بعد غياب 20 عاماً، تعود السينما العربية إلى المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان البرليناله السينمائي الدولي. كما تحضر قضايا اللاجئين في الدورة السادسة والستين للمهرجان ومنتج سوري يرى في المهرجان فرصة للحوار.
نجحت السينما العربية بفرض وجودها في دورة مهرجان برلين السينمائي الدولي السادسة والستين والتي تقام في الفترة بين 11 وحتى 20 شباط/فبراير، بمشاركةمخرجين من بلاد عربية متعددة من ضمنها السعودية، التي تشارك، رغم قلّة إنتاجها، بفيلم "بركة يقابل بركة" للمخرج الشاب محمود الصبّاغ. ويروي الفيلم قصة حب بتعقيدات صعوبة التواصل بين الجنسين في المجتمع السعودي.كما يشارك في المسابقة الرّسميّة للمهرجان فيلم "نحبّك هادي" لمخرجه التونسي محمد بن عطيّة بعد غياب عشرين عاماً لأية مشاركة عربية في المسابقة.
وتهيمن قضايا اللاجئين على دورة المهرجان لهذا العام، وتعيد للذاكرة بدايات المهرجان عند تأسيسه عام 1951، حيث كان الكثير من الألمان يعايشون اللجوء والنزوح بعد الحرب العالمية الثانية.
السينما السورية بعيداً عن السياسة
في حوارمع DW عربية، يرى المنتج السينمائي السوري المقيم في برلين عروة نيربيّة، أنّ موجة اللجوء فرضت على كل من يعيش في ألمانيا التعامل معها، ولم يعد بالإمكان في هذا السياق فصل الشأن السوري عن الشأن الألماني، ومهرجان برلين لهذا العام هو فرصة كبيرة لتقريب وجهات النظر ولفتح "النقاش الألماني – الألماني". ويوضح نيربيه فكرته بقوله "إنّ برليناله هو أحد أهم المهرجانات السينمائية في العالم، وأحد نقاط قوته أنه مهرجان جماهيري، ولا يتوجه لصانعي السينما فقط". ويرى نيربيّة أنّ إدارة المهرجان بإشراكها مجموعة من اللاجئين في حضور فعاليات المهرجان تعبّر عن ثقافة الترحيب بالقادمين الجدد، كما أنّها فرصة جيدة للجمهور الألماني للتعرف على الظروف التي اضطرت هؤلاء اللاجئين للهجرة عبر الأفلام المتصلة بالموضوع.
ويُشار إلى أنّ المكتب الصحفي لـ "برليناله" أعلن أنه سيوفر نسبة من التذاكر المجانيّة والمخفّضة، إضافة لعدة مبادرات وفعاليات مع الطلاب، وتقديم أطباق شرق أوسطية في فرصة للتبادل الثقافي.
أمّا عن المشاركة السورية في برليناله لهذا العام، فيقول عروة نيربية لـ DW عربيّة "مازلنا هنا"، وأنّ المشاركة السورية لهذا العام تعني أنه ورغم كلّ الظروف التي يمر بها السينمائيون السوريون المستقلون ما زالوا قادرين على العمل وإنتاج أفلام تقرب قضيتهم إلى العالم من وجهة نظر إنسانيّة بعيداً عن الاستعصاءات والتعقيدات السياسية والإعلامية. وعن مشاركة المخرج السوري الأرمني آفو كابرئليان بفيلمه الوثائقي الطويل "منازل بلا أبواب"، يقول: "إنها تبشّر بشباب سينمائي واعد غير بعيد عن الهم السوري"، كما يرى أنّ مشاركة المخرج الكردي بهمن قباري بتجربته السينمائية "مثيرة للفضول وتستحق المتابعة"، وقد قام قباري بإعطاء كاميرات لأطفال نازحين من مدينة كوباني السورية، ليصوروا يومياتهم وتم جمعها في فيلم.
"بيت بلا باب، ليس بيتاً"
لا تغيب سوريا عن المهرجان بالعرض الأوّل لفيلمين مرتبطين بواقع رحلات الهجرة والنزوح، أولهما الفيلم القصير: "الآن: نهاية الموسم" لأيمن نحلة، والثاني هو الوثائقي الطويل "منازل بلا أبواب" للمخرج آفو كابرئليان.
وعن تصوير فيلمه الطويل الأوّل يقول كابرئليان لـ DW عربيّة: "معظم مشاهد الفيلم صُوّرت من شرفة منزلنا في حي الميدان في حلب. يعتبر الحي حاليّا نقطة تماس واشتباكات بين الأطراف المختلفة، لكنّه كان تاريخيّاً مخيّماً للاجئين الأرمن الذي نزحوا إلى سوريا في أوائل القرن الماضي".
من شرفة المنزل يرصد الفيلم تحوّلات الشارع والحي مع مرور الزمن، وقد صُوِّر على مدى أربع سنوات ابتداءاً من 2012 وحتى 2015. ويعود بين الحين والآخر إلى ذاكرة المجازر الأرمنيّة مستحضراً لحظات الألم والنزوح والانتظار، "انتظار العدالة، وانتظار القذيفة أحياناً أخرى"، كما يعبّر المخرج السوري ذو الأصول الأرمنيّة.
في السؤال عن العدالة وانتظارها، وهل يأمل بأن تتحقق يوماً ما، يعتبر آفو الأسئلة التي تدور حول العدالة أسئلة صعبة جداً. وهو يعيد طرحها اليوم على نفسه مع معايشته الحرب في سوريا، ويعود بالذاكرة إلى طفولته حين كان يتصفّح كتاباً ضخماً في مكتبة المنزل يحتوي صوراً مرعبة عن المجازر الأرمنية، ولا يستطيع كابرئليان إلا أن يقارب بين الماضي والحاضر ويضيف "بعض الأشياء لا تعوّض أبداً، أشخاص من حلم ولحم ودم رحلوا… ما الذي يستطيع تعويض ذلك فعلاً؟ وكيف ستتحقق العدالة لمن رحلوا؟".
يتطلع آفو كابرئليان لحضور العرض العالمي الأول لفيلمه في برليناله ويقول لـ DW عربيّة: "كل من يهتم بالسينما يهتم بمهرجان برلين السينمائي"، ويتابع بأن المهرجان منبر عالمي جدّي. وقد حاول من خلال فيلمه تطوير أسلوب طرح وشكل جديدين، كي لا يقع بالتكرار سواء على مستوى الفكرة أو الصورة، فمن المهم بالنسبة إليه أن يكون "ثوريّاً" في تقديم رؤيته على حد قوله. إذ يعتبر كابرئليان الفيلم مسؤوليّة حقيقية، لأنه ينقل حياة ومشاهد حقيقة من خلال معايشته لأحداث في الحي، لذا فهو يعلّق أهمية كبيرة على عرض الفيلم على جمهور المهرجان.
ويختم المخرج السوري الأرمني حديثه لـ DW عربيّة عن سبب تسمية الفيلم بهذا الاسم "منازل بلا أبواب"، بروايته لأحد أحلام أمّه الواردة في الفيلم: "تحلم أمّي أنها عادت إلى حلب وذهبت إلى بيتنا، ولكن عند وصولها تجد جداراً عوضاً عن الباب. قالت أمّي عندما روت حلمها: بيت بلا باب، هو ليس بيتاً، يبدو أننا لن نعود أبداً"
يُذكر أنّ مدينة حلب، هي إحدى أكبر المدن السورية التي يتركّز بها الأرمن، ولها مكانة تاريخية ووجدانية كبيرة، ويعتبر العديد منهم أن نزوحهم من حلب هو نزوحهم الثاني، بعد نزوحهم إليها قبل مئة عام.