بقلم : نصر مطر
بعد فشل ما يسمى بـالخريف العربي في إعادة تشكيل خارطة المنطقة بما يخدم مخططات تفكيك الدول وإضعافها، أصبحت سوريا في مواجهة سيناريوهين لا ثالث لهما، وكلاهما يهدف إلى إنهاء وجود الدولة السورية كما نعرفها.
السيناريو الأول، والأقرب للتحقق، يتمثل في تفكيك الهوية الوطنية السورية بالكامل. ليس الهدف تقسيم سوريا فحسب، بل طمس كلمة “الدولة السورية” واستبدالها بمسميات جديدة تعكس واقعًا مفروضًا على الأرض. هذا السيناريو يسعى لإعادة تشكيل المناطق السورية بطريقة تضمن لإسرائيل بسط نفوذها على الأراضي السورية دون مواجهة أي مقاومة فعلية، وتحويل البلاد إلى مناطق متنازع عليها بين أطراف إقليمية، أبرزها تركيا وإسرائيل. في هذا السياق، قد نشهد في المستقبل القريب تغييبًا متعمدًا لذكر سوريا في التصريحات الإعلامية، واستبدال ذلك بتسميات مناطقية بهدف محو ذاكرة الأجيال القادمة، تمامًا كما حدث مع الأندلس، الدولة العظيمة التي لم تعد تُذكر إلا في كتب التاريخ.
أما السيناريو الثاني، وهو بعيد المنال لكنه يبقى مطروحًا، فيتمثل في تأسيس نظام سياسي “متأسلم” بغطاء ديمقراطي. هذا النظام، الذي قد يبدو في ظاهره تقدمياً، سيكون أداة لخلق الفوضى في المنطقة العربية، وإثارة الانقسامات والانشقاقات بين الدول. هدفه ليس بناء سوريا جديدة، بل تصدير الأزمات للدول العربية المتبقية، وإبقاء المنطقة في حالة دائمة من عدم الاستقرار.
ومع ذلك، وبعد ما شهده العالم العربي منذ عام 2011، أصبحت الشعوب والحكومات أكثر وعيًا بما يُحاك ضدها. التجارب السابقة جعلت الجميع أكثر فطنة، وأكثر قدرة على كشف المخططات التي تهدف إلى تقويض الاستقرار وتدمير الهوية الوطنية.
يبقى الأمل معقودًا على الشعب السوري، صاحب الكرامة والتاريخ العريق، أن يستعيد زمام الأمور، ويعيد تشكيل المشهد بما يحافظ على وحدة وطنه وهويته الحضارية. الشعب السوري، الذي وقف طويلاً أمام التحديات، مطالب اليوم بتغيير معادلة الاحتلال المفروضة عليه، والتمسك بوطنه ضد كل محاولات التقسيم والطمس.
سوريا ليست مجرد أرض، بل هي هوية وحضارة. الحفاظ عليها مسؤولية الشعب السوري الحر، وكل من يؤمن بقيمة هذه الأرض في التاريخ والمستقبل