الجمعة, 17 مايو, 2024 , 9:29 ص
د. غالي أبو الشامات

” التواصل الاجتماعى” والسيطرة على ملايين البشر

بقلم د. غالى أبو الشامات

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياة ملايين البشر من بعد ظهورها وانتشارها السريع في المجتمعات كافةً و الدعم الكبير من المتحكمين في العالم من الصف الاول لهذا النوع الجديد من بث الأفكار و المعلومات و التفاهات و الأكاذيب للسيطرة على ملايين البشر بشكل مباشر و غير مباشر.
ولا يقتصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على فئة عمرية أو فكرية معينة بل إن الأمر متاح للجميع، و هذه كارثة اخرى ضمن كوارث “السوشيال ميديا”.
لا شك أن العلم و التطور مطلوب و لكن لقد تعلمنا في حياتنا أن لكل شيء حد أو سقف، أما ما يحصل اليوم فلا سقف له و لا حدود من الناحية الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية و الفكرية و الأيديولوجية.. السلبيات أصبحت اكثر بكثير من الإيجابيات على مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح بث الشائعات أمر سهل و بسيط و تحريف الكلام و بث الأكاذيب و الأفكار الهدامة أمر عادي و يومي بل في كل دقيقة.
أصبحنا في عصر الأرقام الوهمية للمتابعين و حب الظهور الفارغ و التافه، و مع ذلك ترى شخصيات و مواقع مرموقة تبث الإيجابيات بين الناس، و لكن الفارق كبير جداً بين متابعين الفساد و التفاهة و السخافة و بين مواقع العلم و الأفكار الاقتصادية و الرؤية الصحيحة و تعلم اللغات و الأماكن السياحيّة و السفر، إلخ…
عندما يبث أحد التافهين صور أو فيديوهات عن “أحذية” او “شنط” او “سيارات” ترى عدد التعليقات و الإعجاب كبيرة جداً لصور اقل ما يُقال عنها سخيفة و فارغة و منحطة.
الغريب في الموضوع أن ما كان سخيف في الماضي أصبح حديث اليوم و موضة العصر و الفكر الجديد.
السؤال الذي يطرح نفسه، إلى أين نتجه؟ إلى أين ذاهب هذا العالم كله أو هذه الأغلبية من الناس. اتعجب من أن “حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه،” فها نحن نتبع سيرة الناس و صورهم و مشترياتهم و سلوكهم اليومي، و نسينا أنفسنا و حياتنا و أصبحت الناس تقارن بين ما تراه على الميديا و الحقيقة، فيصبح هناك فجوة كبيرة بين الواقع و الخيال، فمعظم الناس تُصدق للأسف ما تراه في حياة هؤلاء على الميديا و تقارن بين حياتها و حياة غيرها من الناس. مع العلم أن معظم ما يتم تصويره هو تمثيل و أكاذيب كثيرة و فبركة للواقع الذي يعيشونه، فيتوهم المشاهد و يتوهم أيضاً اصحاب هذه المواقع فيصدقون كذبتهم و فبركاتهم اليومية.

هناك عائلة اعرفها شخصياً تبث أخبار حياتها العائلية كل يوم، و تحظى بمشاركة فاعلة و معظم الناس تقول كم هذه العائلة سعيدة و مترابطة، و في الحقيقة العائلة تعيسة و هناك قضية طلاق بين الزوجين قائمة و في اي لحظة تتم، فتقارن العائلات السعيدة او الطبعيّة نفسهم بما يروا على الميديا و تحصل المقارنات في نوعية الاكل و نوعية اثاث المنزل و تربية الاطفال و السلوك المزيف امام عدسة الكاميرا ، بعدها تصبح العلاقات الطبيعية معرضة للتفكك بسبب تمثيلية وهمية سببها السوشيال ميديا و العقول الخفيفة التي تتبعها.. أصبح العالم يقتدي بأُناس غير مثقفين و غير متعلمين و غير متزنين فكرياً، بدل من اتباع الأنبياء و الصحابة و العلماء و المفكرين و أصحاب العقل السليم.. فهل أصبح اتباع فِكر شراء الملابس الثمينة و السيارات الغالية و الهوايات السخيفة و رؤية الرقص في النوادي الليلية و عمليات التجميل او عفواً عمليات التبشيع و المقارنة بين حياة الناس شيء صحيح؟ عجب و الله عجب.
درس عدد من الباحثين مشاعر القلق والاضطراب التي قد تثيرها السوشيال ميديا، والتي تشمل الشعور بعدم الراحة، واضطراب في النوم، وعدم التركيز و الشعور بالقلق الدائم و الخوف من المستقبل.
توصلت دراسات عديدة إلى أن هناك صلة بين الاكتئاب وبين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الحالة المزاجية المتدنية، والشعور بعدم قيمة الذات، واليأس، و الإحباط.
لوحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تغني الكثير من الأشخاص عن التواصل الحقيقي والمباشر مع الاقارب و الأصدقاء و العالم الحقيقي، ويحصرهم في غرفهم و بقعتهم الصغيرة، وقد أشار الكثير من الباحثين في هذا المجال أن الاندماج و الانخراط في هذا العالم الافتراضي قد يسبب الرهبة من المواجهة والتعايش مع المجتمع الحقيقي، و يهدم الفكر الصحيح و العلاقات الإنسانية و العاطفية و الفكرية. يجعل الانسان في قوقعه كبيرة فيها الغباء، و الاستحقار و السخافة و التفاهة و قلة الأدب في الدين و الأخلاق و المجتمع.

قال لي أعز الناس على قلبي في حوار شيق : “العالم يتغير بسرعة شديدة و سوف تصبح قلة الأدب و قلة الأخلاق موروث طبيعي في جميع العالم بلا استثناء، فكيف جعل الإنترنت العالم قرية صغيرة سوف تصبح الموبقات في دول العالم حالة عادية في جميع بقاع الارض.”
و قالت لي صديقتي الآنسة حلمي : “على مر الزمان حاول كبارنا الحفاظ على عاداتهم و تقاليدهم و تعاليم دينهم للسير بنا إلى أفضل مكان، و هذا كله عبر مسيرة مئات السنين، فتم هدم كل هذا في سنوات قصيرة و قصيرة جداً.”
أصبحت العادات الجميلة و الصحيحة في بلاد الشام و المغرب العربي في خبر كان، و أصبح الفكر المشمئز و الهدام هو المسيطر الوحيد.
لا اقول أن جميع عادات بلادنا صحيحة بل فيها من الأخطاء الكثير والكثير، و لكن مهما ساءت هذه العادات لا تُقارن و لا واحد في المئة مع القيّم الجديدة الدخيلة علينا.. هي ليست دخيلة علينا فقط بل على امريكا و أوروبا و اسيا، فكل تلك القارات فيها عادات و أفكار و قيم ممتازة و تُحترم و تُقدر.
يبقى الصراع بين الحق و الباطل و العلم و الجهل و الحب و الكراهية و الاحترام و قلة الأدب في مواجهة حقيقية و وجهاً لوجه لا خلف اي قناع.

اترك رد

%d