بقلم الدكتور غالى أبو الشامات
تعتبر ظاهرة الفساد من اخطر الظواهر السلبية في هذا العالم. للفساد أنواع عديدة و منتشرة في جميع مفاصل الدُول سواء في القطاع العام او الخاص.
المشكلة ان الفساد ليس محصوراً فقط في قطاعات صناعية او تجارية، بل متغلغل في الصحة و التعليم و الاستثمار.
الفساد من اهم أسباب الفقر و الجوع و السرقة و الجرائم، فالجوع و الفقر يُولد دافع السرقة و السرقة تؤدي الى جرائم اكبر، و الفساد يساهم بشكل كبير في ترويج المخدرات و التفلت الخلقي.
الفساد يُدمر المجامع و يطيح بعجلة النمو، الاقتصادي و الاجتماعي.
الفساد اساسه قلة التربية و الأخلاق و بعدها قلة الرقابة و عدم المسؤولية. ليس هناك مبالغة اذا قلنا ان مكافحة الفساد سوف تدر عائدات كبيرة على الدولة و المجتمع، فتخفف من البطالة و الفقر و يرتفع مؤشر السعادة، و بالتالي إنتاجية اكثر و فُرص للنمو اكبر و اضخم.
الفساد اسوء الأمراض التي تصيب اي بلد، و التعافي من الفساد ليس بأمر مستحيل او حتى صعب المنال، فأولاً يجب على اي دولة البدء في مشروع محاربة الفساد و وضع خطة مُحكمة للنيل من هذه الظاهرة التي تقضي علينا جميعاً. يجب تطبيق القانون و محاسبة الفاسدين و ما أكثرهم، فهذه الخطوة سوف تُلجم المفسدين قليلاً و الاستمرار بمحاسبتهم سوف يطيح بهم أينما كانوا.
لا اريد الخوض في أمثلة عن الفساد، فهناك ملايين الأمثلة في القطاع الخاص و القطاع العام، و لكني اريد تسليط الضوء على مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة و المدمرة.
الرقابة ثم الرقابة ثم الرقابة هي الآلية السريعة للقضاء على الفساد. لا أتكلم فقط عن القطاع العام، بل القطاع الخاص لا يخلو من الفاسدين، فبدل من إغلاق مؤسسات بسبب العجز المادي او بدل من تخفيض العمالة بسبب قلة السيولة، محاربة الفساد كافية للنمو و الازدهار.
الرقابة ليست فقط من قِبل الدولة و مؤسساتها الأمنية و القضائية، بل هناك رقابة منزلية و ذاتية و اجتماعية أيضاً. فعندما ينبذ المجتمع المفسدين و الفساد سوف يصعب على هؤلاء التعاطي مع مصالحهم بنفس الطريقة المعتادة، و لكن للأسف المجتمع يشجع هؤلاء على الفساد بسبب التعاطي الإيجابي مع ذوي المال و السلطة.
محاربة الفساد تأتي من الإدارة الناجحة التي تمتلك صلاحيات واسعة و تدقق بشكل مستمر و واضح. الإدارة الناجحة هي وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، و قد ثبت ان المرأة اقل فساداً بكثير من الرجل. بحسب دراسة للبنك الدولي بعنوان “الفساد والمرأة في الحكومة”، “فإن لدى النساء معايير أعلى في السلوك الأخلاقي، ويبدو أنهن أكثر اهتماما بالصالح العام، حيث خلصت الدراسة إلى أن ارتفاع معدلات مشاركة الإناث في الحكومة يرتبط بمستويات منخفضة من الفساد، ومن ثم فإن زيادة أعداد النساء في السلطة يأتي بفوائد مجتمعية أكبر.”
مفهوم الفساد اصبح شطارة و هذا بسبب انخفاض المستوى الاخلاقي و الثقافي و العلمي في المجتمع، و الإهمال القانوني و انخفاض الوعي العام الذي يساهم في تشجيع الفاسد على المضي قُدماً في مشروعاته.
هناك ثروات تُبنى بالتعب و الجهد و الفكر السليم و الحظ و الإصرار و التوقيت الصحيح، و لكن بعد الوصول الى رقم معين من الثروة يصبح الامر مشكوكٌ فيه، مهما كَبُر اي مشروع او مشاريع، فكيف وصلت الثروة لهذا الرقم الخيالي؛ هل بالرشوة لأخذ عقود او طلبات، ام المحسوبية، ام طُرق اخرى غير شرعية و قانونية.
هناك غياب لمبدأ تكافؤ الفرص بين الافراد، و هنا المحسوبيات تلعب دوراً مهماً في تكريس هذا النوع من الفساد، و التهرب الضريبي و التزوير في أوراق رسمية و الإختلاس و السرقة.
تطبيق القانون هو العامل الأقوى لمحاربة الفساد و وجود الرقابة الإدارية و المالية، و إلغاء الإحتكاك المباشر بالموظفين و تشكيل لجان رقابية لها صلاحيات واسعة، و تفعيل دور اجهزة الأمن و القضاء و توعية المجتمع، كل هذه الأدوات سوف تساهم في الحد حتى لو واحد في المئة في البداية و بعدها هذا الرقم سوف يَكبر و يَكبر.
الرقابة يجب ان تكون في كل مؤسسة و كل شركة و تدخل في جميع التفاصيل الدقيقة من آلية تعيين الموظفين الى المشتريات الى المناقصات و العقود.
غالي ابو الشامات