كشفت صور وتحاليل كيميائية وجود تضاريس كثيرة ومختلفة في كوكب بلوتو، منها الجبال والتدفقات الجليدية والسهول المنبسطة ومحيط تحت سطح أرض الكوكب وبراكين يبدو أنه تنبثق عنها كميات من الجليد.
أفادت دراسات نشرت نتائجها أمس الخميس (17 آذار/ مارس 2016) بأن أقرب مشاهدات تفصيلية لسطح الكوكب القزم بلوتو حتى الآن كشفت عن سلسلة غير متوقعة من الجبال والتدفقات الجليدية والسهول المنبسطة والتضاريس الأخرى.
جاءت هذه الإطلالة التي لا مثيل لها على بلوتو، الذي يدور حول الشمس لكنه أصغر حجما من الكواكب الأخرى، من خلال صور فائقة الدقة التقطها المسبار الآلي (نيو هورايزونز) التابع لإدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) عندما قامت هذه المركبة الفضائية التي تقوم برحلات بين الكواكب بأول زيارة لبلوتو وأقماره الخمسة في يوليو تموز الماضي.
وتوضح خمس أوراق بحثية نشرت هذا الأسبوع بدورية (ساينس) أن هذه الصور والتحاليل الكيميائية ومعلومات أخرى تمثل عالما معقدا من الأنشطة الجيولوجية النشطة التي تبعد عن كوكب الأرض مسافة ثلاثة مليارات ميل علاوة على محيط تحت سطح أرض الكوكب وبراكين يبدو أنه تنبثق عنها كميات من الجليد.
وقال وليام مكينون عالم الفلك بجامعة واشنطن في سانت لويس بميزوري "إنه مكان موحش نوعا ما من الناحية الجيولوجية". ووصف عالم آخر مدى تنوع التضاريس بأنه "مثير". ولا تزال أسباب هذا التنوع لغزا بالنسبة إلى الكوكب الذي تبلغ درجة الحرارة على سطحه 229 درجة مئوية تحت الصفر. ويتوقع العلماء حدوث عدة عمليات على بلوتو منها تبخر الجليد المتطاير مثل غازات النيتروجين وأول أكسيد الكربون والميثان في الحالة الغازية في الغلاف الجوي البارد الكثيف لبلوتو.
وعلى الرغم من أن بلوتو أصغر من القمر التابع لكوكب الأرض إلا أن من المرجح أن تكون لديه طاقة داخلية كامنة كافية بسبب نشأته قبل 4.5 مليار سنة تحافظ على أبرز سماته وهي عبارة عن حوض منبسط مساحته ألف كيلومتر على شكل قلب يسمى (سبوتنيك بلانوم).
ومن الصعوبة بمكان تفسير وجود جبال حديثة نسبيا إلى الغرب من حوض (سبوتنيك بلانوم) وتلال إلى الجنوب منه فيما يتوقع العلماء أن تستقر هذه التضاريس على كتل من الماء في صورة جليد على الرغم من عدم معرفة كيفية وجود هذه التكوينات على بلوتو.
وقال آلان ستيرن كبير الباحثين المشرفين على برنامج مهمة (نيو هورايزونز) ""نشعر بدهشة لكل ذلك". وتظهر النتائج أن (تشارون) أكبر أقمار بلوتو لديه حياة نشطة على سطحه لكنه يفتقد الحرارة الإشعاعية التي تحدث طبيعيا داخل صخوره التي تجمدت منذ نحو ملياري عام.
ويرى العلماء أن بلوتو و(تشارون) وأقماره الأربعة الأخرى الأصغر جاءت إلى الوجود بسبب حدوث تصادم بين بلوتو وجرم آخر في حجم بلوتو وذلك في المراحل المبكرة من نشأة المجموعة الشمسية. ومثلما حدث مع القمر الذي يدور حول كوكب الأرض يرى العلماء أن الأقمار الصناعية الطبيعية لبلوتو تكونت بفعل الحطام الناتج عقب واقعة التصادم الفضائي تلك.
واكتشف علماء ما يبدو أنها "براكين تنبثق منها كتل جليدية" على سطح بلوتو ما يثير أسئلة بشأن ما إذا كان هذا الكوكب النائي الصغير نشطا من الناحية الجيولوجية. وتبلغ مسافة بعد بلوتو عن الشمس نحو 30 مرة مثل المسافة بين الشمس وكوكب الأرض ورصد المسبار (نيو هورايزونز) شقوقا عميقة كثيرة على سطح بلوتو ما يوضح أن وجود مثل هذه التصدعات الكثيرة على بلوتو يوضح أن سطح قشرته الخارجية شهدت تمددا كبيرا في أحد الأزمنة التاريخية.
والهدف من مهمة المسبار التي تكلفت 720 مليون دولار رسم خريطة لسطح بلوتو و(تشارون) أكبر أقماره وتحديد المواد المكونة لهما فضلا عن دراسة الغلاف الجوي لبلوتو. وأطلق (نيو هورايزونز) في يناير كانون الثاني من عام 2006 وقطع مسافة 4.88 مليار كيلومتر حتى أصبح عند أقرب نقطة من الكوكب.
كانت باكورة النتائج التي تمخضت عنها رحلة المسبار متوجا رحلته التي استغرقت تسع سنوات ونصف السنة اكتشاف منخفضات وصخور ووديان وجبال شاهقة على بلوتو بعد أن أصبح على مسافة 12550 كيلومترا من الكوكب النائي وأقماره الخمسة.
ويدور بلوتو حول الشمس مرة كل 248 سنة في مدار يتغير ويتبدل مع تغير الفصول والمواسم. ويقترب بلوتو في دورانه حول الشمس على مسافة أقل من تلك التي يقترب بها كوكب نبتون. واللغز المحير الآخر هو كيف احتفظ بلوتو بهذا الوجه الشاب إذ كان يعتقد أن هذا الجرم المتجمد حافلا بالحفر والوهاد نتيجة لاصطدام صخور حزام كويبر بسطحه والكتل الصخرية الأخرى التي انهمرت عليه على مر العصور.
وفيما كان بلوتو يعتبر مجرد كوكب قزم متجمد، إلا أن بوادر جيولوجية ظهرت على سطحه بما في ذلك تحركات محتملة سابقة وحالية للكتلة البنائية للقشرة الخارجية أو ما يسمى بالحركات التكتونية. وبعد إطلاق المسبار بستة أشهر وفيما كان في طريقه للكوكب حرم الاتحاد الدولي الفلكي بلوتو من لقب كوكب ومن كونه الكوكب التاسع من كواكب المجموعة الشمسية وبات كوكبا قزما بعد أن اكتشف أكثر من ألفين من أمثاله منذ اكتشافه ضمن ما يقدر بمئات الآلاف من الأجرام الفلكية.