الجمعة, 22 نوفمبر, 2024 , 4:22 ص

أبو حجر- مغني راب يناضل من برلين ضد الاضطهاد في سوريا

سُجن مغني الراب السوري محمد أبو حجر بسبب نشاطه في بلده. ويتابع مع فريقه المسمى "مزاج راب" نضاله في سبيل العدالة ولكن هذه المرة من برلين، التي وجدوا فيها حرية التعبير، لكنهم ما برحوا يواجهون فيها "الإذلال كلاجئين".
تجاوز الوقت منتصف الليل في أحد المراقص في برلين حيث تتمايل أجساد نحو 200 شخص على إيقاع أنغام الراب. مغني الفريق يردد كلمات أغنية "زهقنا" التي تتحدث عن الاضطهاد، الذي تعرض له هو وأعضاء فرقته على أيدي نظام بشار الأسد. على الجدران تظهر ظلال صور تتراقص لعمليات التعذيب في سجون سوريا. يتردد صوت بالقول"بدكو حرية"، فيرد مغني الفرقة "أيوه وبدنا كل المعتقلين، بدنا الوطن الغالي يكون مثالي لكل السوريين"، ويردد الراقصون والراقصات كلماته رافعين قبضاتهم في الهواء تضامنا مع الموقف.
هي ليلة برلينية عادية، حيث يسهر المغنون وعشاق الموسيقى والراقصون والناشطون والهاربون من الشرق الأوسط وأفريقيا حتى الساعة الثالثة صباحا مسحورين بإيقاع الأجهزة الكهربائية ليفرغوا شحنات الغضب على أنغام الراب السوري.
لكنّ هؤلاء الشباب الواقفين على المسرح قد طووا رحلة من المشكلات والتحديات للوصول إلى هذا المكان. فقد مُنعوا حتى من العزف في بلدهم، بل إن بعضهم قد فر من السجن حيث يقبع أقرباؤه وأصدقاؤه ويرزحون تحت ضغط النظام إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة طبعا.
الهروب من الاضطهاد
أثناء انهماك أعضاء فريق "مزاج راب" بإقامة مسرحهم في "كوبي"، المبنى القديم الذي جرى تحويله إلى مسرح للثقافة البديلة في وسط برلين في تسعينات القرن الماضي، دخل رجل يسير بعكازين معتذرا إلى الحشد وهو يقول: "انأ آسف، فقد أصبت برصاصات النظام." لكن الرجل، حاله حال الفريق العامل على المنصة، لا يبحث عن شفقة الآخرين.
ورغم القصص المروّعة التي تروى بمصاحبة أغنية "زهقنا" المهداة إلى كل المعتقلين السياسيين والى أمهاتهم، كان العرض عبارة عن مسرح للتحدي، واستمرارا للثورة الشعبية، وكفاحا لأجل الحرية بوجه عقود من القهر والاضطهاد ( تحت سلطة بشار الأسد واليوم تحت سلطة تنظيم الدولة الإسلامية). هذه المفردات، التي غابت للأسف وسط هستريا الإعلام اللاهث خلف أسراب من ألوف اللاجئين يخترقون الحدود الأوروبية.
محمد أبو حجر البالغ من العمر 29 عاما هو كاتب أغاني فريق "مزاج راب" ومغنيه الأول وحصل على اللجوء السياسي في برلين نهاية عام 2014، ويعرّف نفسه بـ" موسيقي وناشط سياسي واقتصادي". وقد تعرض أبو حجر للحبس في سوريا بسبب موسيقاه ونشاطه.
حين اعتقلته الشرطة أول مرة عام 2007 كان طالبا بالجامعة، ووجهت إليه تهمة توزيع كراسات سياسية معادية للنظام، لكن السبب الحقيقي كان هو موسيقى الراب، التي حظرها النظام، وعلى وجه الخصوص أغنيته التي تنتقد جرائم الشرف التي تطال النساء في سوريا.
وما لبث أبو حجر أن طُرد من الجامعة، فسافر إلى الأردن لمواصلة دراسته، ثم تكررت زياراته لسوريا مطلع عام 2011 ليشارك في مسيرات الاحتجاج السلمية الأولى ضد نظام الأسد. وخلال أشهر تفجرت الثورة في أنحاء البلد، واعتقد أبو حجر حينها أن النظام سيسقط قريبا، ولكن وأثناء إحيائه لذكرى مرور عام على انطلاق الاحتجاجات اعتقل أبو حجر مرة أخرى.
يروي مغني الراب قصته في مقهى سوري بمنطقة الأعراس متعددة اللغات ببرلين، ويشير بإصبعه إلى رجل طويل الشعر يجلس إلى طاولة مجاورة، مبينا أنه قد اعتقل معه في آذار/ مارس 2012 في سجون النظام السوري، وضربا معا بتهمة القيام بنشاط سياسي محظور. وتقاسما زنزانة واحدة ذاقا فيها العذاب اليومي من الجلد بالسياط إلى الضرب بكابلات (أسلاك) الكهرباء الغليظة.
دون انتظار، أطلق سراح أبو حجر وبعض المعتقلين بعد شهرين من احتجازهم، ولكن ما لبث عملاء الأمن السوري أن تابعوه وراقبوه، ما اضطره إلى الهروب إلى لبنان، ومنها إلى أوروبا. وبعد أن درس في روما، قرر أبو حجر أن ينتقل إلى برلين فيما تصاعدت المعارك في سوريا.
النضال ضد "الإذلال"
بسبب سمعتها كمدينة للتسامح والتنوع، اختار أبو حجر برلين وهي قبلة لكثير من اللاجئين السياسيين السوريين، وقد ساعده ناشطون سوريون، وشاعت قطع موسيقاه الثورية في مظاهرة حاشدة سارت أمام بوابة براندنبورغ ببرلين، ومنها طارت شهرته.
ولكن، ورغم إقراره بأنه عثر على الحرية التي كان يحلم بها في برلين، ورغم ارتباطه بعلاقة عاطفية مع امرأة ألمانية، يعبر أبو حجر عن خيبة أمله من الحياة في ألمانيا لأنه بات "لاجئا ذليلا في ألمانيا". وعن هذا يقول إنه رغم رؤيته لعشرات اللافتات ترحب باللاجئين في أنحاء العاصمة، إلا أنه لمس عدة مرات مظاهر العنصرية الحادة ضده.
أثناء رقابته للوافدين الجدد من اللاجئين يصطفون بانتظار إجراء معاملاتهم لأيام طويلة، سجل أبو حجر حالات جرى فيها ضربهم وأهانتهم من قبل الحرس، وهو ما جعله يخصص ألبومه الجديد، الذي يسجله الآن، لهذا الموضوع.
"من يعطي اللاجئ مأوى؟" يتساءل أبو حجر ويقول "كلما تقدمت بطلب للحصول على مسكن، اكتب أنّ اسمي محمدً وأنني لست إرهابيا"، مشيرا إلى أن هذا يزداد بعد اعتداءات بروكسل. ويخشى مغني الراب السوري أن تنعكس تلك الهجمات على أوضاع اللاجئين السوريين، رغم أن بعضهم، مثل حاله، لا يتبعون (تعاليم) الإسلام أصلا.
وفي ظل تنامي الحركات المعادية للهجرة والمهاجرين في ألمانيا وأوروبا يتمنى أبو حجر العودة إلى وطنه لو استطاع إلى ذلك سبيلا. لكنه عازم الآن على الحصول على شهادة الدكتوراه في ألمانيا، وعلى مواصلة الثورة ضد الأسد من المنفى، وأن يواصل عبر الموسيقى رواية قصص اللاجئين السوريين، الذين اختاروا أوروبا مكانا لحريتهم.
في "كوبي" يواصل أبو حجر ورفاقه الابتسام للجمهور في برلين مبدين فرحا بالغناء، ومخفين مشاعر حزنهم. وبالنسبة لهم ولزميلهم القائم على عكازيه تمثل هذه اللحظة هنيهة انتصار في مسيرة الحرب الطويلة بحثا عن الكرامة.

اترك رد

%d