في وقت ازدادت فيه بشكل ملفت الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية على الأجانب، وضع مدرب المنتخب الألماني يوآخيم لوف أحد عشر لاعبا ذوي أصول مهاجرة من إجمالي 27 لاعبا في القائمة الأولية لتشكيلته يورو 2016. فما دلالة ذلك؟
في قائمته الأولية التي أعلنها لتشكيلته التي ستسافر إلى فرنسا للمشاركة في كأس الأمم الأوروبية "يورو 2016" اختار مدرب منتخب ألمانيا يوآخيم لوف 27 لاعبا بينهم أحد عشر لاعبا من أصول مهاجرة، أي ما يوازي فريق كرة قدم كاملا ويقترب من نصف عدد اللاعبين الذين سيسافرون معه إلى النهائيات.
في حراسة المرمى اختار لوف بيرند لينو ليكون احتياطيا للعملاق مانويل نوير، مع الاحتياطي الآخر مارك-أندريه تيرشتيغن حارس برشلونة. وبيرند لينو حارس ليفركوزن، جاء والداه إلى ألمانيا قادمين من الاتحاد السوفيتي السابق عام 1989. لكنهما ممن يطلق عليهم في ألمانيا مصطلح "ألمان روسيا"، ويقصد به المواطنون الألمان الذين بقوا في مناطق الاتحاد السوفيتي السابق بعد الحرب العالمية الثانية.
أما تيرشتيغن فبسبب اسمه يسرى اعتقاد وسط كثيرين بأنه من أصل هولندي، لكن اللاعب نفسه قال إنه ألماني، موضحا أن اسمه العائلي يعود إلى "الفلمن"، (سكان شمال بلجيكا، الذين يتحدثون الهولندية)، لكنه لا يملك تفسيرا لكيفية مجيء هذا الاسم.
أما خط دفاع ألمانيا فهو صاحب نصيب الأسد في عدد اللاعبين ذوي الأصول المهاجرة، فهو يضم لاعب بايرن ميونيخ جيروم بواتينغ، الذي قدم والده من غانا إلى ألمانيا قبل عقود، وإمرى جان لاعب ليفربول، التركي الأصل، و شكودران موصطافي لاعب فالنسيا، المنحدر من ألبانيا، وأنطونيو روديغر، الذي ولد لأم من سيراليون وأب ألماني، وهو مدافع لفريق شتوتغارت، لكنه معار الآن إلى ايه اس روما الإيطالي.
وفي خط الوسط هناك كريم بلعربي، لاعب بايرليفركوزن، الذي يحمل أيضا الجنسية المغربية، فوالده مغربي أما والدته فألمانية. ويشبهه أيضا سامي خضيرة لاعب يوفينتوس الإيطالي، المولود لأب تونسي وأم ألمانية. وفي هذا الخط هناك أيضا مسعود أوزيل، التركي، الذي اعتبره الإعلام لفترات طويلة منذ انضمامه لمنتخب ألمانيا نموذجا للاندماج داخل ألمانيا. وهناك وافد جديد هو ليروي سانيه، لاعب شالكه، الذي تعد عائلته نموذجا لمكافحة العنصرية في ألمانيا. فوالده سليمان ساني لاعب دولي سنغالي سابق احترف في عدة أندية ألمانية، أما والدته فهي نجمة الجمباز الألمانية ريغينا فيبر، التي أحرزت ميدالية أولمبية في ألعاب لوس أنجلس 1984.
وفي خط الهجوم يقف المخضرم لوكاس بودولسكي، الذي قدم إلى ألمانيا عام 1987، مع والده لاعب كرة القدم البولندي ووالدته لاعبة كرة اليد البولندية. وإلى جواره أيضا هناك ماريو غوميز (اسمه بالكامل ماريو غوميز غارسيا)، المولود لأب إسباني وأم ألمانية.
يمثلون الوجه الحقيقي لألمانيا
هؤلاء اللاعبون اختارهم لوف في وقت يزداد فيه عدد المؤيدين لليمين الشعبوي في ألمانيا، في ظل أزمة المهاجرين الكبرى التي لم تشهد ألمانيا مثلها منذ الحرب العالمية الثانية. لكن الفيصل هنا بالنسبة للمدرب الألماني ليس هو أصل اللاعب وفصله وإنما إمكانياته الفنية والتزامه بالمعايير التي يضعها الاتحاد الألماني لكرة القدم، وأهمها أن يكون قدوة للشباب الصغير.
لاعبو المنتخب الألماني من أصول مهاجرة وبينهم كثيرون فائزون بمونديال البرازيل 2014، يلتزمون الصمت عند سؤالهم عما يحدث حاليا في ألمانيا ويردون بأنهم لاعبو كرة وليسوا سياسيين، حسب ما قال موقع "فوكوس" أونلاين الألماني.
رغم ذلك يرسل المنتخب الألماني لكرة القدم من خلال تشكيلته، التي تضم هذا العدد الكبير من اللاعبين من أصول مهاجرة، رسالة قوية قبل كأس الأمم الأوروبية في فرنسا مفادها أن هذا الفريق "يمثل الوجه الحقيقي لألمانيا". وهذه رسالة لها قوة رمزية، تظهر مدى الاستفادة الكبرى التي جنتها كرة القدم الألمانية من الهجرة " ويقول موقع فوكوس "لاعبو ألمانيا، مثل الشباب من أصول مهاجرة، يمثلون لمجتمعنا إلهاما وعاطفة وشجاعة تدفعه للأمام".