كتب – خالد عبد الحميد
علي مر العصور والمعارك التي خاضها الجيش المصري كان هناك شهداء وأبطال ضحوا بحياتهم من أجل الوطن ، واليوم ونحن نحتفل بيوم الشهيد الذي يوافق التاسع من مارس من كل عام نؤكد أنه يوم يرسخ لمبدأ العطاء دون مقابل، والتضحية بالروح من أجل كرامة الوطن.
وعرفانا من المصريين بفضل هؤلاء الأبطال وتضحياتهم فهم يحييون هذه المناسبة كل عام بفخر وامتنان لهؤلاء الأبطال تخليدًا للتضحية في سبيل الله ومن أجل الوطن، واعترافا بمنزلة الشهداء عند ربهم .
ولا شك أن منزلة الشهداء عند ربهم منزلة عظيمة ، ومما يؤكد على ذلك ما يلي:
ا. أن الشهداء يحشرون في الجنة يوم القيامة مع النبيين والصديقين:
وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: « وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» (النساء : 69) .
كما أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون:
حيث يقول المولى سبحانه وتعالى : « وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ» (البقرة : 154) .
ويقول رب العزة في أية أخري : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ » (آل عمران : 169: 171).
ولم تتجاهل الأحاديث النبوية الشريفة فضل الشهداء عند ربهم ومكانتهم العظيمة في الآخرة
فهناك أحاديث نبوية كثيرة منها ما رواه الامام الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أنه قال : لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أُحد لقيني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , فقال : « يا جابر , مالي أراك منكسراً ؟ ” قلتُ : يا رسول الله استشهد أبي وترك عِيالاً ودَيْنًا , قال : « أفلا أبشِّرك بما لقي الله به أباك ؟» قلت : بلى يا رسول الله , قال : « ما كلَّم الله أحداً قطُّ إلا من وراء حجاب , وكلّم أباك كِفاحاً, فقال : يا عبدي تمنَّ عليَّ أُعطِكَ , قال : يا رب تُحيينِي فأُقْتَل فيكَ ثانيةً , فقال الربُّ سبحانه إنه سبق مِنِّي أنهم إليها لا يرجِعُون . قال يا رب , فأبلِغْ مَنْ ورائي , قال : فأنزل الله تعالى : «ولا تحسبنَّ الذين قُتِلُوا في سبيلِ الله أمواتاً , بل أحياءٌ عند ربهم يُرزَقُونَ».
والشهداء اختصهم الله تعالى دون غيرهم بخصال عظيمة:
فقد جاء في الحديث عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم: “للشهيد عند الله سبع خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانًا من أهل بيته. (رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه).
كما ان الشهداء لا يشعرون بألم الموت:
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يجد الشهيد من مس القتل، إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة.
قال المناوي: الشهيد لا يجد ألم القتل، إلا كما يجد أحدكم مس القرصة. بمعنى أنه تعالى يهون عليه الموت، ويكفيه سكراته وكربه.
أيضا أرواح الشهداء تنعم في الجنة:
فقد جاء في الحديث أن أرواحهم في جوفِ طيرٍ خُضْر، لها قناديل معلَّقة بالعرش، تسرحُ من الجنة حيث شاءتْ، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربُّهم اطلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يَسْأَلوا، قالوا: يا رب، نريد أن تردَّ أرواحَنا في أجسادِنا حتى نقتلَ في سبيلك مرةً أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا) صحيح مسلم.
فالشهداء أرواحهم في نعيم الجنة، في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، كما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا شرف لهم، وحث لهم على الجهاد في سبيل الله، وهكذا أرواح المؤمنين عند الله أيضًا في الجنة، حية عند الله في الجنة، لكنهم دون الشهداء.
الي غير ذلك من الفضائل والمنح والعطايا التي ميز الله بها الشهيد عن غيره.
وفي ضوء فقه الواقع ومع إيماننا الكامل بأن مرجع الأمر في النيات أولاً وأخيرًا لله سبحانه وتعالى فإن الحكم بالظاهر هو أن الشهيد الحق هو من لقي الشهادة في ميدان القتال أو بسببه مدافعًا عن دينه ووطنه وعرضه وتراب وطنه مخلصًا لوجه الله لا لدنيا يصيبها أو لصالح جماعة متطرفة يتبعها ، كما تشمل الشهادة الحقيقية من استشهد في سبيل ذلك أثناء خدمته وأداء مهمته في إطار مؤسسات الدولة المعنية بذلك .
وقد أكدنا وما زلنا نؤكد أن إعلان حالة الحرب والسلم المعبر عنها في العصر الحديث بحالة التعبئة وعند الفقهاء بالجهاد القتالي ، ليست أمرًا متروكًا لعامة الناس ، وإنما هي سلطة الحاكم في ضوء ما يقرر قانون كل دولة ودستورها ، وأنه ليس لأحد أن يخرج للقتال من تلقاء نفسه في غير ما ينظمه القانون والدستور ، وإلا لصار الناس إلى أبواب من الفوضى لا تسد .
لذلك فإن من مات على فراشه أو في بيته أو أي مكان آخر غير ما ذكرنا فإن إطلاق الشهادة عليه لا يخرج عن أحد أمرين : إما أن يكون إطلاق الشهادة عليه من باب المجاز , بأن له منزلة من منازل الشهداء عند ربهم , وذلك لمن مات مبطونًا أو محروقًا أو غريقًا أو نحو ذلك مما وردت به السنة المشرفة كما في الحديث , حيث يقول رسولُ اللَّه (صلى الله عليه وسلم): “الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ ، والغَرِيقُ ، وَصَاحبُ الهَدْم ، وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه” (متفق عليه).
وإما أن يكون الأمر محصورًا بين التزيد والادعاء والكذب والمتاجرة بالدين ، كهؤلاء الذين اعتادوا الكذب واستحلوه ، فراحوا يكذبون ويزورون ويصفون من مات حتف أنفه على مرأى ومسمع من العالمين بالشهيد كذبًا وافتراء ومتاجرة بالدين..
رحم الله شهداء الواجب وربط على قلوب ذويهم.