إستراتيجية «مسافة السكة» المصرية من الخليج إلي ليبيا واليونان
مصر لا تحمي غازها بل وجودها بالتسليح الحديث وحاملتي الطائرات ناصر والسادات
تفاصيل المثلث الخفي في حساب المثلثات الاستخباراتية ودور الصقور المصرية
كيف نجحت صقور حورس بوعي وتخطيط محترف في التحرك فوق رقعة الشطرنج
بقلم – د. جوزيف مجدي
يعيش العالم حاليا فترة تحول عالمي كبير ومن ثم الشرق الأوسط بالتبعية
فترة من فقد السلطة المركزية والفراغ السياسي بعد ضعف نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أثناء محاولتها الاستدارة نحو الشرق الأقصي حيث التنين الصيني
او حتي لتجهيز المسرح الدولي لحرب العالم الثالثة والذي تتطلب إستراتيجيته إضعاف النفوذ الأمريكي العالمي وسقوط أوروبا لعدم الدفاع عن ” أرض الرب” أمام ضربة” جوج ومأجوج ” النووية
أو روسيا والصين ووسط آسيا حسب الفكر الهرمجدوني البروستانتي في تفسير التوراة وسفر حزقيال النبي ورؤيا يوحنا اللاهوتي
- ••
فمن عالم احادي القطب إلي عالم متغير القوة والأقطاب ومن حالة ” الحداثة السائلة ” الناتجة عن سلطة الرأسمالية المتوحشة وحكم الشركات متعددة الجنسيات لإقتصاد وسياسة العالم إلي حالة من الفوضي العالمية وعدم اليقين وداخل حالة اللايقين السياسي يزداد الخوف والشر ويحدث الفراغ
وكان داخل الشرق الأوسط وبعد الفراغ الأخير بسقوط الأنظمة الشمولية وصعود حركات اليمين الديني المتطرف حالة من التحولات الحادية لمليء الفراغ
ولم يكن هناك أملا لبزوغ فجرِ جديد أمام قوي الظلام إلا صمود دولة يونيو ، والعودة للهوية والذات الوطنية .. ولو كانت قد سقطت الدولة المصرية لكان قد سقط الجميع
فبعد تراجع الشهية الأمريكية في الهيمنة علي الشرق كان هناك إدارة ذاتية جديدة من بعض القوة الإقليمية لمليء الفراغ فإنحازت تركيا للإخوان وانحازت قطر للخريف العربي واسقاط النظم بدعم التطرف والتمرد الإجتماعي
وكانت الدولة المصرية والتحالف العربي في المواجهة من الناحية المقابلة للحفاظ علي الدولة الوطنية واستقرار النظم السياسية المدنية
فقد تحرك الجميع لمليء الفراغ فوق رقعة الشطرنج ولم تكن جملة القيادة المصرية المكررة وقتها مسافة السكة الا خط أحمر لأي تجاوز إقليمي ولولاه لإختفت دول ونظم صغيرة من خريطة الدنيا
- ••
وتحركت صقور حورس بوعي وتخطيط محترف فوق رقعة الشطرنج ودرست الخريطة الرملية للتحرك
وتحرك الجيش المصري نحو توسيع دائرة التسليح واستغلال المتناقضات والثغرات للتحرك
فكان هامش مناورة مصر كبير
وصار الجيش المصري هو حائط السد الذي سقطت عليه كل المحاولات القطرية والتركية وحتي الإيرانية لممارسة فائض قوة غير موجود
ولذا
لم تكن صورة مصافحة الرئيسيين المصري والتركي سوي بداية نهاية الصراع بين المحوريين لصالح الدولة المصرية
وسقوط مشروع اردوغان العثماني التوسعي مشروع( البحر الازرق ) للسيطرة علي كل غاز المتوسط والوصول بتنظيم تابع لحكم مصر …
وكسرت الدولة المصرية إرادة الرمح الثلاثي( إسرائيل/ تركيا / إيران) شوكة تنفيذ المؤامرة العالمية
وتحركت فوق رقعة الشطرنج لإعادة قطعة من مساحة نفوذها الإقليمي القديم
- ••
وفي نفس اليوم الذي ألتقي فيه السيسي وأردوغان لمدة ٣٠ دقيقة زادت لـ ٤٥ دقيقة مع تميم
نشرت صحيفة الأهرام في نسختها بالإنجليزية مقالا مطولا علي رفض الدولة المصرية لكل ما يسعي إليه اردوغان في المنطقة من ترسيم الحدود مع حكومة طرابلس والتنقيب في المناطق الاقتصادية التابعة لقبرص أو اليونان أو ليبيا كما اعتبرت أن نقل أي غاز أو نفط ليبي عبر تركيا للخارج خط أحمر مصري كخط سرت / الجفرة
فإستراتيجية مسافة السكة المصرية لا تشمل الخليج فقط بل هي من سرت الجفرة وحتي قبرص واليونان
كما نشرت الأهرام في نفس النسخة خبراَ عن لقاء بين قيادات لجهات سيادية مصرية ومسؤول سيادي قبرصي كرسالة لاردوغان بأن اليونان وقبرص حليفان لمصر
وهي منطقة نفوذ طبيعية قديمة للدولة المصرية ولذا تسلح الجيش تسليحا مناسبا لحرب عالم
أو حرب غاز اقليمية مرتقبة لن يحمي مصر منها الا القوة العسكرية حيث أصبحت البحرية المصرية هي السادس عالميا ومرشحة للتقدم
ووسط تلك السيولة السياسية في الشرق الأوسط وانعدام الجاذبية المركزية
وإن كانت حاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديجول” والحاملة الأمريكية” بوش” تحمي حقوق شركة ” إكسون موبيل “و”توتال” في طاقة المتوسط
وأن كانت حاملة الطائرات الإيطالية تحمي حقوق شركة “إيني” الإيطالية في التنقيب علي غاز في المتوسط
فمصر لا تحمي غازها بل وجودها ذاته بالتسليح الحديث وحاملتي الطائرات المصرية
واردوغان يعلم انه خارج هذه المعادلة تماما وانه اختار السلوك السياسي الخاطيء مع النظام المصري رئيس منتدي غاز المتوسط لكن الدولة التركية كانت تعلم جيدا حجم قيمة مصر إستراتيجيا وسياسيا وتعلم أن مصر عكس تركيا في القيمة الاستراتيجية الكبيرة للدولة المصرية
- ••
ولأن أجهزة المخابرات تفهم الجيوسياسة جيدا وفي ظل حرب شرق أوروبا والتي تحمل طابع عالمي لا يمكن لدولة أن تمارس حيادها أو انحيازها مع الحرب الا بمشاركة مصر لأهميتها الجيوسياسية
لذا لم تغلق المخابرات التركية تفاوضها طول الوقت مع المخابرات المصرية
ولأن اردوغان كان يعلم هذا لذا طالب بعودة العلاقات مع مصر علي مستوي الوزراء
فقد كان الخلاف متجاوزاَ طول الوقت بين صقور حورس وصقور إسطنبول
وكان رغم الخلاف السياسي هناك في حساب المثلثات الاستخباراتية مثلث سري إستراتيجي خفي هو ( موسكو /القاهرة / إسطنبول )
وهناك تعاون إستخباراتي كبير غير معلن بين جهازي مخابرات الدولتين في حماية المنشآت النووية السلمية الروسية في الضبعة وفي إسطنبول
وتفتيت المثلث التركي القطري الإيراني لصالح مثلث جديد ربما يكون مصري/ تركي / إماراتي وخصوصا أمام إطلاق ميكانيزم أمني ما بين أبوظبي وانقرة
ففي عصر السيولة السياسية تكون التحولات السياسية شديدة الحساسية من أقصي اليمين لاقصي اليسار واردوغان باع الإخوان ليشتري رضا الدولة المصرية
فالتطبيع مع مصر من أهم أحلام اردوغان السياسية وشطح النظام التركي في الأحلام لكن مخابراته كانت أكثر نضجا
صقور حورس كانت تعلم جيدا رغم أي خلاف سياسي معلن التحرك ما بين المتناقضات لمليء الفراغ السياسي بهامش مناورة وبراعة تكتيكية مصرية محترفة وهو ما يطمئن المصريين دائما أن هناك صقور لا تنام من أجل حماية الوطن ومقدرات الشعب المصري .