الوطن المصري – ناريمان خالد
اتسمت العمارة فـي الدولة السعودية الأولى بتعدد أنماطها وانسجامها واتساقها مع الروابط الأسرية لمجتمع الدولة.
وتفرّدت كل منطقة عن الأخرى في تصاميمها المعمارية وفقاً لطبيعة بيئتها، حيث كانت غالبية تصاميم البيوت في عهد الدولة السعودية الأولى من الطين لتوافره في أرضها، إضافة إلى الاعتماد على المكونات المتوافرة في بيئتهم الطبيعية سواءً كانت حجرية أو نباتية.
واعتمدت المنطقة الوسطى في عمارة مبانيها على الطين، واللبن، والتبن، والحجارة، والأخشاب، والأثل، وجذوع النخل، وتتجانس هذه العناصر مع بعضها لتكون أكثـر تماسكاً من عمران تقليدي في أي منطقة بالجزيرة العربية، إضافة إلى الاستقلالية وفصل مكان غـرف الأسرة عـن غرف اسـتقبال الضيوف، وكان أصحاب البيوت يفضلون أن تكون مكان النوافذ باتجاه الجهة الشمالية ليهبّ منها الهواء البارد، أو جهة الشرق حتى يدخل نور الشمس، وعلى الرغم مـن مكونات البناء وبساطتها إلا أن أهالي المنطقة استطاعوا بناء العديد من الأبراج والقلاع المرتفعة.
واشتهرت الدرعية بالقصور والمساجد، مثل: قصر سـلوى “رمـز البطولـة”، ومسجد الطريف حيث تميزت تلك المباني بجمال التصاميم المعمارية النجدية، وقوة البناء، فتغنّى الشعراء في تلك الفترة بتلك المباني، وقد أبدع البناؤون المحترفون في إظهار العناصر الجمالية الخارجية للمباني، كالأفاريز (الحداير) وهي عبارة عن خطوط زخرفية ناتئة ومثلثة تحيط بواجهة البيت، ومن وظائفها حماية الجدار من مياه الأمطار، كذلك الثقوب المثلثة التي في الجدار، التي تسمى في اللهجة النجدية “اللهوج” ومفردها: َلهج، وذلك للمراقبة والتهوية والإضاءة بشكل متوازي، إلى جانب “الحقاف” وهي الزخرفة التي تقع فوق الأفاريز (الحداير)، و”الزرانيق” وهي الركن العلوي من البيت، و “الشرف”: وهي زينة السطح.
وأما في غرب الدولـة السعودية، فيتشابه أسلوب البناء في مكة مع جدة، فقد بنيت بيوت مكة من الحجارة، وفي تصاميمها المعمارية الفخامة، ويتكون بعضها من ثلاثة طوابق، ويزين بعضهـم مسـكنه بالطلاء الأبيض، فيما يفضّل البعض الآخر الألوان الداكنة من الحجارة، وتتميز مساكنهم بنوافذ عديدة مطلة على الشوارع، إضافة إلى “رواشين” بارزة مطلّة على الشوارع، وكثيـر من هذه “الرواشن” أو المشرفات تزخرف بزخارف منحوتة وتطلى بألوان جميلة جاذبة، والتنسـيق المعماري في جدة غير موحد، فبعض البيوت يبنيها أصحابها من أحجار كبيرة مربعة الشكل، وبعضها تُبنى مـن الحجر المتبقي، والسطح يكون أملساً من الناحية الخارجية، ومن الداخـل فيكون من الطيـن، وفي بعض الأحيان تبنى الجدران من الحجر، وبعض النـاس تضع طبقات من ألواح الخشب في الجدار بديلاً عن تغطيته بالجبس، فيترك الخشب بلونة الطبيعي.
وتتكوّن المنازل في جدة من طابقين، ولها نوافذ كثيرة صغيرة كما في مكة، ويضع الناس ديكورات خشبية مصنوعة يدوياً للنوافذ لتضفي بذلك شكلاً جمالياً، وعند مدخل كل منزل يكون هناك ردهة أو صالة فسيحة يستقبل فيها الضيوف، وتكون الغرف في الطابق الأرضي مرتفعة عـن مستوى الأرض، معتمدين على تجميل منازلهم على الأعمال الشبكية، والنوافذ المنخفضة، وتُزين النوافذ بألوان من الداخل والخارج، وتختلف مباني ضواحي جدة الخارجية، فهي عبارة عن أكواخ تُبنى مـن البوص والغاب وأغصان أشجار الأراك، وهذه الأكواخ التي تطوق المدينة مـن الداخل عبارة عن بنايات مـن الحجر.
وقد تنوعت وتعـددت مساكن البناء في جنوب الجزيـرة العربية، ومـن أنماطها “العشاش القبابية” التي لها قواعد من الحجر، قائمة على شكل بيضاوي، مسقوفة بجذوع الأشجار وأغصانها، ومغطاة بالجلود المدبوغة أو بالأشرعة الموثوقة بالحبال، ومن الأنواع أيضاً ما يعتمد في بنائه على وضع أساس من الحجر، ثم يوضع التبن المتبقي من القمح، حيث تصل طوابق المنازل إلى خمسة طوابق، كما تُعرف سـمات مساكن الأبنية في بعض بلدان الجنوب بالبناء على السطح الصخري مباشرة، وذلك لكثرة الصخور الجبلية فإن الجدران الصخرية كانت تُسـتغل كجزء مكمل للجدران البنائية التي يبنونها، أو تُستغل السطوح الصخرية واستوائها لبناء مساكن حجرية لهم، وتُبنى بعض الأسقف من الخشب والطين، حيث تُستعمل أخشاب الأثل أو الطلح أو العرعر حسب المتوافر في بيئتهم، فتوضع هذه الأخشاب متعارضة، ثم ترص عليها بعض من حزم شجر العرفج ويفرش عليها صمغ مجلوب من الأشجار، أما الأسقف فطريقتها واحدة في كل أنواع البناء، وكان الاعتماد في البناء من الحجر المجلوب من الجبال بعد تهذيبها، وتثبت بالطين فوق بعضها، بينما تتنوّع الجدران الخارجية للمساكن في البناء فبعضها من الحجر الخالص، وبعضها من الطين الخالص، والآخر من الحجر والطين.
وتتميز قرية طبب، بأبرز التصاميم المعمارية الجاذبة التي يغلب على مساكنها الحجارة بهندسة معمارية جاذبة، حيث بُني مسجد طبب بأمر من الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد في عام 1220هــ/ 1805م-1806م، من الحجارة والأخشاب، وسقفه من الأخشاب، كما يوجد به العـديد من الأقواس الداخلية، والخارجية، ولا يزال هذا المسجد قائماً حتى اليوم، بل أصبحت هذه القرية من المعالم الجاذبة للسياح في جنوب المملكة العربية السعودية، فتم تجديد هذا الإرث التاريخي بوضعه القديم وبتصاميمه المعمارية الرائعة.
وتتشابه شمال الدولة السعودية ووسطها في البناء، والتصاميم المعمارية فقد بنيت البيوت من الطين، وبعض مساكنها تتكون من طوابق علوية، وكثير من هذه البيوت لها نوع من الأبراج، والحصون، والقصـور، مثـل قلعة الجوف القلعة الرئيسة في المدينة، التي بنيت على أرض مرتفعة على شكل مربع ولها أسوار مرتفعة، وأسوار ذات شرفات، تتاخمها أبراج دائرية ومربعة ليس لها نوافذ بل ثقوب للرمي.
وعكست البيئة الطبيعية المحيطة بالمنطقة نمط العمارة في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى تأثير البيئة المناخية في الأنماط المعمارية لذلك نجد اختلاف المواد المستخدمة ما بين الساحل والداخل، ففي المدن الساحلية استفاد البناؤون من الصخور البحرية، في حين اعتمدت المدن الداخلية البعيدة عن البحر على الحجر الجيري المستخرج من الأرض، والصخور المجلوبة من التلال والمرتفعات لوضعها في الأساسات، كما اسـتخدموا اللبن المجفف المضاف إليه التبن، أما الأسقف فيستخدمون جذوع النخيل في بنائها لكثرتها، كذلك اسـتخدمت مادة الجص بشكل واسع في تكسيه الجدران الطينية من الداخل والخارج بقدرتها على امتصاص رطوبة الجو، فيما اعتمد السكان في الشبابيك على نمطين من العمارة، الأسلوب الأول المتوافق مع الظروف المناخية، كالأجواء الساحلية شديدة الرطوبة فكان واضحاً بتعـدد الشـبابيك الخارجية والفتحات وكثرتها لدخول الهواء، ليكون الأسلوب الثاني للمناطق الداخلية البعيدة عن الساحل التي تتأثر بالأجواء الجافة، مما جعلهم يقلّصون أعداد الشبابيك مع مراعاة اتجاه هذه الشبابيك بشكل يتناسب مع حركة الريح من أبرز القصور التي عكست نوعية البناء في تلك الفترة بالمنطقة الشرقية، والتي برهنت على وجود فنون العمارة العريقة بالأحساء كقصر “محيرس” الذي أمر ببنائه الإمام سعود بن عبدالعزيـز بن محمد، ليكون قلعة حربية تحمي أهالي الأحساء حيث كانت القصور والحصون في المنطقـة الشرقية تتشابه مع التصاميم المعمارية في نجـد، فشـُيّدت باسـتخدام الطوب، واللبن، مع كميات كبيرة من الحجارة، ويستخدم الخشب في إنشاء القباب، والأقواس، والجدران المفرغة، والمشربيات، ذات الأشكال المعمارية الضخمة والبسـيطة فـي نفس الوقت.
واستفاد الأهالي في عهد الدولة السعودية الأولى من بيئتهم المحيطة بهم، سواءً في الجنوب، أو الحجاز، أو المنطقة الوسطى والشرقية، فكان الإنسان قديماً يحاول الاستفادة مما يستطيع من المواد المتوافرة في بيئته، كجلود المواشي، أو الأشجار، والنخيل، حيث تُصنع الأبواب والنوافذ لمساكنهم من البيئة الطبيعية المحيطة بهم مثل خشب الطلح، والعرعر وذلك بتفصيلها إلى شرائح تصنع منها الأبواب، والنوافذ ثم تُنحت وتزخرف.