست بالقصيرة و لم تكن بالطويلة ,و نظراَ لكونى طبيب فأغلب من أعرف هم من الأطباء من تبقى منهم داخل البلاد و الصيادلة و من لهم علاقة بالدواء و التجارة فيه .

سمعت أرقاماَ مبالغ فيها جداً من أسعار الكشوفات و من أجور العمليات الجراحيه و من أساليب ملتويه فى مافيا الطب الخاص .

وصل الأمر بالأطباء أن يعطوا سائقى المواصلات و العربات الأجره نسبه فى العمليات و الكشوف مقابل أن يأتوا لهم بالمرضى و يجذبوهم لعيادات هؤلاء الأطباء و الجراحين بل أن منهم من يعطى راتبا ثابتا لهؤلاء السائقين نظير جذب المرضى لعيادات هؤلاء الأطباء دون النظر لكفاءه الأطباء و الجراحين ، بل وصل الأمر لوضع مرشدين للمرضى من قبل الأطباء لإرشادهم إلى طريق العيادات الخاصه بهم و لإبعادهم عن منافسيهم وزملاء مهنتهم .

ولتجدن أصحاب العيادات , من تبقى له بعض الضمير و لم يقحم نفسه فى تخصص غير تخصصه يرسل المرضى للأطباء ذوى التخصصات الأخرى التى يحتاجها المريض و لكن هل يمر هذا الأمر دون منفعة ؟؟؟بالطبع لا !! فهو يحول المرضى لأطباء بعينهم  دون النظر إلى مصلحة المريض و كفاءة الطبيب المُحول له المريض مقابل نسبة من المال أو أن يحول له الأخر المرضى للمنفعة المتبادلة .حتى فى التحاليل و الأشعات المطلوبة للمريض يحول المرضى لمعمل تحاليل أو مركز تحاليل بعينه بناءاَ عن اتفاق مسبق مقابل نسبه من سعرالأشعات و التحاليل وصلت إلى أرقام خياليه 80% و بالطبع هو على علم أن أصحاب هذه المعامل و المراكز سيرفعون أسعارهم و يحملون هذه الزيادات على المرضى البسطاء.و حتى الصيدليات ,يوجه الأطباء المرضى لصيدليات بعينها مقابل  نسبه من المال .

لم يقف الأمر عند هذا الحد و لكن تفاقمت ظاهرة استغلال شركات الأدوية ,فى بعض الأحيان يكتب لهم الطبيب الدواء دون النظر إلى جوده الدواء و فاعليته للمرضى حتى و إن كان هناك أدويه أفضل و أكثر فاعليه للمرضى مقابل رحلات و مصايف و مؤتمرات مجانيه و فى بعض الأحيان مقابل مبالغ ماديه و نسب من مبيعات هذا الدواء و قد يكون مقابل تشطيب عياده أو شراء أجهزه لازمه للعيادة.

حتى فى تخصص العناية المركزة والتخدير  , من يريد جذب المرضى فعليه أن يدفع راتباَ لسائقى عربات الإسعاف لغلق الطريق على العنايات المركزه الأخرى و فتح المجال لنفسه . و تجد أطباء التخدير على علم بعمليات لا يحتاجها المريض و على علم بعمليات مشبوهه تتم للمرضى و مع هذا يوافقون على اجراء التخدير لهذه الحالات .

بالطبع هذا ليس كل شيئ ,فأصبح إيجاد مكان فى المستشفيات الحكوميه درب من الخيال و يتم فى كثير من الأحيان عن طريق العيادات الخاصه حتى يتابعهم طبيب بعينه و هو من حول هذه الحالات و قد يكون بعيداًعن تخصصه و مع هذا تجد المريض فى القسم الذى يعمل به (كمريض أمراض  تنفسىه فى قسم أمراض القلب ) و نجد فى بعض الأحيان هذا الطبيب يطلب أجراًمقابل متابعه هذا المريض داخل المستشفى رغم أنه مريض من المفترض أنه يعالج فى مستشفى مجانى,و هذا هو الحال أيضا للجراحين من يتقاضى مالاًمقابل اجراء عمليه فى المستشفى المجانى مادام هو من حول المريض للمستشفى المجانى (طبعاً بأجر أقل من هذا الذى يتقاضاه فى الخاص)إذا كان المريض لا يستطيع دفع مصاريف المستشفى الخاص !!!

حتى الأجهزه كالأشعه التليفزيونيه و أجهزه رسم القلب أصبحت مفروضه على المريض و بأجر ثابت بعيداًعن ثمن الكشف  حتى و إن لم يكن للمريض احتياج لها و كيف و أن يتحمل هذا الطبيب سعرها فلابد و أن يتحصل على ثمن هذا الجهاز بأسرع وقت و بأرقام مضاعفه.

ليس هذا كله ما يدعو للاستغراب و لكن ما يدعو للدهشه أن من يفعل هذا يقوم ليصلى و يصوم و يخرج الصدقات و يتحدث عن الحرام و الحلال و كأنه لا يفعل شيئأ ,فقد أصبحت هذه التصرفات معتاد عليها من قبل الكثير  الأطباء و الجراحين إلا من رحم ربى!!!

اصبح هناك أزمه ضمير فى عالم الطب ,واختفت الرقابه تماماً و إن كان هذا كله ناتج عن إختفاء الرقابه من الاساس و الإهتمام بالمرضى من قبل وزاره الصحه و من قبل المسئولين فى المستشفيات الجامعيه و كيف لا وكثير منهم يشارك بنفس هذه التصرفات و يستغل منصبه الحكومى لعمله الخاص ,كما أن من أهم أسباب هذه الكارثه أيضا ضعف رواتب الأطباء ما دفعهم لبيع ضميرهم تدريجياً حتى أصبحت هذه التصرفات و الأفعال عاده طبيعيه لا اختلاف عليها من أجل العيش فى مستوى جيد ,فأصبح شعار منظومة الصحة فى مصر للأطباء (حاول أن تجد طريقك و تحدد مستوى معيشتك بنفسك ) و فى الأخير الضحية هو الفقير البسيط الذى أنهكه المرض و تكالب عليه الفقر مع مرضه .

أجازه قصيرة لكنى لمست فيها ارتفاعا جنونيا فى الأسعار على كل المستويات و السلع و لكن هل يتحمل البسيط الفقير و هم أغلب ابناء الشعب المصرى صعوبه المعيشه مع المتاجره بأمراضهم و كلنا يعرف أن الصحه أغلى ما لدى الإنسان خصوصاًو إن كان المريض إبن أو إبنه مواطن بسيط ,فهو لا يتوانى إن دفع كل ما يملك و باع ما لديه من ممتلكات و إن كانت بسيطه من أجل أبنائه و من أجل الذهاب بهم لطبيب موثوق فى علمه  !!!!

بالطبع ليس كل الأطباء هكذا فالخير فى أمتنا إلى يوم الدين و لكنها ظواهر انتشرت و فى تفاقم و أثارها عنيفه على حياه البسطاء نتمنى اختفاءها  و حل أسبابها .

 يا أطباء مصرلا تتاجروا بالمرضى  بأمراضهم و لا تتاجروا بعلمكم ولا تستغلوا جهل قطاعات عريضه من الشعب و فقرها يرحمكم الله ولا تحملوا الفقراء ارتفاع الأسعار فهم يعانون أضعافكم مرات و يتألمون أكثر منكم كثيراً.

الرقابة .. الرقابة يا مسئولى الصحة فى مصر ..الضمير .. الضمير يا أطباء مصر و جراحيها  فالمال الحرام لا ينفع صاحبه أبداً .

ارحموا الأطباء ووفروا لهم الراتب المحترم و الحياه الكريمه كما هو الحال فى دول العالم و الذى هو الأعلى فيها على الإطلاق,وفروا لهم الإمكانيات فى المستشفىات الحكوميه رحمةً بمرضى مصر .

أوقفوا الجمع بين العمل العام و الخاص..أوقفوا العيادات الخاصه ..راقبوا المستشفيات الخاصه جيداً ,لديكم أطباء من أمهر أطباء الدنيا فالرحمة بهم و بمرضى مصر.

 

 

 

 

اترك رد

%d