بقلم الدكتور عادل عامر
أن إصرار الجانب الإثيوبي على المضي في بناء مشروع سد الألفية بالمواصفات الحالية سيقود حتماً إلى نتائج خطيرة تمس الأمن القومي لكل من السودان ومصر. وتؤكد هذه المعلومات والدراسات المتوفرة لدي جهات مصرية عدم قدرة السد علي تحمل ضغط المياه الضخمة التي سوف تحتجز خلفه، والتي تصل إلى نحو 74 مليار متر مكعب من المياه كما أنه مشيد من الاسمنت ومن ثم فقد ينهار في أية وقت، وعندها ستحدث الكارثة، حيث سيغرق شمال السودان وجنوب مصر ويحدث تشريد لملايين الأسر الذين سوف يتم تدمير منازلهم وزراعاتهم. وتشير الدراسات أن انهيار السد لن يمثل خطراً على إثيوبيا لأنه سيبنى على أطراف حدودها مع السودان ولكن أضراره ستلحق السودان ومصر فمن المتوقع أن تغرق الخرطوم بكاملها، بينما ستغرق مساحات شاسعة من أسوان إلى الجيزة.
إن إثيوبيا رفعت شعار “لقد انتصرنا” أمام مصر بعد تنظيمهم احتفالات ببناء سد النهضة، وتحويل مجرى النيل الأزرق إلية أن الدولة المصرية اتبعت منذ البداية المسار القانونى مع أثيوبيا واتخذت سياسة النفس الطويل وداومت على التشبث بالمبدأ القانونى رافعة شعار “حسن النية”.
ومع أهمية أن تقوم مصر بحشد دبلوماسى كبير فى إعداد ملف قانونى وواقعى حول سد النهضة وتقديمه لمجلس الأمن، وتكون موثقة بالأدلة التى تثبت أن السد ذاته والنهج الإثيوبى لم يكن على ما يرام. أن مصر التزمت بالمبدأ المنصوص عليه فى إعلان مبادئ سد النهضة فى 23 مارس 2015، والتزمت سياسة السلمية، كى تستطيع أن تستثمر ذلك ضد إثيوبيا وتؤكد سوء نية أديس أبابا فى تنفيذ اتفاقاتها الدولية القانونية الواردة فى إعلان المبادئ وذلك حال إخفاق المبادرات والمباحثات الحالية فى الخرطوم.
أن المفاوضات وسيلة دبلوماسية سلمية لتسوية النزاعات وهى الأسرع مقارنة بالإلزامية أن التحكيم الدولى أو القضاء الدولى فى لاهاى ليس خطوة جيدة لحل ألأزمة لأنه حال أن قضت المحكمة الدولية لصالح مصر ستعود المفاوضات من جديد.
وقد اتخذت مصر الخيار التفاوضي بعد ثورة 30 يونيو نظراً لأن أزمة سد النهضة تشكل تهديداً خطيراً ليس فقط للأمن المائي المصري، بل للأمن القومي على وجه الشمول لما سينتج عنه من أخطار كارثية، لذلك يعتبر ملف مياه حوض النيل من أخطر الملفات وأهمها للدبلوماسية المصرية،
إذ توجد بعض الآراء التي تؤكد أن الحروب والصراعات القادمة ستكون صراعات حول المياه. وقد استمر نهج مصر التفاوضي مستندًا إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة والتي تنم عن رغبة في توسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف مع التعبير في نفس الوقت عن المخاوف بشأن التأثيرات السلبية للسد على الأمن المائي،كما سيكون للسد تأثير مباشر على خطة الدولة في استصلاح الأراضي يهدد بتوقف خطط استصلاح 3 ملايين فدان خاصة في توشكى وسيناء والساحل الشمالي ومطروح وتأثيره على الحاصلات الذراعية خاصة الحبوب والخضر لعدم توافر المياه فبناء السد سينقص من حصة مصر التي تعاني نقص المياه منذ عدة سنوات وسيقلص من المساحة المنزرعة من المحاصيل وتخزين المياه في السنوات الأولى بعد الفراغ من بناء السد سيؤثر على حصص مصر من المياه وبالتالي تأثيره على جميع الحاصلات الزراعية وخاصة المحاصيل الاستراتيجية فنحن نعاني حاليًا من نقص المياه وأراضينا تتعرض للبوار والوضع أصبح صعبًا غير ذي قبل فالسد يمثل خطورة على خطة الاستصلاح التي تنفذها وزارة الزراعة بواقع 3 مليون فدان ويهددها بشكل مباشر بالبوار، والتي ستؤدي إلى توقفها بالكامل
والقضاء على ما تم استصلاحه لعدم توافر المياه المطلوبة لخطة الاستصلاح وعلى الحكومة أن تتحرك في مشروع الري الحقلي للأراضي القديمة في الوادي والدلتا والتي تتمثل في أكثر من 5 ملايين فدان في مدة تصل إلى عشر سنوات لرفع كفاءة الري وعلى الحكومة المصرية بالتوجه إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة للتحكيم الدولي لحل الأزمة ومناقشة بناء سد النهضة الإثيوبي وتأثيره على حصة مصر من المياه ولابد من تعاون مشترك بين الجانب المصري والإثيوبي للتوصل إلى حلول سلميه والتحرك المصري الأخير بقيادة الرئيس السيسي بعقد أكثر من لقاء مع المسئولين الأثيوبيين سيكون له أثر السحر في البحث عن الحقوق المصرية التي تعد أصيلة بحسب الاتفاقات الدولية.
إن توجه إسرائيل نحو دول إفريقيا ظل دائمًا يشكل جزءًا من الصراع العربي الإسرائيلي وجزءًا من نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على التفوق العسكري واكتساب الشرعية والهيمنة والتحكم في المنطقة وتطويق الدول العربية – خاصة مصر – وحرمانها من أي نفوذ داخل القارة الإفريقية.
لذلك يحاول الكيان الصهيوني دائمًا استغلال الخلافات العربية مع بعض الدول الأفريقية وتعميقها، وتهديد أمن الدول العربية المعتمدة على نهر النيل بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فكتوريا وتعلم مصر جيدا أن إسرائيل لا تبقى بعيدة عن أي مناطق صراع تحول دون تقدم مصر وتعمل دائمًا على ما يعرقل أي تقدم مصري، فلماذا الصمت إذن بعدما باتت إسرائيل لاعبًا أساسيًا في بلدان أعالي النيل.
والمشكلة في بناء هذا المشروع الضخم تتمثل في تلك الفترة المطلوبة لملء خزان السد حيث ستحول كميات كبيرة من مياه النيل الأزرق التي تنتهي إلى السودان ثم مصر ستتحول إلى الخزان إذ يتوقع أن تتقلص حصة البلدين من تدفق النيل بشكل ملحوظ خلال فترة ملء الخزان. وتسعى القاهرة والخرطوم مقابل الموافقة على إنشاء السد إلى تنظيم عملية ملء الخزان على نحو يقلل من حجم الضرر المائي على البلدين.
أن الدولتين ستدفعان باتجاه تقنين فترة ملء الخزان بجعل فترة ملء الخزان لا تقل عن خمسة عشر عاما، وبإشراف خبراء من البلديين إلى جانب التوقف عن عملية الملء في حال تراجع المنسوب إلى أقل من المتوسط العام في ظل استخدام إثيوبيا أسلوب “التمويه والخداع الاستراتيجي في إدارة ملف حوض النيل والمراوغة لكسب الوقت
وأخيرا استباقها قرار اللجنة الثلاثية المكلفة بتقييم السد وبدأت في فرض مشروعها كأمر واقع جديد بالإعلان عن تحويل مجرى النيل الأزرق لبدء الأعمال الإنشائية لسد الألفية، ومن ثم تضاعف قلق المصريين والسودانيين بخصوص تأثيره على تدفق مياه النيل وحصة مصر والسودان منها. ففي الوقت الذي نؤكد فيه علي حق أثيوبيا في إنتاج الطاقة، فإننا في الوقت نفسه نؤكد على أن مصر لن تقبل أن ينقص أحد من حصتها المائية قطرة واحدة.
أكدت اتفاقية فيينا لخلافة الدول فى المعاهدات والتى تم إقرارها فى 23 أغسطس 1978 ، على مبدأ التوارث الدولى المعاهدات فى حالة خلافة الدول وتنظم الحالات التى ترث بها الدول الوليدة المعاهدات السابقة وأن خلافة الدول لاتؤثر على الحدود التى وضعتها معاهدة أو تلك الأوضاع والالتزامات والحقوق التى أنشت بموجب معاهدة والمتعلقة بنظام من الحدود وكذلك داخل النظام الإقليمى ، وهو ماينطبق على حالة حوض النيل باعتباره نظاماً إقليمياً ، وقد أكدت الدول الأفريقية على مبدأ توارث وقدسية الحدود فى اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية سابقاَ – الاتحاد الأفريقى حالياَ – .
واستنادا لذلك فموقف مصر الثابت فى ذلك يشمل التأكيد على شرعية اتفاقيات مياه النيل السابقة والتى تدعى اثيوبيا بطلانها وتصر على تغييرها ، وذلك حيث تؤكد مصر التزام دول الحوض الاتفاقيات المبرمة ريثما يتم التوصل لحل بخصوص اتفاقية عنتيبى وبالتالى فلا يستطيع أى طرف أن يتحلل من الاتفاقيات المسبقة ، وهو أيضاً ما أكدته مصر حول موقفها من اتفاقية الأنهار الجديدة وذلك بقولها أنه “
لايمكن لمثل هذه الاتفاقية الجديدة أن تدى بأى حال من الأحوال إلى التأثير على الاتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف المتعلقة بأنهار أخرى ولهذا كان موقفها فى التحفظ على تلك الاتفاقية عند التوقيع عليها نظراً لعدم رغبتها فى رفضها حيث وردت بها بعض المواد التى تؤكد على حقوق مصر وتعتبر ذات فائدة لها مثل تبادل المعلومات بين الدول فى حوض النيل وتستثنى من ذلك أى معلومات تجد الدولة بأنها تضر من أمنها القومى ، أما إثيوبيا فقد أكدت على احتفاظها بحقها فى استعمال موارد مياه النيل لصالح شعبها بغض النظر عن حرية استعمال الدول المستفيدة الأخرى من المياه أو سعيها وراءها وذلك استناداً لمبدأ قانونى متعلق بالسيادة الإقليمية المطلقة
وأن لها حق التصرف فى المجرى المائى الواقع داخل اقليمها بصرف النظر عن النتائج لضارة التى تترتب على الدول الأخرى المشاطئة للمجرى وهذا ما يتناقض مع مبدأ توارث المعاهدات الدولية فيما يخص الاتفاقيات السابقة التى التزمت بها إثيوبيا مع مصر والسودان. انتهت جولة المباحثات التى انطلقت أول أمس السبت بين السودان ومصر وإثيوبيا في الخرطوم بشأن الخلافات حول سد النهضة الذي تبنيه أديس ابابا على مجرى نهر النيل دون التوصل إلى أي اتفاق
أعلن وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور انتهاء جولة جديدة من المباحثات بين السودان ومصر وأثيوبيا في الخرطوم بشأن الخلافات حول سد النهضة الذي تبنيه أديس ابابا على مجرى نهر النيل وذلك دون التوصل إلى أي اتفاق.
وهي المرة الثانية التي يجتمع فيها وزراء الخارجية والري من الدول الثلاث خلال شهر لحسم النقاط العالقة بشأن السد وسط ترقب مصري لرد إثيوبي على عدد من الشواغل التي فجرها تسارع وتيرة بناء السد بما لا يتناسب مع إجراء الدراسات اللازمة لتأثيره على دولتي المصب.