كتب – خالد عبد الحميد
(محامي الشعب ).. أبلغ عبارة يمكن أن نوصف بها النائب العام ورجاله الأكفاء من أعضاء النيابة العامة وهم يواصلون العمـل ليـل نهـار لاعادة الحقـوق إلي أصحابها وتقديم الجنـاة للعـدالة لتقتص منهم . نقول ذلك بمناسبة المرافعة التاريخية التي سطرتها نيابة الشيخ زايد أثناء مرافعتها في قضية مقتل نجل سفير سابق مقيم بمدينة الشيخ زايد علي يد شخصين وذلك في القضية رقم 4410 لسنة 2024 جنايات أول الشيخ زايد، والتي ترافع فيها عن النيابة العامة كل من إيهاب العوضي، رئيس نيابة الشيخ زايد، ومحمود غراب، وكيل نيابة الشيخ زايد، بإشراف إدارة التدريب والمرافعة بالتفتيش القضائي بمكتب النائب العام.
كان النائب العام، المستشار محمد شوقي، قد أحال المتهمين بقتل المجني عليه، وسرقة مسكنه، إلى محكمة جنايات الجيزة، لاتخاذ الإجراءات الخاصة بمحاكمتهم .. وعقب الاستماع إلى مرافعة النيابة العامة أجلت المحكمة القضية إلى جلسة 12 فبراير المقبل لمرافعة الدفاع.
وأكد إيهاب العوضي، رئيس النيابة، خلال إلقائه مرافعة النيابة، أن القضية المطروحة تطل فيها الجريمة بأقبح صورها، وأفجر ملامحها النكراء، كأنما الدنيا قد خلت من أمن وأمان، قائلا: «تأخذنا من عصرنا لتحط بنا إلى أول الزمان، يوم لم يكن لغير القوي مكان، حيث لا قانون، ولا أخلاق، ولا إيمان، حيث لا حرمة لعرض، ولا بيت، ولا إنسان».
وتابع ممثل النيابة العامة، قائلا: «هؤلاء المتاثلين بين القضبان البالية، منفكوا بالأمس القريب طلقاء بين الخلائق الآمنة، مترفعين عما جبل عليه قلب الإنسان من رحمة، ولا أتحامل عليهم، إذ أقول، إن البشرية في تاريخها الطويل، وعهدها السحيق، قلما تعرف رجال كهؤلاء في بلادة إحساسهم، وقساوة قلبهم، وإصرارهم على طريق الخطيئة، والفشل».
وأضاف ممثل النيابة: «السيد الرئيس، حضرات السادة المستشارين الأجلاء، قُتل من لم يستوف سن الشباب، أما عن الجناة فهما كذلك الفرض فيهما أنهما طالبين للعلم، باحثين عن تحقيق الذات، بحسبان أنهما طالبين في الجامعة، تراجعت طموحاتهما الباهتة، وانحدرت أحلامهما، إلى هاوية من الرغبات المريضة».
وأكد إيهاب العوضي، رئيس النيابة العامة بالشيخ زايد، أنه على الرغم من أن المتهمين طالبا علم، إلا أنهما بحثا عن الطريق الأسرع لتحقيق الثراء الفاحش، قائلا: «لم يأبا سوى بتحقيق حلم الثراء السريع، ولو على حساب حياة إنسان.. فالطمع، والجشع، والخداع منهاج هؤلاء، قد حادوا عن الطريق المستقيم، واتخذوا مسلكا ليس بالقويم، وسولت لهم أنفسهم بما حيلت عليهم من خسة ودناءة، وسوء النشأة، وفساد التربية، أن يقتلوا، ويتحولوا لذئاب بشرية تتربص للفتك بالآمنين».
ووصف ممثل النيابة العامة، مكان الجريمة بقوله: «مجمع سكني، حيث الأمان بخيم، والصمت يغيم، هذا هو المكان، إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان، كل شىء بدا هادئا، لكن خلف هذا الهدوء، كانت هناك نفوس تُخبئ السوء».
وأضافت النيابة العامة في مرافعتها، بشأن ارتكاب المتهمين للجريمة: «نسج المتهمان خيوطَ جرمهما، وشنيع إثمهما، صنعا من تلك الخيوط شبكة ظنا أنها محكمة، لكنها كانت هشة كبيت العنكبوت، تلك الشبكة التي تعثروا بها، فقادتهما اليوم إلى حيث هم الآن خلف القضبان».
وعن وصف حال المجني عليه حال عودته إلى محل سكنه قبل قتله، قال إيهاب العوضي، رئيس النيابة العامة بالشيخ زايد، ممثل النيابة، أمام هيئة المحكمة: «أما عن يوم الواقعة، يوم عاد المجني عليه إلى داره، يحسبه دار الأمان، والحق، لكنه كان له دار ضياع، عاد المجني عليه إلى منزله بخطوات متسارعة، لم يكن يعلم بأنه سيشهد نهايته، عمد إلى غرفته لينشد الراحة».
وفي المقابل كان المتهمان قد اتخذا قرارهما بارتكاب الجريمة، حيث قالت النيابة في مرافعتها: «قضيا ليلتهما السابقة تفتك بهما جنون رغباتهما المسمومة، وقد اختمرت فكرة قتل المجني عليه وسرقته برأسهما، وفي صبيحة يوم الحادث يوم السادس من شهر سبتمبر 2024، حصد جنون الطمع، ما تبقى لهما من عقول، وقد بديا مصران على تنفيذ رغبتهما الاجرامية، أتيا إلى المجني عليه، بأيد آثمة، طغى ذلك عنفا عليهما، وضعفت القوة المانعة لديهما.
وعن لحظات البدء في ارتكاب الجريمة، والأدوات المستخدمة فيها، قال ممثل النيابة العامة: «فأعدا العدة، وهي سكين، وعصا، وصاعق كهربائي، وحبل، وصعدا لسطح مسكن أحدهما، وبسهولة انتقلا إلى سطح بناية المجني عليه المجاورة، قفزا، ودلفا من الشرفة، وتسللا إلى غرفة نوم المجني عليه، وأحاطا به من كل اتجاه، إلا أنه استيقظ من سباته، واكتشف أمرهما، ودار رأسه في كل مكان، متسائلا: من أنتم؟!!.. وهم بالاستغاثة إلا أنه قد بدا الشر يكسو ملامحهما، وألقيا الرعب في صدره، فسخرا قوتهما الجسدية قبل المجني عليه».
وأضاف ممثل النيابة: «عدة طعنات نافذات فأعيت قوته الجسدية، إلا أنه تمسك بأمل الحياة، فانطلق مهرولا نحو باب الشقة، ودماؤه تتناثر في أرجائها، لاحقاه وتمكنا منه، ظلا منقضين عليه بمخالب ضارية، وضمير غائب، طمس على قلبهما».
وتابعت النيابة، خلال مرافعتها: «وإذا بضوء النهار ينطفئ بغتة، فيسود الظلام، وإذا بالصرخات تسكت، فيسود الصمت، فلم يتركاه إلا وقد فاضت روحه إلى بارئها جثة هامدة، تركا المجني عليه غارقا في دمائه، وباتا يفتشا في أرجاء الشقة، باحثين عن مرادهما حتى استوليا على مبالغ مالية، ومفاتيح السيارة، وهاتف محمولن وجهاز لاب توب، وبطاقة ائتمان، وأخذا يتجولان في أنحاء المسكن، وكانت الخطة أن يتخلصا من جثمان المجني عليه، إلا أنهما تركاها مخافة أن يفتضح أمرهما، وأرجأ قرار إخفاء جثته لحين إشعار آخر».
وعن لحظات هروب المتهمين من مسرح الجريمة، قال ممثل النيابة خلال المرافعة: «غادر المتهمان المنزل، مستقلين سيارة المجني عليه، وتوجها إلى محل اعتادا الوقوف بجواره، وهنا بزغ ضوء المتهم الثالث، حين لجأ إليه المتهم الأول، وأخبره بأنه قتل ولجأ إليه ليعاونه في إخفاء أدلة جريمته، طالبا منه
فتح النمط السري لهاتف المجني عليه، وإخفاء جثته فأجابه المتهم الثالث، قائلا: خبراء البرمجة لي كملك اليمين، ولا تقلق سأخفي من قتل بمكان دفين، إذ به كشر عن أنيابهـ وقد أتته الفرصة لإشباع شهواته المتمثلة في جمع المال».
وتابع ممثل النيابة: «وفي هذا المقام يحضرنا قول المولى عز وجل، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا»، مؤكدًأ أن للمتهمين، وأمثالهم، وعيد من الله بما أخويت نفوسهم بالمال الحرام، وبما ضلت عن سواء السبيل، وسقناهم إليهم بما اقترفته أيديهم.
وأكد محمود غراب، وكيل النيابة العامة بالشيخ زايد، خلال مرافعته، على أن تهمة الجناة، هي القتل العمدي مع سبق الإصرار، والترصد، والسرقة، وإخفاء الأدلة، قائلا: «وعن أدلة دعوانا، وهي جميعا أيا كان مأتاها، سواء كانت قول شاهد، أو اعتراف متهم، أو مستند يوثق الحقيقة، ويقطع بها، أو تسجيل مرئي من آلات المراقبة، أوآثار مادية، من تلوثات دموية، وبصمات وراثية، عثرنا عليها في مسرح الجريمة، وحققتها وبينتها الأدلة الفنية».
وأكد ممثل النيابة، أن الأدلة المستمدة التي أقامتها النيابة في حق المتهم الثاني، نص إقراره قائلا: «اتفقنا إن لو قام من النوم هنقتله».
وتابع ممثل النيابة العامة: «وإن في حديثنا عن الأدلة المادية، لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، كخيط إذا ما شد أو قطع، انهمرت ما في جعبته من سر ومكتتم».
وأوضح محمود غراب، وكيل النيابة العامة بالشيخ زايد، أن النيابة العامة لم تكتف بالأدلة المادية، المعروضة على هيئة المحكمة، بل استخلصت أدلة رقمية من آلات المراقبة التي تطبق الدليل المادي في صورة رقمية على المتهمين مستقلين سيارة المجني عليه، حاملين على عاتقيهما حقيبة سفر.
وفاجأ ممثل النيابة هيئة المحكمة، وحضور الجلسة، بأن استأذن هيئة المحكمة، لسماع رسالة المجني عليه عمرو بسيوني الأخيرة، قائلا: «ها هي رسالتي واضحة جلية، أجل قتلت، لكني أغالب نفسي على ما فيها من هوى السنين الطويلة، وإني لأتلفت من حولي فأرى أطياف القديم تنبعث لي من كل ركن وطريق، والحياة كما كانت عليه، والناس، أمي، وأبي، رفقاء دربي، وعملي، أين ذهبت تلك الأيام الخوالي وقد تغير كل شىء؟!.. ذهب زمان، وجاء زمان آخر، فلا أدري أنكر ما أرى، أم أنكر نفسي».
وأضاف : «وأما عن رسالتي لكم يا قضاة الأرض، يا قاضي الأرض لا تعطي العصاة مناهم، فلا والله يعطي العصاة مناها، إذا هبط القاضي أرضا مريضة، تتبع أقصى دائها فشفاها، شفاها من الداء العضال الذي بها ماء إذا هز القناة سقاها».
وأنهت النيابة العامة مرافعتها بمطالبتها بتوقيع أقصى العقوبة على المتمثلة في الإعدام شنقا جزاء وفاقا للمتهمين.
وكانت تحقيقات النيابة قد كشفت أن المتهمين هم «م.م»، و«ي.م»، و«إ.ح» وشهرته «البحراوي»، وجميعهم محبوسون؛ وأن الأول والثاني خلال يومي الرابع والخامس من سبتمبر 2024، بدائرة قسم أول الشيخ زايد، قتلا المجني عليه «عمرو. ع»، عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم بالتوجه إلى مسكن المجني عليه والتربص به، وتسللا لمسكنه عن طريق التسور ودلفا لغرفة نومه وقاما بصعقه كهربائيا، وانهالا عليه بالطعنات النافذة، بخنجر استلاه من مسكن المجني عليه قاصدين ذلك إزهاق روحه فسقط جثة هامدة.
وأشار أمر الإحالة، إلى أن المتهمين ارتكبا هذه الجريمة، بقصد تسهيل ارتكاب جنحة أخرى مرتبطة، هي أنهما سرقا المنقولات (سيارة ماركة مرسيدس الرقيمة ق ج/ 4819، ومفاتيح مسكن المجني عليه والسيارة ماركة تويوتا الرقيمة ع م / 3168، وهاتف محمول، وبطاقات ائتمان، وجهاز لاب توب)، ومبالغ مالية قدرها 530 ريال سعودي.
وذكر أمر الإحالة، أن المتهمين «الأول» و«الثاني» أحرزا بغير ترخيص أسلحة بيضاء (خنجر، وسكين)، وأحرزا أدوات (صاعق كهربائي، وعصا خشبية) دون أن يوجد لإحرازهما أو حملهما مسوغ قانوني مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية.
وأشار أمر إحالة إلى أن المتهم الثالث أخفى الهاتف المحمول المملوك للمجني عليه المتحصل من الجناية والجنحة محل بند الاتهام الأول مع علمه بها.