الخميس, 21 نوفمبر, 2024 , 3:09 م

“كورونا مفرق الجماعات”

 

 

الكاتب الصحفى خالدعبدالحميد

 بقلم – خالد عبد الحميد

حاولت كثيراً أن أبعد بكلمتى الإفتتاحية عن جو الرعب والفزع الذى نعيشه جراء فيروس كورونا والتحدث فى موضوع أخر ، ولكن القلم لم يطاوعنى ، أو بالأحرى ضميرى لم يسمح لى بإرتكاب هذه الجريمة .. نعم هي جريمة أن تتخلى بقلمك عن توعية المواطنين بخطر هذا الطاعون القاتل الذي حصد أرواح الآلاف وأصاب أكثر من نصف مليون مواطن حول العالم حتى كتابة هذه السطور .

وأخيراً استسلمت لقلمى وضميرى وقررت الكتابة فى موضوع (هادم الملذات ومفرق الجماعات “الموت بكورونا”).

ولأننى لن أضيف كثيراً عما قاله مئات الكتاب والخبراء والمحللين والأطباء من نصائح وإرشادات أصابت القارئ بالملل ، فقد قررت أن أسرد قصة حقيقية والصدمة التى عاشتها إحدى الصديقات عندما داهمتها أعراض فيروس كورونا لتعيش أسوأ 24 ساعة فى حياتها .. سنترك للصديقة – والتى نعتذر عن ذكر اسمها لظروف خاصة – سرد ساعات الرعب والفزع التى مرت بها .

قالت : ” أكتب إليكم بعد ظهور النتيجة السلبية لتحليلي من فيروس كورونا:

الحمد لله، نتيجتي جاءت سلبية، بعد تحليل أجريته يوم الخميس الماضى، بسبب ارتفاع درجة حرارتي في ساعتين إلى ٣٨ درجة، إضافة إلى أعراض حمى وآلام في كل عظام الجسد.

في السادسة صباحا، شعرت بارتفاع درجة حرارتي، وتوجهت للعمل بعد أن تناولت خافضاً للحرارة، لكنها ارتفعت بشكل تدريجي حتى ساعات الظهيرة لدرجة أنني كنت على الهواء وأتحسس حرارتي من وقت لآخر.

التجربة التي عشتها في ذلك اليوم، مريرة وزادت من احتياطاتي للمرض، بعد دخولي مستشفى حميات العباسية.

اتصلت بمدير مستشفى الحميات الدكتور أحمد عبدالفتاح، وشرحت له حالتي، وكان سؤاله لي: إذا كنت قد خالطت أجانب أو مصريين عائدين من الخارج أو الاحتكاك بأشخاص في الشارع بحكم طبيعة عملي.

والحقيقة كان الرجل خدوما لأقصى درجة، وطلب مني التوجه للحميات لإجراء الفحص وأخذ عينة.

توجهت للحميات، ودخلت الطوارئ خطأ بدلا من دخول ” مبنى ٧” المخصص لفحص المشتبه في إصابتهم بالكورونا.

شاهدت سيدة مسنة في الطوارئ وبجوارها على ما يبدو ابنها وهى مريضة جداً ويحاول مساعدتها لكنها لا تقوي على الحركة وهى تجلس على كرس متحرك.. صرخات السيدة وخوف ابنها عليها جعلني أنسي ما جئت من أجله  ووقفت ألاحظ ما يجري حولي،، وفي الطرقات أنابيب التنفس الصناعي.

بعدها سألت عن مكان الفحص، وأرشدني مسؤول الأمن، وهناك كان يوجد فرد أمن آخر يسألني عما أريده..

في الطريق من هنا لهناك، شاهدت حالة من الاستنفار الطبي ، وقتها قلت لنفسي: فعلا هو وباء، ومن لا يصدق ما يقال على شاشات التليفزيونات في العالم كله،، فسوف يقتنع عندما يقترب أكثر من أرض الواقع ويراقب ما يجري هنا من استنفار طبي وأمني وصرخات بعض المرضى من كبار السن.

توجهت للطبيبة بمبنى رقم ” ٧” وسألتني عن بعض البيانات، وتم تجهيز سرير لقياس الضغط ودرجة الحرارة، وتم تشخيص الحالة بارتفاع درجة الحرارة وحمى.

تم أخذ عينة مسح من الحلق، والأنف، في بضع دقائق ثم غادرت المبنى،، وقبلها سمعت لبعض نصائح الطبيبة بضرورة العزل الذاتي لمدة يوم في البيت لحين ظهور النتيجة، وتناقشنا عن الحالات التي لا يظهر عليها أية أعراض وبعدها تكتشف إصابتها بالفيروس.

وهذا هو الأمر الذي يثير القلق ويحتاج مزيدا من إجراءات الوقاية.

لن ندخل في تفاصيل أكثر من ذلك، لكن مجرد شعورك بأعراض أخطر من الإصابة بالفيروس من وجهة نظري، لأنك سترتبك، ومعنوياتك ستنخفض، سيؤثر ذلك على تماسكك واحتوائك للموقف.

لا أخفي عليكم سرا ، وقتها كنت أبحث عن طريقة تجعلني ألا أعود لبيتي خوفا على أسرتى، وعدم إبلاغهم بالأمر لحين ظهور النتيجة، ووقتها اتصلت بالمقربين مني ومن خالطتهم وأبلغتهم بذلك خوفا عليهم.. كان من بينهم صديق قريب جداً لي، طلبت منه إجراء فحص فوراً ووقتها كنت أشعر بحزن وأسى تجاهه، كنت أخاف أن أكون سببا في إصابته بالفيروس.

كتبت أسماء من كل تقابت معهم فى هذه الفترة لإبلاغهم .. الخوف تجاه الآخرين سيكون أصعب بكثير من خوفك على نفسك.

عزلت نفسي ٢٤ ساعة في حجرتي، لم أخالط أو أحتك بأحد إلى أن ظهرت النتيجة.

يوم كامل من الرعب والخوف والبكاء من الدخول في حجر صحي أنا وكل من اختلطت بهم..

فما بالك لو كانت النتيجة إيجابية، وعشت مع هذا الخوف ١٤ يوما كاملاً ؟.

واختتمت قصتها بكلمة قالت فيها :”رجاء عدم التعامل باستهتار وخفة دم مع الوضع الحالي.. فقدانك لشخص عزيز عليك بسبب فيروس سيكون مؤلما لأقصى درجة..اتخذوا إجراءات وقائية مشددة حتى لا تضطر للذهاب للحميات ومشاهدة أوجاع غيرك.

قصة صديقتنا من وجهة نظرى أفضل ألف مرة من تكرار كلمات مملة ، وربما يكون فى سرد هذه القصة ناقوس خطر وإنذار لكل من لا يزل يأخذ الأمر باستهتار ولا مبالاة .. حياتك ملكك أنت حر فيها .. ولكن لا تعرض حياة الأخرين للخطر .. “خليك بالبيت ”   

اترك رد

%d