بقلم: أحمد عبده طرابيك
تعد أوزبكستان واحدة من أكبر الاقتصادات وأكثرها نموًا ديناميكية في آسيا الوسطى. وخلال السنوات الأخيرة، قامت البلاد بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي كان لها تأثير إيجابي على التنميية الشاملة. وخاصة بعد أن قامت الحكومة بدعم نشاط الاستثمار في التقنيات والابتكارات الجديدة. وهذا ما سمح للشركات الأوزبكية بتطوير تقنياتها وأصبحت أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية، وقد بدأت هذه الإصلاحات تؤتي ثمارها بالفعل. حيث يستمر اقتصاد البلاد في التطور، وأصبح أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب الذين يعملون في مشاريع مختلفة.
من بين أهم التغييرات الرئيسية التي شملها دستور أوزبكستان الجديد المتعلقة بالجوانب الاقتصادية، هو تعزيز حماية الملكية الخاصة. والذي من شأنه المساهمة في النمو الاقتصادي المستدام. حيث ينص الدستور على قاعدة تضمن الدولة بموجبها حماية الملكية الخاصة، ولا يتم فرض القيود على حقوق الملكية إلا على أساس قرار من المحكمة. حيث من شأن ايجاد الأساس المتين لاقتصاد السوق الحر، من خلال تعزيز ضمانات نشاط ريادة الأعمال، وتطوير علاقات السوق، وتهيئة الظروف. من أجل المنافسة العادلة، وضمان الاستثمار المناسب ومناخ الأعمال.
لقد حددت أوزبكستان مساراً للإصلاحات الجديدة التي من شأنها أن تدفع البلاد نحو التنمية المتسارعة. ومن ثم فقد أدرك العالم ومواطني أوزبكستان أنه بغض النظر عن مدى صعوبة التنبؤ بالوضع في البيئة الاقتصادية الخارجية، فإن مستوى الضمانات القانونية للملكية في البلاد لن تتغير. فكل رجل أعمال، بغض النظر عن حجم نشاطه، سيشعر حقًا أنه دائمًا تحت حماية الدولة والدستور والقانون. حيث يحمي الدستور حقوق الملكية من خلال بنود الإجراءات القانونية الواجبة المنصوص عليها في القسم الثالث من الطبعة الجديدة للقانون الأساسي لجمهورية أوزبكستان. ويؤكد هذا القسم بشكل خاص على حرمة الملكية الخاصة. ولا يجوز حرمان المالك من ملكه إلا في الحالات وبالطريقة التي ينص عليها القانون، وبناء على قرار من المحكمة. وحقوق الملكية الخاصة تعني أكثر بكثير من مجرد قطعة أرض أو عقار أو أشياء ذات قيمة. فالملكية هي أساس جميع الحقوق، بما في ذلك الحق في الحرية. ومن أجل تطوير الملكية الخاصة، كان يجب على الدولة توفير مناخ ملائم للأعمال والاستثمار، وظروف لتنمية ريادة الأعمال، وحماية المنافسة العادلة، ومنع الاحتكار في النشاط الاقتصادي، وهو ما تحقق وتم إقراره في الدستور الجديد لأوزبكستان.
قطعت أوزبكستان مرحلة مهمة في طريق عملية الإصلاحات في قطاعي السياحة والاستثمار، حيث تم تطوير بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار، الأمر الذي ساهم في جعلها تحتل موقعًا ضمن المستوى المتوسط لمؤشرات دول منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبى. كما استطاعت تحسين مكانتها في مؤشر الحرية الاقتصادية عام 2021، حيث تقدمت ستة مراكز محتلة المرتبة 108 من أصل 178. حيث شكل مستوى الحرية الاقتصادية في أوزبكستان 58.3% نقطة. ولأول مرة، منحت وكالة التصنيف الدولية Moody’s أوزبكستان تصنيف B1، مما رفع التوقعات إلى إيجابي. بعد أن كانت التوقعات توصف بأنها مستقرة أو سلبية. كما تشهد هذه المرحلة أيضًا على فعالية الإصلاحات المؤسسية والسياسية الرامية إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. حيث يتواصل النمو الاقتصاد بفضل التوسع فى العلاقات التجارية وتحسين العلاقات مع دول الجوار فى آسيا الوسطى، والصين والإتحاد الأوروبي، وتوسيع دائرة أنواع صادرات المنتجات الأوزبكية ونطاق جغرافيتها. وقد أسهم دخول أوزبكستان إلى برنامج التفضيلات التجارية للإتحاد الأوروبي GSP “المنظومة العامة للتفضيلات”، الذي تم الموافقة عليه عام 2021، إلى زيادة صادرات المنسوجات إلى دول الاتحاد، وذلك من 150 مليون يورو في عام 2022 إلى مليار يورو بحلول عام 2025.
أظهرت النتائج التي تلت عملية تطوير بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار أن أوزبكستان تتمتع بفرص عالية للغاية للتنمية الاقتصادية، وهذا ما تؤكده بعض العوامل، مثل ارتفاع معدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي، وزيادة مستوى الحرية الاقتصادية لأصحاب المشاريع والمستثمرين، والاستقرار المالي للدولة، والنهوض بالقدرة التنافسية للبلاد عبر تحفيز الاستثمار الخاص في إنشاء الصناعات ذات التقنيات العالية. وباعتباره جزءا مهمًا من عملية الإصلاح الاقتصادي، تم القضاء على تعدد أسعار الصرف، والقضاء على سوق الصرف الأجنبي غير الشرعى. ومن ثم أصبح كل مستثمر يتمتع بالقدرة على تحويل العملات الأجنبية بلا قيود عبر المصارف الوطنية أو الأجنبية العاملة في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم إلغاء البيع الإلزامي لعائدات الصادرات من النقد الأجنبي لجميع الكيانات الاقتصادية في أوزبكستان، من أجل مواصلة تسهيل نظام حركة النقد الأجنبى. وقد سمح هذا الإجراء للشركات الخاصة بالتصرف بحرية في أموال النقد الأجنبي التي تتلقاها في حساباتها.
تزايدت حصة الاستثمار الأجنبي في مختلف القطاعات الاقتصادية في أوزبكستان. حيث يتم تنفيذ العديد من المشروعات الكبرى في قطاع الطاقة، ففي عام 2022، فازت شركة “مصدر الإماراتية”، وشركة توتال إرين TOTAL Еren الفرنسية بمناقصة بناء محطتين للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاواط، وذلك على أساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
تعد أوزبكستان واحدة من دولتين غير ساحليتين في العالم مع ليختنشتاين محاطتين تمامًا بدول غير ساحلية، ولا يؤدي أي من أنهارها إلى أي من المحيطات أو البحار المفتوحة. ولذلك، فقد رأت أوزبكستان ضرورة إنشاء منظومة للنقل اللوجستي الفعال والمتطور، وذلك بهدف تسهيل عملية اندماج البلاد في نظام التجارة الدولية. ومن ثم فقد اتخذت مجموعة من الاجراءات والخطوات واسعة النطاق لتسريع وتيرة تطوير منظومة النقل وإمكانيات العبور في البلاد. حيث يتم إدخال التقنيات الحديثة والمبتكرة في هذا المجال، كما تم تبسيط الإجراءات التجارية وتحسين كفاءتها عبر الحدود، من أجل الاستخدام المتكامل لإمكانيات النقل والعبور. وفي هذا الإطار المؤسسي والتنظيمي في هذا المجال تم إنشاء وزارة النقل بموجب مرسوم صادر عن رئيس البلاد في الأول من فبراير 2019، والتي تم تعريفها باعتبارها هيئة حكومية لتطوير وتنفيذ سياسة الدولة الموحدة في تطوير مرافق الطرق والسكك الحديدية والنقل الجوى والنهري وشبكة المترو.
كما تدرك أوزبكستان أن تنشيط الاستثمار الخاص يتطلب تحرير نشاط ريادة الأعمال، ودعم الحوار المستمر مع رجال الأعمال والمستثمرين، والعمل بنشاط لبلورة وتجاوز الحواجز التي تعيق تطوير مختلف القطاعات. وذلك علي اعتبار أن عملية دفع النشاط الاستثماري والنهوض به عبر تطوير أدوات الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتمويل المشروعات، تعد أحد أهم جوانب عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل في البلاد.